399
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

على ضوء هذه الإيضاحات ، فإنَّ ما ينبغي دراسته على هذا الصعيد ، مسألتان:
الاُولى : تصفيد الشياطين وغلّها في شهر رمضان .
الثانية : البحث عن العوامل الكامنة وراء اجتراح الخطايا وظهور الذنوب في هذا الشهر ، على الرغم من تصفيدالشياطين وغياب دورها الإغوائي .

علّة تصفيد الشياطين في شهر رمضان

تفيد عملية دراسة النصوص الإسلامية وتحليلها ، وجود علّتين لغلّ الشياطين ومنعها في شهر رمضان ، على النحو الّذيتأتي فيه العلّة الثانية في طول العلّة الاُولى . وهاتان العلّتان هما :
العلّة الاُولى : الممانعة الطبيعية للصيام
يُزيل الصوم على نحو طبيعي الأرضية الّتي تتحرّك عليها سلطة الشيطان للتأثير على الإنسان وإغوائه ، وبتعبير أدقّ ليست السلسلة الّتي تقيّد الشيطان وتغلّه في شهر رمضان سوى الصوم نفسه ، ومن هنا ما جاء عن النَّبي فيقوله صلى الله عليه و آله :
إنَّ الشَّيطانَ لَيَجري مِنِ ابنِ آدَمَ مَجرَى الدَّمِ فَضَيِّقوا مَجارِيَهُ بِالجُوعِ. ۱
العلّة الثانية : اللطف الإلهي الخاص
بالإضافة إلى الرصيد الّذي يوفّره صوم شهر رمضان للصائمين طبيعيا ، متمثّلاً باحتواء سلطة الشيطان وردع إغواءاته عنهم ،فإنَّ هذه الممارسة العبادية تتحوّل بنفسها إلى أرضية لانهمار ألطاف اللّه عليهم وشمولهم بها ، وحينئذٍ فإنَّ ما جاء في الأحاديث من تصفيد الشياطين ، وغلّها في هذا الشهر إنّما هو إشارة لهذا المعنى .
بعبارة اُخرى ، إنَّ اللطف الإلهي ليس جزافا حتّى يصحّ السؤال : لماذا لم يمنع سبحانه سلطة الشياطين ويحول بينها وبين الإنسان في بقيّة الشهور ؟ كلّا ، إنّما ينشأ مبدأ التوفيق الرباني واللطف الإلهي من واقع اختيار الإنسان نفسه ، ودخوله في رحاب الضيافة الرمضانية .

علّة عدم الانتفاع من غلّ الشياطين

لو تفقد سلطة الشياطين على الإنسان في هذا الشهر على الأقل بالنسبة إلى الصائمين ، لماذا نرى غفلة الصائمين وابتلاءهم بالخطايا والذنوب في هذا الشهر أحيانا نسبية تصفيد الشياطين
إنَّ السلسلة الّتي تقيّد الشيطان يتألّف قوامها من صوم شهر رمضان نفسه وليس من شيءآخر ، على هذا فكلّما اتّسم الصوم بالإتقان والتكامل ، زاد ذلك من إحكام السلسلة الّتي تغلّ الشيطان وتردع النفس الأمّارة ، ومن ثَمَّ أدّى ذلك إلى تضاؤل الغفلة والانحرافات الناجمة عنها .

1.إحياء علوم الدين : ج ۱ ص ۳۴۷ ؛ المحجّة البيضاء : ج ۵ ص ۱۴۸ ، عوالي اللآلي : ج ۱ ص ۲۷۳ ح ۹۷ و ص ۳۲۵ ح ۶۶ ، بحار الأنوار : ج ۷۰ ص ۴۲ . أقول : قد ورد هذا الحديث من دون قوله : « فضيّقوا مجاريه بالجوع» في المصادر التالية : صحيح البخاري : ج ۶ ص ۲۶۲۴ ح ۶۷۵۰ ، سنن ابن ماجة : ج ۱ ص ۵۶۶ ح ۱۷۷۹ ، مسند ابن حنبل :ج ۴ ص ۳۱۳ ح ۱۲۵۹۳ و ص ۵۶۸ ح ۱۴۰۴۴ ، سنن الدارمي : ج ۲ ص ۷۷۶ ح ۲۶۸۰ .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
398

