153
حكم النّبيّ الأعظم ج6

كلام في فضل نوافل شهر رمضان والحثّ عليها

قال الشيخ المفيد قدس سره : اعلم أنّ اللّه ـ جلّ جلاله ـ فضّل شهر رمضان على سائر الشهور ؛ لِما عَلِمَ من المصلحة في ذلك لِخَلقِهِ ، فَحَكَمَ به في الكتاب المسطور ، وأوجب فيه الصومَ إلزاماً ، وأكّد فيه المحافظة على الفرائض تأكيداً ، ونَدَبَ فيه إلى أفعال الخير ترغيباً ، وعظّم رُتبَتَهُ وشرّفه ، وأعلى شَأنَهُ وشيّد بنيانه ، فَخَبّر ـ جلَّ اسمُهُ ـ أنّه أنزل فيه القرآنَ العظيمَ ، وأنّ فيه ليلةً خيراً من ألفِ شهر للعالَمين .
وكان ممّا نَدَبَ إليه من جملة ما رَغَّبَ فيه وحَثَّ عليه ، ألفُ ركعةٍ يأتي بها العبدُ في جميعه تقرّباً إليه ، وهي مع ذلك جُبرانٌ لِما يدخل من الخلل في الفرائض عليه ، فافهَمها ـ أرشدك اللّه ـ ، وحَصِّل عِلمَها ، واعزم على تأديتها تَكُن من المخلصين . ۱
وقال أيضاً : واعلم أنّ هذه الألفَ ركعةٍ هي سِوى نوافلك الّتي تَطَّوَّعُ بها في سائر الشهور من نوافل الليل والنهار ؛ إذ هي لعظيم حرمة شهر رمضان زيادة عليها ، فلا تَدَعَنَّ تلك لاستعمالِ هذه ، ولا هذه لتلك ، واجمع بينهما ، واسأل اللّه تعالى المعونة والتوفيق لها .
فقد روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال حين فرغ من شرح هذه الصلاة للمفضّل بن عمر الجعفي : «يا مُفَضَّلُ ذلِكَ فَضلُ اللّه ِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ ، وَاللّه ُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ» . ۲
وقال العالم الربّاني ملكي تبريزي قدس سره : ثمّ إنّه ينبغي للسالك أن يتروّى في حاله ، ويتأمّل في نشاطه وكسله ، وشغله وفراغه ، وقوّته وضعفه ، بالنسبة إلى النوافل والمستحبّات ، ويختار منها ـ بعد مراعاة حاله ـ الأفضل فالأفضل .
ومن جملة ذلك ما ورد في الأخبار الكثيرة من زيادة النوافل في هذا الشهر بألف ركعة ، فإن رأى العمل بالنسبة إليه أحسن، فهنيئاً له في توفيقه بذلك، ولكن لايترك الدعوات الواردة فيها؛ فإنّ فيها مضامين عاليةً بعضُها لايوجد في غيرها من الدعوات، وليكن في ذلك حيّاً وصادقاً فيكون حظّه من قراءتها المناجاة مع قاضي الحاجات ، لا مجرّد التفوّه بالألفاظ، فإن حصل له حقيقة ما يقوله، ويصف من حاله ومقامه في هذه الدعوات ، فطوبى له وحسن مآب!
فإنّ العبد إذا اتّصف قلبه بحال ـ مثلاً ـ يدعو فيه لنفسه الويل ، ويذكر ( من ) ويله وثبوره : أنّ ذنوبه بحيث لو علمت بها الأرض لَابتَلَعَتهُ ، ولو عَلِمَت بها الجبالُ لَهدَّتهُ ، ولو علمت بها البحار لأغرقَتهُ ـ كما ذكر ذلك في بعض الأدعية ـ فإنّ ذلك حالٌ أظُنُّ أنّه لو حصل لإبليس لَأنجاهُ ، وكيف بمسلمٍ أو مؤمن!؟ [ و ] لاسيّما إذا كان خوفه واضطرابه من سَخَط مولاه أشدَّ من اضطرابه من عذاب النار كما يذكره بعد هذه الفقرات . فهذا حالٌ سَنِيٌّ ۳ لا يوجد في قلب إلّا وربُّهُ عنه راضٍ ، وهكذا غيرُها من المضامين الفاخرة الّتي أودَعوها في هذه الدعوات ؛ فإنّها مثارُ حالاتٍ وصفاتٍ للنفس والقلبِ يُحييهما ويُنجيهما من الهَلَكاتِ ، ويوصلهما إلى سنيّ الحالات وعالي الدرجات .
ثمّ إنّ العامل إن كسل في بعض الأوقات ولم يكن له نشاطٌ للعمل ، فله أن يراقب حاله ، فإن ظنّ من حاله أنّه لو اشتغل بالعمل ـ ولو بالتعمّل ـ يورث له الحالَ ، فليَشتَغِل ولا يترك حتّى لا يتمكّن الخبيث من نفسه ؛ فإنّ الإنسان إن ترك العمل بمجرّد الكسل ، فإنّه ينجرّ ذلك إلى الترك الكلّيّ ، ولكن يتأمّل ويجتهد في حاله ، فإن رآه بترك عمل يزيد شوقه إليه فيما يأتي فليترك ولا يعوّد نفسه بالعمل عن الكسل ، وإن رأى أنّ تركه يورث تركاً آخر فليَعمَل ولا يترك ، وكثيراً ما يدخل السالك في العمل بالضجر والكسل ، ثمّ يحسن حاله في الأثناء فوق الأمل ، وله ألّا يخطئ في اجتهاده في ترجيح الترك على العمل ؛ فإنّ الكسل في النفس أحلى من العسل ، وذلك قد يُعميهِ عن معرفة حقّ الواقع هذا . ۴

1.المقنعة : ص ۱۶۵ .

2.المقنعة : ص ۱۷۰ .

3.السنيّ : الرفيع (لسان العرب : ج ۱۴ ص ۴۰۳).

4.المراقبات : ص ۱۳۱ .


حكم النّبيّ الأعظم ج6
152
  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج6
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 159521
الصفحه من 649
طباعه  ارسل الي