215
حكم النّبيّ الأعظم ج7

تقويم الأحاديث الطبّية من منظور الشيخ الصدوق

يحكم شيخ المحدّثين محمّد بن عليّ بن بابويه القمي المعروف بالصدوق رحمه الله على الأحاديث الطبّية بنحوٍ لا يمكن الركون إليه إلّا في حالات خاصّة ، يقول رحمه الله :
اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطبّ أنّها على وجوه :
منها : ما قيل على هواء مكّة والمدينة فلا يجوز استعماله في سائر الأهوية .
ومنها : ما أخبر به العالم عليه السلام على ما عرف من طبع السائل ولم يتعدّ موضعه ؛ إذ كان أعرف بطبعه منه .
ومنها : ما دلّسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس .
ومنها : ما وقع فيه سهو من ناقله .
ومنها : ما حُفظ بعضه ونُسي بعضه .
وما روي في العسل أنّه شفاء من كلّ داء فهو صحيح ، ومعناه أنّه شفاء من كلّ داء بارد.
وما روي في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير ؛ فإنّ ذلك إذا كان بواسيره من حرارة .
وما روي في الباذنجان من الشفاء ؛ فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل الرطب ، دون غيره من سائر الأوقات .
وأمّا أدوية العلل الصحيحة عن الأئمّة عليهم السلام فهي آيات القرآن وسوره ، والأدعية على حسب ما وردت به الآثار بالأسانيد القويّة والطرق الصحيحة . ۱
وفي ضوء هذا التقويم يتسنّى لنا أن نضع قسما من الأحاديث الطبّية في متناول أشخاص معيّنين ترتبط بهم هذه الأحاديث ، ونضرب عن سائر الأحاديث صفحا . والأحاديث الوحيدة التي يتيسّر وضعها في متناول العامّة من الناس هي الأحاديث الصحيحة التي تدعو الناس إلى العلاج بواسطة الدعاء والاستشفاء بالآيات القرآنيّة .
يبدو أنّ كلام الشيخ الصدوق رحمه الله وإن كان صحيحا مبدئيّا ، إذ إنّ الأحاديث الطبّية فاقدة للسند عادةً ، واحتمال الدسّ فيها كبير ، لكنّ نتيجة هذا الضرب من التقويم حرمان الناس من بعض الذخائر العلميّة لأهل البيت عليهم السلام ؛ لأنّ ضعف السند لا يقوم دليلاً على تعذّر صدور الحديث لا محالة ، كما أنّ صحّة السند ليست دليلاً على صدوره القطعيّ ، من جهة اُخرى لا يُستسهَلُ الحكم على أنّ عددا من أنواع العلاج الواردة في الأحاديث يخصّ أشخاصا معيّنين دون غيرهم .
من هنا ، لا نستطيع أن نزوّد عامّة الناس بجميع الأحاديث كإرشادات طبّية لأئمّة الدين ، كما لا نستطيع أن نضعها جانبا ونحذفها من كتب الحديث بنحو عام ، فما عسانا أن نفعل؟ !

1.الاعتقادات للصدوق ، ص ۱۱۵ ، بحارالأنوار ، ج ۶۲ ، ص ۷۴ .


حكم النّبيّ الأعظم ج7
214

3 . الدين ومهنة الطبّ

مع أنّ الطبّ الوقائيّ قد حظي ـ كما بيّنا ـ باهتمام الأحكام الدينيّة ، وأنّ أئمّة الدين أصابوا من علم الطبّ ما أصابوا ، غير أنّ فلسفة الدين ليست الخوض في مهنة الطبّ ، لذا جعلت الروايات الإسلاميّة علم الدين قسيما لعلم الطبّ ۱ ، كما أنّ أهل البيت لم يخوضوا في الشؤون الطبّية كمهنة ، وأنّ فصل الفقه عن الطبّ ، وعمل الفقهاء عن عمل الأطبّاء ۲ دليل آخر أيضا على امتياز نطاق الدين عن نطاق الطبّ .
عرفنا إذا أنّ خوض الأئمّة في المسائل الطبّية كخوضهم في سائر العلوم إذ كان خاصّا مؤقّتا لا عامّا دائما على نحو مراجعة الناس الأطبّاء ، وكان يمثّل نوعا من الكرامة والإعجاز .
ومن البديهيّ أنّ الناس لو كانوا قد اهتمّوا واستناروا بعلم أهل البيت عليهم السلام الجمّ ، وسجّلوا آثارهم العلميّة بإتقان ؛ لاستمتعت البشريّة هذا اليوم بذخائر علميّة ثقافيّة عظيمة في شتّى فروع العلم ، لكنّا نأسى على جهل المنزلة العلميّة لأهل البيت عليهم السلام إذ لم تُعرَف حقّ معرفتها ، كما أنّ ما اُثر عنهم لم يسلم من مكائد الساسة المحترفين المفترين ، حتّى نجد أنّ الظفر بتراثهم العلميّ هذا اليوم يحتاج إلى جهودٍ بالغةٍ .
ونظرا إلى ما قلناه نقوم فيما يأتي بتقويم الأحاديث التي وصلت إلينا عن أهل البيت عليهم السلام في القضايا الطبّية :

1.راجع: موسوعة الإحاديث الطبيّة: ج۱ (الطبابة/ الفصل الأول: الطبابة في منظار الإسلام/ اهمية علم الطب) .

2.راجع: موسوعة الإحاديث الطبيّة: ج۱ (الطبابة/ الفصل الأول: الطبابة في منظار الإسلام/ اهمية علم الطب) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج7
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 319469
الصفحه من 662
طباعه  ارسل الي