397
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

إمّا رَغبَةً وإمّا رَهبَةً ، عَلى حينَ فازَ أهلُ السَّبقِ بِسَبقِهِم وفازَ المُهاجِرونَ الأَوَّلونَ بِفَضلِهِم . فَلا يَنبَغي لِمَن لَيسَت لَهُ مِثلُ سَوابِقِهِم فِي الدّينِ ولا فَضائِلِهِم فِي الإِسلامِ ، أن يُنازِعَهُمُ الأَمرَ الَّذي هُم أهلُهُ وأولى بِهِ ، فَيَحوبَ ۱ بِظُلمٍ . ولا يَنبَغي لِمَن كانَ لَهُ عَقلٌ أن يَجهَلَ قَدرَهُ ، ولا أن يَعدُوَ طَورَهُ ، ولا أن يُشقِيَ نَفسَهُ بِالتِماسِ ما لَيسَ لَهُ . ثُمَّ إنَّ أولَى النّاسِ بِأَمرِ هذِهِ الاُمَّةِ قَديما وحَديثا ، أقرَبُها مِن رَسولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ ، وأعلَمُها بِالكِتابِ وأفقَهُها فِي الدّينِ ، وأوَّلُها إسلاما وأفضَلُها جِهادا وأشَدُّها بِما تُحَمِّلُهُ الرَّعِيَّةُ مِن أمورِهَا اضطِلاعا . فَاتَّقُوا اللّهَ الَّذي إلَيهِ تُرجَعونَ ، «وَ لَا تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَـطِـلِ وَ تَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَ أَنتُمْ تَعْلَمُونَ»۲ . وَاعلَموا أنَّ خِيارَ عِبادِ اللّهِ الَّذيَن يَعمَلونَ بِما يَعلَمونَ ، وأنَّ شِرارَهُمُ الجُهّالُ الَّذينَ يُنازِعونَ بِالجَهلِ أهلَ العِلمِ ، فَإِنَّ لِلعالِمِ بِعِلمِهِ فَضلاً ، وإنَّ الجاهِلَ لَن يَزدادَ بِمُنازَعَةِ العالِمِ إلّا جَهلاً .
ألا وإنّي أدعوكُم إلى كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ ، وحَقنِ دِماءِ هذِهِ الاُمَّةِ . فَإِن قَبِلتُم أصَبتُم رُشدَكُم ، وَاهتَدَيتُم لِحَظِّكُم . وإن أبَيتُم إلَا الفُرقَةَ وشَقَّ عَصا هذِهِ الاُمَّةِ فَلَن تَزدادوا مِنَ اللّهِ إلّا بُعدا ، ولَن يَزدادَ الرَّبُّ عَلَيكُم إلّا سُخطا . وَالسَّلامُ .
فَكَتَبَ إلَيهِ مُعاوِيَةُ : أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّهُ :

لَيسَ بَيني وبَينَ قَيسٍ عِتابٌ
غَيرُ طَعنِ الكُلى وضَربِ الرِّقابِ

فَقالَ عَلِيٌ : «إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَـكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»۳۴ .

1.الحُوب : الإثم ، وفلان يَتحوَّب من كذا ؛ أي يتأثّم (لسان العرب : ج۱ ص۳۴۰) .

2.البقرة : ۴۲ .

3.القصص : ۵۶ .

4.وقعة صفّين : ص۱۴۹ ، الأمالي للطوسي : ص۱۸۳ ح۳۰۸ عن جبر بن نوف نحوه وراجع أنساب الأشراف : ج۳ ص۸۰ والإمامة والسياسة : ج۱ ص۶۸ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
396

رَكِبوا خَلفَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ فَرَدّوهُ وقالوا : اِرجِع يا أميرَ المُؤمِنينَ ! فَإِنَّنا عاقِدونَ لَكَ جِسرا .
قالَ : فَرَجَعَ عَلِيٌّ إلَى الرَّقَّةِ ، وعَقَدوا لَهُ جِسرا عَلَى الفُراتِ ، ونادى في أصحابِهِ أنِ اركَبوا ! فَرَكِبَتِ النّاسُ وعَبَرَتِ الأَثقالُ كُلُّها ، وعَبَرَ النّاسُ بِأَجمَعِهِم ، وعَلِيٌّ واقِفٌ في ألفِ فارِسٍ مِن أصحابِهِ ، ثُمَّ عَبَرَ آخِرَ النّاسِ ۱ .

6 / 10

كِتابُ الإِمامِ إلى مُعاوِيَةَ وجَوابُهُ

۲۴۳۵.وقعة صفّين عن أبي الوداك :إنَّ طائِفَةً مِن أصحابِ عَلِيٍّ قالوا لَهُ : اُكتُب إلى مُعاوِيَةَ وإلى مَن قِبَلَهُ مِن قَومِكَ بِكِتابٍ تَدعوهُم فيهِ إلَيكَ وتَأمُرُهُم بِتَركِ ماهُم فيهِ مِنَ الخَطَأِ فَإِنَّ الحُجَّةَ لَن تَزدادَ عَلَيهِم بِذلِكَ إلّا عِظَما ، فَكَتَبَ إلَيهِم :
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مُعاوِيَةَ وإلى مَن قِبَلَهُ مِن قُرَيشٍ .
سَلامٌ عَلَيكُم فَإِنّي أحمَدُ اللّهَ إلَيكُمُ اللّهَ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ .
أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ للّهِِ عِبادا آمَنوا بِالتَّنزيلِ ، وعَرَفُوا التَّأوِيلَ ، وفَقُهوا فِي الدِّينِ ، وبَيَّنَ اللّهُ فَضلَهُم فِي القُرآنِ الحَكيمِ ، وأنتُم في ذلِكَ الزَّمانِ أعداءٌ لِرَسولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ ، تُكَذِّبونَ بِالكِتابِ ، مُجمِعونَ عَلى حَربِ المُسلِمينَ ، مَن ثَقِفتُم مِنهُم حَبَستُموهُ أو عَذَّبتُموهُ أو قَتَلتُموهُ ، حَتّى أرادَ اللّهُ إعزازَ دينِهِ وإظهارَ رَسولِهِ ، ودَخَلَتِ العَرَبُ في دينِهِ أفواجا ، وأسلَمَت لَهُ هذِهِ الاُمَّةُ طَوعا وكَرها ، وكُنتُم مِمَّن دَخَلَ في هذَا الدّين

1.الفتوح : ج۲ ص۵۶۴ ، تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۶۵ ، شرح نهج البلاغة : ج۳ ص۲۱۱ ؛ وقعة صفّين : ص۱۵۱ كلّها نحوه .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 150527
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي