167
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

على هذا فإنّ مصدر البداء فيما يتعلق باللّه سبحانه ليس هو الجهل حسب عقيدة الإماميّة ، وإذا ما اعتقد أحد بمثل هذا البداء الّذي هو نفس البداء الحاصل للبشر ، فإنّ هذا الاعتقاد إنكار لعلم اللّه المطلق ، وهو اعتقاد باطل ويخالف ضروريّات العقائد الإسلاميّة ، ولا يمكن أن نجد بين علماء الإماميّة من ينسب إلى اللّه البداء الناجم عن الجهل.

آثار الاعتقاد بالبداء

جدير بالذكر أنّ لمبدأ البداء آثاراً مهمّة في المجالات العقيديّة البارزة ؛ وهي : معرفة اللّه ، معرفة النبيّ ، معرفة الإمام ، ومعرفة الإنسان.

أ ـ معرفة اللّه

يتمثّل أهمّ آثار القول بالبداء في إثبات القدرة والحريّة المطلقتين للّه ، ذلك لأنّه ما لم يحدث الفعل الخاص في الخارج ، فإنّ من الممكن أن يغيّر اللّه التقدير وأن لا يقع ذلك الفعل ، حتّى إذا تعلّقت المشيئة والتقدير والقضاء الإلهي بتلك الحادثة ، على هذا فإنّ أيّ شيء ـ حتّى القضاء والقدر ـ لا يمكنه أن يحدّ من قدرة اللّه ومالكيته ويغلّ يده ، عن التغيير ، قال تعالى :
«وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» . ۱
وليس مراد اليهود من قولهم : «يد اللّه مغلولة» أنّ للّه يدا وأنّ يداه مغلولتان بحبل مثلاً، بل إنّهم كانوا يعتقدون بأنّ اللّه «قد فرغ من الأمر، فلا يزيد ولا ينقص» فقال اللّه جلّ جلاله تكذيبا لقولهم: «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» . ۲

1.المائدة: ۶۴ .

2.التوحيد: ص ۱۶۷ .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
166

على هذا فإنّ من يرى أن البداء في العلم ملازم لجهل اللّه سبحانه ، قد خلط بين العلم الذاتي والعلم الفعلي ، ولم يدرك معنى العلم الفعلي .
إنّ ما يراه البعض من أنّ الجهل ملازم للبداء فيما يتعلّق باللّه ، له سبب آخر أيضا وهو قياس اللّه بالإنسان، وهو الّذي يجب اجتنابه بشدة في المباحث العقائديّة ، فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام قوله :
إنَّهُ مَن يَصِفُ رَبَّهُ بِالقِياسِ لا يزالُ الدَّهرَ فِي الالتِباس .۱
وعندما يحدث البداء للبشر في أمر ما ونصل إلى رأي جديد ، فإنّ هذا الرأي الجديد يحصل لنا في الغالب إثر ظهور علم واطّلاع جديدين ، ويرى معارضو البداء أنّ هذه الحالة نفسها تجري أيضا فيما يتعلّق باللّه ، قال الغفاري :
جاء في القاموس : «بدا بدواً وبدّواً : ظهر . وبدا له في الأمر بدواً وبداءً وبداة : نشأ له فيه رأي» . فالبداء في اللغة له معنيان : الأوّل الظهور بعد الخفاء ، والثاني : نشأة الرأي الجديد . وهذا يستلزم الجهل وحدوث العلم وكلاهما محال على اللّه تعالى . ۲
وهذا التفسير للبداء إنما هو على أساس قياس الخالق بالمخلوق ، ولكنّ اتباع أهل البيت عليهم السلام لا يرون له قيمة ، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام :
مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ عَزَّوَجَلَّ يَبدو لَهُ في شَيءٍ لَم يَعلَمهُ أمسِ فَابرَؤُوا مِنهُ .۳
كما روي عن منصور بن حازم قال :
سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام : هَل يَكونُ اليَومَ شَيءٌ لَم يَكُن في عِلمِ اللّهِ بِالأَمسِ ؟ قالَ : لا ، مَن قالَ هذا فَأَخزاهُ اللّهُ ، قُلتُ : أرَأَيتَ ما كانَ وما هُوَ كائِنٌ إلى يَومِ القِيامَةِ ، ألَيسَ في عِلمِ اللّهِ ؟ قالَ : بَلى ، قَبلَ أن يَخلُقَ الخَلقَ .۴

1.بحارالأنوار : ج ۳ ص ۲۹۷ ح ۲۳ .

2.اُصول مذهب الشيعة : ج ۲ ص ۹۳۸ ، بين الشيعة وأهل السنة : ص ۷۵ ـ ۱۸۶ .

3.بحار الأنوار : ج ۴ ص ۱۱۱ ح ۳۰ .

4.راجع : ص ۱۷۴ ح ۵۹۱۲ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 101156
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي