367
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

إمّا مُكاتَبَةً أو مُراسَلَةً ، فَيَجعَلَ ذلِكَ حُجَّةً عَلَيهِ عِندَ أهلِ الشّامِ . . .
فَكانَت هذِهِ الطّامَّةُ الكُبرى لَيسَت مُقتَصِرَةً عَلى فَسادِ أهلِ الشّامِ عَلَيهِ ، بَل وأهلِ العِراقِ الَّذينَ هُم جُندُهُ وبِطانَتُهُ وأنصارُهُ ؛ لِأَنَّهُم كانوا يَعتَقِدونَ إمامَةَ الشَّيخَينِ ، إلَا القَليلَ الشّاذَّ مِن خَواصِّ الشّيعَةِ» ۱ .

3 ـ التعريض بشموليّة بيعة الاُمّة للإمام

اتّضح من مقدّمة القسم أنّ سعة بيعة عموم الناس للإمام هي واحدة من نقاط القوّة البارزة التي اقترنت مع بداية حكمه ، إذ لم يحظَ أيّ من الخلفاء السابقين بمثل هذا الشمول . وما كان يرمي إليه معاوية في حربه الدعائيّة هو تشويه هذه النقطة والنيل من هذا المكسب ، والإيحاء بأنّ عدم مبايعة أهل الشام للإمام هي دليل عدم شرعيّة خلافته .

4 ـ النيل من قداسة الإمام في الوجدان الشعبي

لقد كان معاوية على دراية تامّة بأنّه لا يستطيع مواجهة الإمام والوقوف ضدّه مع كلّ الرصيد الضخم الذي يحظى به أمير المؤمنين عليه السلام وما له من سابقة مشرقة في هذا الدين ، إلّا بتهديم تلك القداسة في الأذهان والنيل من هالته في الوجدان الشعبي ، عبر عمل دعائي مكثّف تتخلّله عناصر التضليل والخداع . وما الرسائل التي بعث بها للإمام إلّا خطوة في هذا الاتّجاه ، ثمّ جاء سبّه من على المنابر استكمالاً لهذا النهج .

حكمة أجوبة الإمام لمعاوية

والآن نتساءل : ما الذي كان سيقع لو أنّ الإمام تراجع في هذه الحرب الدعائيّة ؟ وماذا لو لم يفتح باب المكاتبة مع معاوية بحسب تفكير ابن أبي الحديد ؟ وماذا

1.شرح نهج البلاغة : ج۱۵ ص۱۸۴ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
366

هذه السياسة الشيطانيّة بوضوح حتى قبل مقتل عثمان ، حينما تباطأ عن نصرته . وقد بلغ من شدّة جلاء هذا الأمر أنّ عثمان حينما رأى إهمال معاوية لمؤازرته برغم إصراره في أن يبعث إليه بقوّة تحميه في مقابل الثائرين ؛ قال له صراحة : «أرَدتَ أن اُقتَلَ فَتَقولَ : أنَا وَلِيُّ الثَّأرِ» ۱ !

2 ـ دفع الإمام للحديث ضدّ الخلفاء

يعرف معاوية جيّداً أنّ عليّاً عليه السلام يعدّ نفسه هو الخليفة بلا فصل بعد النبيّ صلى الله عليه و آله وأنّ الإمام يعتقد بأنّه قد أصابه الظلم في هذه الواقعة ، ولذلك اعتصم بالمقاومة وامتنع عن بيعة أبي بكر ما كانت زوجته فاطمة الزهراء عليهاالسلامبضعة النبي صلى الله عليه و آله على قيد الحياة . بيدَ أنّ الإمام لم يكن يرى من المصلحة أن يجهر بهذا الأمر ، لما يفضي إليه ذلك من وقوع الفرقة في المجتمع الإسلامي ، وتصدّع الكيان السياسي للمسلمين .
وفي هذا الاتّجاه كانت إحدى أهداف معاوية من حربه الدعائيّة أن يدفع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للتعريض بالخليفتين الأوّل والثاني ، لكي يصيِّر ذلك ذريعة إلى محاصرته أمام الرأي العام وإحراجه ، ووسيلة إلى بثّ الفرقة بين أنصاره وأتباعه .
يقول النقيب أبو جعفر بهذا الشأن : «كانَ مُعاوِيَةُ يَتَسَقَّطُ عَلِياً ويَنعى عَلَيهِ ما عَساهُ يَذكُرُهُ مِن حالِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ، وأنَّهُما غَصَباهُ حَقَّهُ ، ولا يَزالُ يَكيدُهُ بِالكِتابِ يَكتُبُهُ ، وَالرِّسالَةِ يَبعَثُها يَطلُبُ غِرَّتَهُ ، لِيَنفُثَ بِما في صَدرِهِ مِن حالِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ،

1.تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۷۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 150540
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي