415
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

ليلة القدر يأتي في سياق مقدّراته في العلم الأزلي للّه سبحانه ، بعبارة أُخرى ، تفيد روايات أهل البيت عليهم السلام ، أنَّ ما هو مقدَّر للناس في علم الحق سبحانه خلال السَّنة ، يبرز بصيغة برنامج مكتوب تكتبه الملائكة ويسلّم إلى إمام العصر بواسطتهم ؛ وذلك تبعا لما يقوم به الإنسان في ليلة القدر .
الملاحظة الثانية : يفيد عدد من الروايات بأنَّ تقدير مصير الإنسان خلال ليلة القدر وتدبير ما سيكون عليه أمره خلال سنة كاملة ، لا يعني استسلامه للمصير ، بحيث لن يكون بمقدوره أن يغيّر شيئا من اُموره ومستقبله ، بل بمقدوره أن يغيّر من مقدّراته القطعيّة في ليلة القدر عبر لجوئه إلى الدعاء وتوسّله بالأعمال الصالحة ، ولذلك كلّه جاء عن الإمام الباقر عليه السلام ، قوله :
فَما قُدِّرَ في تِلكَ اللَّيلَةِ وقُضِيَ فَهُوَ مِنَ المَحتومِ وللّهِ عز و جل فيهِ المَشِيَّةُ.۱
عندما نأخذ بنظر الاعتبار هذه الرواية وما يقع على شاكلتها ، ونضيف إلى ذلك الأدلّة القطعية الّتي تفيد إجابة الدعاء طوال السنة خاصّةً في عرفات ، وفي المشاهد المشرّفة ، فلا يمكن عندئذٍ قبول ظاهر بعض الروايات الّتي تنصّ على أنَّ مقدّرات ليلة القدر لا ينالها التحوّل والتغيير .

ب ـ اختصاصها بولاة الأمر

الخصيصة الاُخرى الّتي تحفّ ليلة القدر ، أنَّ اللّه سبحانه يُطلع في هذه الليلة أكمل الناس وأفضل بني آدم وأسماهم على صورة تقديره وحكمه ومسار تدبيره للعباد .
فنجد في تفسير القميِّ في ذيل الآية الكريمة : « تَنَزَّلُ الْمَلَئِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيهَا » ما نصّه:
تَنَزَّلُ المَلائِكةُ وروحُ القُدُسِ عَلى إمامِ الزَّمانِ ، ويَدفَعونَ إلَيهِ ما قَد كَتَبوهُ مِن هذِهِ الاُمورِ . ۲

ج ـ خير من ألف شهر !

يسجّل القرآن الكريم صراحةً : « لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ » الأمر الّذي يدلّل على الطابع الاستثنائي المتميّز لهذه البرهه الزمنية وما تنطوي عليه من فرادة في بركاتها ، على النحو الّذي يعادل العمل الصالح فيها ؛ العملَ الصالح خلال عمر طويل ينوف على الثمانين عاما !

3 . دوام ليلة القدر

تفيد عمليّة دراسة آيات سورة القدر وتحليل النصوص الإسلامية ، أنَّ ليلة القدر لا تختصّ بزمان نزول القرآن وبعصرالنَّبي صلى الله عليه و آله ، وإنَّما هي دائمة مستمرّة منذ بداية خلق الإنسان ، وأوّل وجوده إلى نهاية العالم وآخر وجودالإنسان فيه .

4 . تحديد ليلة القدر

على ضوء ما يسجّله القرآن من جهةٍ بقوله : « شَهْرُ

1.ثواب الأعمال : ص ۹۳ ح ۱۱ .

2.تفسير القمّي : ج ۲ ص ۴۳۱ .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
414

11 / 4 . مَن يُدرِكُ لَيلَةَ القَدرِ

۲۶۵۹.الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله لَمَّا انصَرَفَ مِن عَرَفاتٍ وسارَ إلى مِنى ، دَخَلَ المَسجِدَ فَاجتَمَعَ إلَيهِ النّاسُ يَسأَلونَهُ عَن لَيلَةِ القَدرِ ، فَقامَ خَطيبا ، فَقالَ ـ بَعدَ الثَّناءِ عَلَى اللّهِ عز و جل ـ :
أمّا بَعدُ ، فَإِنَّكُم سَأَلتُموني عَن لَيلَةِ القَدرِ ولَم أطوِها عَنكُم لِأَنّي لَم أكُن بِها عالِما ، اِعلَموا أيُّهَا النّاسُ أ نَّهُ مَن وَرَدَ عَلَيهِ شَهرُ رَمَضانَ وهُوَ صَحيحٌ سَوِيٌّ فَصامَ نَهارَهُ ، وقامَ وِردا مِن لَيلِهِ ، وواظَبَ عَلى صَلاتِهِ وهَجَّرَ إلى جُمُعَتِهِ ، وغَدا إلى عيدِهِ ؛ فَقَد أدرَكَ لَيلَةَ القَدرِ ، وفازَ بِجائِزَةِ الرَّبِّ عز و جل . ۱

۲۶۶۰.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن صَلّى مِن أوَّلِ شَهرِ رَمَضانَ إلى آخِرِهِ في جَماعَةٍ ، فَقَد أخَذَ بِحَظٍّ مِن لَيلَةِ القَدرِ . ۲

كلامٌ حول ليلة القدر

«إِنَّـآ أَنزَلْنَـهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» . ۳
إنّها ليلة القدر ؛ اللّيلة المجلّلة بنزول القرآن ، وهي اللّيلة العظيمه الّتي نعتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، بقوله :
شَهرُ رَمَضانَ سَيِّدُ الشُّهورِ ، ولَيلَةُ القَدرِ سَيِّدَةُ اللَّيالي .۴
ووصفها الإمام الصادق عليه السلام بأنّها قلب هذا الشهر :
قَلبُ شَهرِ رَمَضانَ لَيلَةُ القَدرِ .۵

1 . معنى ليلة القدر

قوله سبحانه : « وَ مَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ » . يدلّ بوضوح ، على أنَّ إدراك المعنى الحقيقي لليلة القدر هو أمر شاقّ تكتنفه صعوبات جمّة ، وأنَّ هذا المعنى هو فوق المستوى الإدراكي لعامّة الناس . بديهي إذا كان المخاطب بالآية هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فسيكون الاستفهام في قوله : « مَآ أَدْرَاكَ » لتعظيم ليلة القدر وتكريمها على ما يظهر ، مردّ ذلك ، أنَّ من نزل القرآن على قلبه ، ومن روحه موضع ليلة القدر ، وتهبط عليه الملائكة لتدبير اُمور العالم وتقدير شؤونه ، لا يمكن أن يكون جاهلاً بحقيقة ليلة القدر .

2 . خصائص ليلة القدر

أ ـ تقدير اُمور السَّنة

جاء التأكيد في عدد كبير من الروايات المروية عن أهل البيت عليهم السلام أنَّ أول خصائص هذه اللّيلة ، هو تقدير اُمور الناس وتدبير أحوالهم وأوضاعهم خلال السَّنة ، وهي اللّيلة الّتي ينزل فيها ما يحدث ويفرق فيها كلّ أمر إلى مثلها ، وربما لهذه الجهة بالذات نزل القرآن الكريم في هذه اللّيلة ؛ هذا الكتاب الّذي يعدّ بدوره برنامج حياة الإنسان .
على أنَّ هاهنا ملاحظتين حريّتين بالانتباه، هما:
الملاحظة الاُولى : إنَّ تقدير مصير الإنسان في

1.كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۲ ص ۹۷ ح ۱۸۳۴.

2.كنز العمّال : ج ۸ ص ۵۴۵ ح ۲۴۰۹۰.

3.القدر : ۱ .

4.بحار الأنوار : ج ۴۰ ص ۵۴ ح ۸۹ نقلاً عن كنز الفوائد مخطوط عن سلمان .

5.الكافي : ج ۴ ص ۶۶ ح ۱ ، تهذيب الاحكام : ج ۱۴ ص ۱۹۲ ح ۵۴۶ ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۲ ص ۹۹ ح ۱۸۴۳ ، بحار الأنوار : ج ۵۸ ص ۳۷۶ ح ۹ .

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 230561
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي