365
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

أهداف معاوية

قبل أن ندلف إلى تبيين الأهداف التي كان يصبو إليها معاوية من الحرب الدعائية ، من الضروري أن نشير إلى أنّ الرسائل السياسيّة كانت تعدّ في ذلك العصر واحدة من أهمّ أدوات الحرب النفسيّة والدعائيّة . ففي ذلك العهد كانت وسائل الإعلام تقتصر على الخطب العامّة والرسائل ، ومن الطبيعي أن يكون للرسائل فاعليّة إعلاميّة تفوق ما للخطابة . وربّما استطعنا أن نقارب التأثير الإعلامي للرسائل في ذلك العصر بما للصحافة المعاصرة من موقع في وقتنا الحاضر .
لقد بادر معاوية إلى شنّ حرب دعائيّة شاملة ضدَّ الإمام قبل أن تبدأ لحظة الاشتباك العسكري المباشر معه . فبالاستناد إلى مرتكزات نهجه السياسي رام معاوية من وراء حرب الدعاية هذه أن يهيّئ الأرضيّة الاجتماعيّة للالتحام العسكري المباشر ، حيث وظّف في هذه الحرب آليّة الخطابة وآليّة الرسالة في الوقت ذاته .
لقد كان يبغي من وراء حربه الدعائيّة تحقيق عدد من الأهداف ، هي :

1 ـ اتّهام الإمام بقتل عثمان

يركّز الشطر الأعظم من كتب معاوية إلى الإمام على هذا الموضوع . أمّا البواعث التي أملت على معاوية اتّهام الإمام بالتورّط بقتل عثمان ، فقد تمثّلت ـ من جهة ـ بالطعن بأهليّة الإمام في تسنّم الخلافة ، كما تحرّكت ـ من جهة ثانية ـ باتّجاه تمهيد الأجواء للاصطدام العسكري المباشر معه بذريعة الطلب بدم عثمان ، ومن ثمّ تهيئة المناخ اللازم لوصول معاوية نفسه إلى السلطة .
كثيرة هي الوثائق التأريخيّة التي تثبت صحّة هذا الادّعاء ۱ . فقد انتهج معاوية

1.قال البلاذري في أنساب الأشراف : بعث معاوية النعمان بن بشير الأنصاري وأبا هريرة الدوسي بعد فأبي مسلم الخولاني إلى عليّ يدعوانه إلى أن يسلّم قتلة عثمان بن عفّان ليُقتلوا به ، فيصلح أمر الناس ويكفّ الحرب ، وكان معاوية عالما بأنّ عليّا لا يفعل ذلك ، ولكنّه أحبّ أن يشهد عليه عند أهل الشام بامتناعه من إسلام اُولئك والتبرّي منهم ، فيشرع له أن يقول : إنّه قتله ، فيزداد أهل الشام غيظا عليه وحنقا وبصيرةً في محاربته وعداوته . فلمّا صارا إليه فأبلغاه ما سأله معاوية امتنع من إجابتهما إلى شيء ممّا قدما له ، فانصرف أبو هريرة إلى الشام ، فأمره معاوية بأن يعلم الناس ما كان بينه وبين عليّ (أنساب الأشراف : ج۳ ص۲۰۵) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
364

وقالَ : يا أبا عُمارَةَ ! إنَّ الأَمرَ الَّذِي اجتَلَدنا عَلَيهِ بِالسَّيفِ أمسى في يَدِ غِلمانِنَا اليَومَ يَتَلَعَّبونَ بِهِ !
ثُمَّ آلَ الأَمرُ إلى أن يُفاخِرَ مُعاوِيَةُ عَلِيّاً ، كَما يَتَفاخَرُ الأَكفاءُ وَالنُّظَراءُ ! !

إذا عَيَّرَ الطّائِيَّ بِالبُخلِ مادِرٌ
وقَرَّعَ قُسّاً بِالفَهاهَةِ باقِلُ

وقالَ السُّها لِلشَّمسِ : أنتِ خَفِيَّةٌ
وقالَ الدُّجى : يا صُبحُ لَونُكَ حائِلُ

وفاخَرَتِ الأَرضُ السَّماءَ سَفاهَةً
وكاثَرَتِ الشُّهُبَ الحَصا وَالجَنادِلُ

فَيا مَوتُ زُرْ إنَّ الحَياةَ ذَميمَةٌ
ويا نَفسِ جِدّي إنَّ دَهرَكِ هازِلُ !

ثُمَّ أقولُ ثانِياً لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام : لَيتَ شِعري ، لِماذا فَتَحَ بابَ الكِتابِ وَالجَوابِ بَينَهُ وبَينَ مُعاوِيَةَ ؟ ! وإذا كانَتِ الضَّرورَةُ قَد قادَت إلى ذلِكَ فَهَلَا اقتَصَرَ فِي الكِتابِ إلَيهِ عَلَى المَوعِظَةِ مِن غَيرِ تَعَرُّضٍ لِلمُفاخَرَةِ وَالمُنافَرَةِ ! وإذا كانَ لابُدَّ مِنهُما فَهَلَا اكتَفى بِهِما مِن غَيرِ تَعَرُّضٍ لِأَمرٍ آخَرَ يوجِبُ المُقابَلَةَ وَالمُعارَضَةَ بِمِثلِهِ ، وبِأَشَدَّ مِنهُ : «وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوَا بِغَيْرِ عِلْمٍ»۱ . . . ولَعَلَّهُ عليه السلام قَد كانَ يَظهَرُ لَهُ مِنَ المَصلَحَةِ حينَئِذٍ ما يَغيبُ عَنَّا الآنَ ، وللّهِِ أمرٌ هُوَ بالِغُهُ !» ۲ .
وحقيقة الأمر تؤول إلى ما ذكره ابن أبي الحديد نهاية كلامه بصيغة الاحتمال . فالشيء الجزمي أنّ الإمام لم يلج مضمار هذه الحرب الدعائيّة من دون حكمة ، ولكي نتلمّس الحكمة من وراء مكاتبات الإمام يتحتّم أن نعرف في البدء طبيعة الأهداف التي كان يتوخاها معاوية من إطلاق الحرب الدعائيّة ضدّ الإمام .

1.الأنعام : ۱۰۸ .

2.شرح نهج البلاغة : ج۱۶ ص۱۳۶ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 149203
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي