325
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

مذهبه عليه السلام ما قُلناه ، وكان معاوية عنده فاسقا ، وقد سبق عنده مقدّمة اُخرى يقينيّة ، هي أنّ استعمال الفاسق لا يجوز ، ولم يكن ممّن يرى تمهيد قاعدة الخلافة بمخالفة الشريعة . فقد تعيّن مجاهرته بالعزل ، وإن أفضى ذلك إلى الحرب ۱ .

3 / 2

رفض سياسة المداهنة

۲۳۶۴.مروج الذهب عن ابن عبّاس :قَدِمتُ مِن مَكَّةَ بَعدَ مَقتَلِ عُثمانَ بِخَمسِ لَيالٍ ، فَجِئتُ عَلِيّا أدخُلُ عَلَيهِ ، فَقيلَ لي : عِندَهُ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ ، فَجَلَستُ بِالبابِ ساعَةً ، فَخَرَجَ المُغيرَةُ ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ، وقالَ : مَتى قَدِمتَ ؟ قُلتُ : السّاعَةَ ، ودَخَلتُ عَلى عَلِيٍّ وسَلَّمتُ عَلَيهِ . . .
قُلتُ : أخبِرني عَن شَأنِ المُغيرَةِ ، ولِمَ خَلا بِكَ ؟
قالَ : جاءَني بَعدَ مَقتَلِ عُثمانَ بِيَومَينِ ، فَقالَ : أخلِني ، فَفَعَلتُ ، فَقالَ : إنَّ النُّصحَ رَخيصٌ ، وأنتَ بَقِيَّةُ النّاسِ ، وأنَا لَكَ ناصِحٌ ، وأنَا اُشيرُ عَلَيكَ أن لا تَرُدَّ عُمّالَ عُثمانَ عامَكَ هذا ، فَاكُتب إلَيهِم بِإِثباتِهِم عَلى أعمالِهِم ، فَإِذا بايَعوا لَكَ ، وَاطمَأَنَّ أمرُكَ ، عَزَلتَ مَن أحبَبتَ ، وأقرَرتَ مَن أحبَبتَ .
فَقُلتُ لَهُ : وَاللّهِ ، لا اُداهِنُ في ديني ، ولا اُعطِي الرِّياءَ في أمري .
قالَ : فَإِن كُنتَ قَد أبَيتَ فَانزِع مَن شِئتَ ، وَاترُك مُعاوِيَةَ ؛ فَإِنَّ لَهُ جُرأَةً وهُوَ في أهلِ الشّامِ مَسموعٌ مِنهُ ، ولَكَ حُجَّةٌ في إثباتِهِ ، فَقَد كانَ عُمَرُ وَلّاهُ الشّامَ كُلَّها .
فَقُلتُ لَهُ : لا وَاللّهِ ، لا أستَعمِلُ مُعاوِيَةَ يَومَينِ أبَدا .

1.شرح نهج البلاغة : ج۱۰ ص۲۴۶ . أقول : لمّا كان زياد عاملاً للإمام عليه السلام كان سياسيّا مستقيما ، وإنّما انحرف بعد شهادة أميرالمؤمنين عليه السلام بل بعد سنة من صلح الحسن عليه السلام فاستخدامه في المناصب الحكوميّة لاينافي الاُصول السياسيّة للإمام عليّ عليه السلام .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
324

يبتدئ في أوّل أمره بما انتهى إليه عثمان في آخره ، فأفضى إلى خلعه وقتله ؟ ! ولو كان ذلك في حكم الشريعة سائغا والوزر فيه مأمونا لكان غلطا قبيحا في السياسة ، وسببا قويّا للعصيان والمخالفة ، ولم يكن يمكنه عليه السلام أن يقول للمسلمين : إنّ حقيقة رأيي عزل معاوية عند استقرار الأمر وطاعة الجمهور لي ، وإنّ قصدي بإقراره على الولاية مخادعته وتعجيل طاعته ومبايعة الأجناد الذين قِبله ، ثمّ أستأنف بعد ذلك فيه ما يستحقّه من العزل ، وأعمل فيه بموجب العدل ؛ لأنّ إظهاره عليه السلام لهذا العزم كان يتّصل خبره بمعاوية ، فيفسد التدبير الذي شرع فيه ، وينتقض الرأي الذي عوّل عليه ۱ .

3 ـ إبقاء معاوية يتعارض مع المباني السياسيّة للإمام

قدّم ابن سنان ردّا آخر على الطعن بسياسته في عزل معاوية ، وفيه إشارة إلى مبانيه السياسيّة في الحكم ۲ ، ويسمّيه جوابا حقيقيّا ويقول فيه : واعلم أنّ حقيقة الجواب هو أنّ عليّا عليه السلام كان لا يرى مخالفة الشرع لأجل السياسة ، سواء أكانت تلك السياسة دينيّة أو دنيويّة ؛ أمّا الدنيويّة فنحو أن يتوهّم الإمام في إنسان أنّه يروم فساد خلافته من غير أن يثبت ذلك عليه يقينا ؛ فإنّ عليّا عليه السلام لم يكن يستحلّ قتله ولا حبسه ، ولا يعمل بالتوهّم وبالقول غير المحقّق . وأمّا الدينيّة فنحو ضرب المتّهم بالسرقة ؛ فإنّه أيضا لم يكن يعمل به ، بل يقول : إن يثبت عليه بإقرار أو بيّنة أقمتُ عليه الحدّ ، وإلّا لم أعترضه .
وغير عليّ عليه السلام قد كان منهم من يرى خلاف هذا الرأي ، ومذهب مالك بن أنس العمل على المصالح المرسلة ، وأنّه يجوز للإمام أن يقتل ثلث الاُمّة لإصلاح الثلثين ، ومذهب أكثر الناس أنّه يجوز العمل بالرأي وبغالب الظنّ ، وإذا كان

1.شرح نهج البلاغة : ج۱۰ ص۲۴۷ .

2.جاء شرح المباني السياسيّة للإمام عليه السلام بالتفصيل في مدخل القسم الخامس .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 149052
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي