باب السعادة والشقاء
[في حديث منصور بن حازم ۱ ]
قوله عليه السلام : (إنّ اللّه َ خَلَقَ السعادةَ والشقاءَ ...) .
يحتمل أن يكون السعادة والشقاء هما العقلَ والجهلَ ، وكونُهما خلقين آخرين غيرهما .
وقوله عليه السلام : (فمَنْ خلَقه اللّه ُ سعيدا لم يُبْغِضْه أبَدا ...) .
المعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّه تعالى كان عالما قبل خلق الأشياء بمن يحبّه ويطيعه ، وبمن يبغضه ويعصيه منهم ، فأحبّ من علم أنّه سيحبّه وخلقه سعيدا ، وأبغض من علم أنّه سيبغضه فخلقه شقيّا ، فعلى هذا من خلقه سعيدا لم يبغضه أبدا ؛ لأنّ سبب خلقه سعيدا علمُه تعالى بأنّه لا يبغضه ولا يعصيه ، وإذا كان كذلك فلا ريب في أنّه لم يبغضه أبدا ؛ لأنّه لو أبغضه ، لكان علّته العصيانَ ، وقد كان تعالى عالما بعدم العصيان ، فيلزم خلوّ علمه عن بعض الأشياء ؛ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا .
ولمّا كان يرد هاهنا سؤال وهو أنّ بعض السعداء قد يصدر منهم ما يبغض اللّه ولا يرضيه ، فقد أبغض من أحبّه ، قال عليه السلام : (وإن عمل سوءا۲أبْغَضَ عملَه ولم يُبْغِضْهُ) . وهكذا القول فيمن خلقه شقيّا .
وقوله عليه السلام : (لما يَصيرُ إليه) تعليلٌ للمحبّة والبغض وإن أساء وأحسن ، أي إنّ سبب محبّته وإن عمل سوء ، وبُغضِه وإن عمل صالحا علمُه تعالى لما يصير إليه في آخر أمره ، أي إنّ السعيد هو السعيد عند خروجه من الدنيا وإن كان شقيّا ثمّ تَدارَك إساءته ، والشقيّ من خرج شقيّا من الدنيا وإن كان محسنا ثمّ
ضَيَّع إحسانَه .
ثمّ لمّا كان هذا الخطاب غيرَ صريح في أنّ كلّ شيء أحبّه اللّه لم يبغضه أبدا ، وأنّ كلّ شيء أبغضه لم يحبّه أبدا ؛ لأنّ غاية ما يدلّ عليه أنّ محبّته السعيدَ لا تتغيّر ، وبغضه الشقيَّ كذلك ، صرّح عليه السلام بذلك ، فقال : (فإذا أحَبَّ۳شيئا لم يُبْغِضْهُ أبدا ...) .