لمسايرته ، ولم يكن الخواصّ راضين بمماشاته ، وكان العوامّ تبعاً لاُولئك ؛ وفي فضاء ينضح بشبهة قتال أهل القبلة ، ومحاربة شخصيّات لها في هذا الدين سابقة ، وهي إلى ذلك تتسربل وشاح القدسيّة وتتظاهر به ؛ وفي ظلّ أوضاع قاتمة انقلب فيها المقاتلون إلى حالة مطبقة من التآكل والضجر بعد ثلاثة حروب دمويّة أمضوها في سنتين من دون غنائم ومكاسب مادّيّة تذكر . وفي مشهد غاب عنه كبار أصحاب الإمام وخلّص حواريه ، وفي الوقت الذي راح جيش معاوية يواصل غاراته على الناس من دون انقطاع ، في أجواء مكفهرّةٍ كهذه ، كم هي الكفاءة التي يحتاج إليها القائد لكي يحثّ الجمهور على العودة إلى القتال ، ويعبّئه لحرب معاوية مجدّداً من دون أن يتوسّل بمنطق القوّة؟
لقد كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يحظى بهذه الكفاءة كلّها ، وخير ما يشهد لهذه الكفاءة ويفصح عن هذا الادّعاء بجلاء هو الخطبة الحماسيّة التي كان قد ألقاها الإمام قبل بعث الجند إلى صفّين مجدّداً ، فعن نوف البكالي ، قال : «خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة وهو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي ، وعليه مدرعة من صوف ، وحمائل سيفه ليف ، وفي رجليه نعلان من ليف ، وكأن جبينه ثَفَنةُ بعير» .
وفي نهاية الخطبة نادى الإمام بأعلى صوته : «الجِهادَ الجِهادَ عِبادَ اللّهِ! ألا وإنّي مُعَسكِرٌ في يَومي هذا ، فَمَن أرادَ الرَّواحَ إلَى اللّهِ فَليَخرُج!»
قال نوف : وعقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف ، ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعداد اُخر ، وهو يريد الرجعة إلى صفّين ، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم ـ لعنه اللّه ـ فتراجعت العساكر ، فكنّا كأغنام فقدت راعيها ، تختطفها الذئاب من كلّ مكان! ۱