ما أعتَقَ فيما مَضى . ۱

۲۵۴۵.عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ للّهِِ عز و جل عِندَ كُلِّ فَطرَةٍ ۲ عُتَقاءَ مِنَ النّارِ . ۳

ج ـ تَصفيدُ الشَّياطين

۲۵۴۶.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا دَخَلَ شَهرُ رَمَضانَ فُتِّحَت أبوابُ الرَّحمَةِ ، وغُلِّقَت أبوابُ جَهَنَّمَ ، وسُلسِلَتِ الشَّياطينُ . ۴

۲۵۴۷.عنه صلى الله عليه و آلهـ مِن خُطبَتِهِ في آخِرِ جُمُعَةٍ مِن شَعبانَ ـ: يا مَعشَرَ النّاسِ ، إذا طَلَعَ هِلالُ شَهرِ رَمَضانَ غُلَّت مَرَدَةُ الشَّياطينِ ، وفُتِّحَت أبوابُ السَّماءِ وأبوابُ الجِنانِ وأبوابُ الرَّحمَةِ ، وغُلِّقَت أبوابُ النّارِ . ۵

۲۵۴۸.عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ أوَّلُ لَيلَةٍ مِن شَهرِ رَمَضانَ نادَى الجَليلُ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ : « ... يا جَبرَئيلُ ... ، انزِل عَلَى الأَرضِ فَغُلَّ فيها مَرَدَةَ الشَّياطينِ حَتّى لايُفسِدوا عَلى عِبادي صَومَهُم» . ۶

كلام في تصفيد الشّياطين في شهر رمضان

مرّت الإشارة في عدد من أحاديث هذا الباب إلى أنَّ الشياطين تغلّ في شهر رمضان ، وعندئذٍ يثار عدد من الأسئلة في هذا السياق ، هي :
ما الشيطان ؟ في نطاق ما يتّسم به نظام الخليقة والوجود من حكمة ، لماذا سُمح للشيطان بإغواء الإنسان ؟
ما الثغور الّتي تمتدّ إليها سلطة الشيطان على الإنسان ؟
لماذا صار اللّه سبحانه إلى تصفيد الشياطين ومنعها من ممارسة تأثيرها الضالّ في شهر رمضان ، في حين تركها حرّه فيما عداه من الشهور ؟
وأخيرا : إذا كانت الروايات الدالّة على هذا المعنى صحيحة ، فلماذا يجنح عدد من الصائمين إلى ارتكاب الذنوب واجتراح الخطايا في هذا الشهر ؟
في الحقيقة يتطلّب الجواب على هذه الأسئلة بنحوٍ مُسهب وافٍ فرصةً سانحةً ، بَيدَ أنَّ ما يمكن قوله إجمالاً : إنَ الرؤية الإسلامية تفيد بأنَّ الشياطين عبارة عن موجودات غير مرئيّة من جنس الجنّ ، تتحلّى بالإدراك والمعرفة وتحظى بالحرّية والقدرة على الاختيار ، لكنها تسيء استخدام حرّيتها لإغواء الإنسان وخداعه عن طريق تزويق الممارسات القبيحة وإضفاء صورة جميلة عليها ، ومن خلال تهييجه وإثارة نوازعه غير المشروعة .
أمّا الحكمة من وراء هذا الدور الإغوائي الّذي تلعبه الشياطين في نظام الخليقة ، فتكمن في تفتّق المواهب الإنسانيه الكامنة وتربية الإنسان الكامل وإعداده في ظلّ المقاومة الّتي يبديها إزاء هذه المزالق والإغراءات ، أمّا ثغورسلطة الشياطين على الإنسان فهي لا تتعدّى نطاق الإثارة والوسوسة ، ومن ثَمَّ فهي تدعوه إلى القبائح ،بَيدَ أنّ قدرتها لا تمتد لإجباره على اقترافها .

1.النوادر للأشعري : ص ۱۸ ح ۲.

2.الفطرة : المرَّةُ من الإفطار .

3.فضائل الأوقات للبيهقي : ص ۴۴ ح ۶۷.

4.فضائل الأشهر الثلاثة : ص ۱۴۲ ح ۱۵۳.

5.الكافي : ج ۴ ص ۶۷ ح ۶.

6.بحار الأنوار : ج ۹۶ ص ۳۴۸ ح ۵۱.

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 230395
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي