275
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

المذكورة خطاب لعبدة الأوثان ، والمراد من «ما تعملون» هو الأصنام لا أفعال الناس .

أدلّة بطلان الجبر

بالإضافة إلى أنّ دليل أنصار الجبر لا يكفي لاثبات هذا الادّعاء ، ولا يوجد في الحقيقة دليل يثبت هذه النظريّة ، فإنّ هناك عدّة أدّلة تثبت بطلان هذه النظريّة :

1 . العلم الحضوري بالحريّة في الأفعال

إنّ أوضح دليل لردّ نظريّة الجبر ، هو الوجدان والعلم الحضوريّ للإنسان بنفسه وأفعاله . فإذا ما عاد الإنسان إلى نفسه وتوجّه إلى أفعاله ، فإنّه سيدرك أنّه إذا أراد القيام بعملٍ فإنّ بإمكانه أن لا يريد القيام به ، كما أنّه إذا لم يرد القيام بعملٍ ما ولم يفعله ، أنّه كان بإمكانه أن يريد ذلك العمل ويقوم به . ومعنى الاختيار هو هذه الحرّية في الفعل والترك ، والعلم الحضوري هو أقوى علم للإنسان وأكثره قيمة .
على هذا الأساس يثبت بطلان نظريّة الجبر الخالص ؛ ذلك لأنّ للإنسان علما حضوريّا ووجدانيّا بقدرته . كما تبطل نظريّة الجبر المتوسّط أيضاً ؛ لأنّ الإنسان له علم حضوريّ بتأثير قدرته على عمله الاختياريّ .
إنّ هذا البرهان كما يبطل الجبر الكلاميّ ، فإنّه يبطل الجبر الاجتماعيّ والنفسيّ والفلسفيّ أيضا ، فرغم أنّ تركيبة المجتمع والجسم والنفس تؤثّر على أفعال الإنسان ، وأنّ هذا التأثير كبير بشكلٍ خارق للعادة في بعض الحالات ، ولكنّ الإنسان يدرك بعلمه الحضوريّ أنّ تأثير العوامل المذكورة ليس هو العلّة التامّة للقيام بها ، بل إنّه يستطيع اختيار طريق آخر رغم المقتضيات النفسيّة والاجتماعيّة .
بعبارةٍ اُخرى ، إنّ المقتضيات الروحيّة والاجتماعيّة من الممكن أن تعقّد عمليّة الاختيار لفعلٍ معيّن ، إلّا أنّ اختيار العمل الصعب ليس محالاً ، فبمقدور الإنسان أن يختاره ، والواقع العمليّ يشهد على صحّة هذا الادّعاء ، فنحن نلاحظ أنّ بعض


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
274

فهو يرى أنّ اللّه إذا قدّر فعلاً للإنسان مثل شرب الخمر ، فإن كان الإنسان حرّا في ترك شرب الخمر ، وتركه فهذا يعني أنّ اللّه مغلوب والإنسان غالب .

نقد الدليل الأوّل لأنصار الجبر

يجب القول إجابةً على هذا الدليل : إنّ القضاء والقدر في أفعال الإنسان الاختياريّة لا يعنيان إجبار الناس على أعمال خاصّة ، بل إنّ التقدير الإلهيّ في هذا المجال يعني أنّ اللّه حدّد قدرة الإنسان ومنحه القدرة بمقدارٍ معيّن ، ويعني القضاء الإلهي أنّ اللّه حكم بهذا التحديد وأوجده ، كما أنّ استخدام هذه القدرة المحدودة مشروط بإذن اللّه .
على هذا فإذا ارتكب الإنسان المعصية ، فإنّ هذا لا يعني أنّ اللّه أصبح مغلوبا ؛ ذلك لأنّ اللّه أعطى الإنسان القدرة على المعصية ، ولم يمنعه من صدور المعصية من الناحية التكوينيّة عند ارتكابها ، رغم أنّه أعلن للناس من الناحية التشريعيّة وعن طريق رسله أنّه لا يرضى بارتكاب المعاصي من الناحية التشريعيّة .

2 . التمسّك بالتوحيد الأفعالي

الدليل الآخر لأنصار الجبر ومن جملتهم الأشعريّ هو : التوحيد الأفعالي ، حيث يعدّ اللّه بموجبه فاعل جميع الأفعال . ويستدلّ في هذا المجال بالآية : «وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ» ، واعتبر أنّ المراد من «ما تعملون» جميع أفعال الناس .

نقد الدليل الثاني لأنصار الجبر

يجب القول فيما يتعلّق بالتوحيد الأفعالي : إنّ هذا التوحيد إذا كان يعني القيام بجميع الأفعال ـ ومنها أفعال الإنسان الاختياريّة وذنوبه ـ من قبل اللّه ـ تعالى ـ فإنّ ذلك لا يعني إلّا الجبر نفسه ، وهو غير صحيح ، والمعنى الصحيح للتوحيد الأفعالي هو أنّ قدرة القيام بجميع الأفعال هي من جانب اللّه ، فحتّى عندما يقوم الإنسان بالفعل الاختياريّ ، فإنّه في الحقيقة قد اكتسب القدرة على هذا الفعل من اللّه . والآية

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 102371
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي