33
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

أيًّامّا كانت إلّا بالتدقيق والبرهان العقلي .
فالباري عز و جل لم يطلب أبداً من الناس أن يستسلموا لكلامه ـ على سبيل المثال ـ فيما يختصّ بإثبات وجوده أو إثبات نبوّة أنبيائه استسلاما تعبّديًّا تقليديًّا لا ينهض به برهان عقليّ ، إنّه سبحانه يستدلّ على إثبات وجوده ونبوّة مرسليه بالأدلّة العقلية ، ويدعو الناس إلى تحكيم العقل .
وما من نبيّ دعا الناس إلى تقليده في اُصول العقائد وقبول كلامه دون تساؤل ، لمجرّد كونه مبعوثا من قِبل اللّه تعالى؛ بل إنّ الأنبياء جميعا كانوا يستندون إلى الأدّلة والبراهين العقلية على إثبات نبوّتهم ، ويدعون الناس إلى تحكيم العقل ، كما كانوا يطالبون معارضيهم أيضا بالإتيان بأدلّة وبراهين عقلية على إثبات ادّعاءاتهم ، قائلين : «هَاتُواْ بُرْهَـنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَـدِقِينَ» . ۱
كما نرى أنّ المجتهدين والمتخصّصين في المسائل الإسلامية لا يرون التقليد في اُصول العقائد صحيحا ، ولهذا فإنّهم يوصون الناس بالتحقيق والبحث في عقائدهم ۲ ، وحتّى يتجلّى لنا رأي الإسلام بخصوص التقليد في اُصول العقائد بصورة دقيقة نستعرض بعض الآيات والأحاديث المرتبطة بهذا الموضوع .

التقليد في العقائد من وجهة نظر القرآن

إنّ القرآن الكريم ـ وفي آيات عديدة تتعلّق بالاُصول العقائدية ـ يستقبح التقليد ويحرّمه ويشدّد في التنديد به ، وينبّه صراحةً على أنّه ما لم تحصل للإنسان معرفة كاملة ويقين قطعيّ بنظريةٍ أو عقيدةٍ مّا لا يحقّ له اتّباعها أو بناء حياته الفردية والاجتماعية على أساسها :

1.البقرة : ۱۱۱ ، الأنبياء : ۲۴ ، النمل : ۶۴ .

2.راجع : عدّة الاُصول للشيخ الطوسي : ج ۲ ص ۷۲۹ ، زبدة البيان للمحقق الأردبيلي : ص ۳۴۴ ، كتاب الاجتهاد والتقليد للسيّد الخوئي : ص ۴۱۱ ، الفتاوي الميسّرة للسيّد السيستاني : ص ۳۷ ، صراط النجاة للشيخ جواد التبريزي : ج ۳ ص ۴۳۹ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
32

تنقسم إلى قسمين هما : الأصول والفروع ، أي اُصول الدين فروعه .
فاُصول الدين عبارة عن المبادئ والاُسس العقائديّة التي تشكّل القاعدة لمختلف المسائل الفقهية والسياسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وما إليها في الاسلام ، من قبيل الاعتقاد بالتوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد .
أمّا فروع الدين فعبارة عن المقرّرات التي شرّعها الإسلام في تنظيم الصلة بين الإنسان وربّه من جهة ، وبينه وبين الآخرين من جهّةٍ اُخرى ، كالصلاة والصوم والخُمس والزكاة والحجّ وما إلى ذلك .
أمّا بالنسبة إلى فروع الدين فإنّ الإسلام لا يقتصر على جواز التقليد فيها فحسب ، بل إنّه يوجب ذلك إيجابا ، ومرجع التقليد في فروع الدين بصورة محدّدة هو النبي صلى الله عليه و آله أو الإمام عليه السلام ، وفي حالة غيبة الإمام مرجع التقليد ، بالنسبة لمن لم يتخصّصوا في استنباط الأحكام في المسائل الإسلامية من الكتاب والسنّة ، هو المجتهد الذي تتوفّر فيه شرائط الاجتهاد. ۱
أمّا موضوع بحثنا وتحقيقنا هنا فهو التقليد في اُصول الدين والاُسسِ العقائدية من وجهة نظر الإسلام ، وهل الإسلام كالعقل أيضا يحرّم التقليد في اُصول العقائد على الإطلاق؟ أو يجيزه؟ بعبارة اُخرى : ما رأي الإسلام في تكليف الناس تجاه الاُصول العقائدية؟ أتحقيق هو أم تقليد؟
إنّ كلّ من كان على علمٍ بالقرآن والنصوص الإسلامية يعرف أنّ الإسلام قد حرَّم التقليد في اُصول العقائد صراحة وبكلّ وضوح ، وأصرَّ على مطالبة الناس وشدّد التأكيد عليهم بأن يحقّقوا في المسائل العقائدية ، وأن لا ينساقوا مع عقيدة

1.سنتناول هذا الموضوع بالتفصيل في نهاية هذا الفصل ص ۴۸ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 183973
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي