363
حكم النّبيّ الأعظم ج6

ج ـ بحث تاريخيّ

من المتواتر المقطوع به أنّ الذي بنى الكعبة إبراهيم الخليل عليه السلام ، وكان القاطنون حولها يومئذ ابنه إسماعيل وجُرهُم ۱ من قبائل اليمن ، وهي بناء مربّع تقريبا وزواياها الأربع إلى الجهات الأربع تتكسّر عليها الرياح ولا تضرّها مهما اشتدّت .
ما زالت الكعبة على بناء إبراهيم حتّى جدّدها العَمالِقة ثمّ بنو جُرهُم (أو بالعكس) كما مرّ في الرواية عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام .
ثمّ لمّا آل أمر الكعبة إلى قُصيّ بن كِلاب أحد أجداد النبيّ صلى الله عليه و آله (القرن الثاني قبل الهجرة) هدمها وبناها فأحكم بناءها ، وسقّفها بخشب الدّوم وجذوع النخل ، وبنى إلى جانبها دار النَّدوَة ، وكان في هذه الدار حكومته وشوراه مع أصحابه ، ثمّ قسّم جهات الكعبة بين طوائف قريش ، فبنَوا دُورهم على المَطاف حول الكعبة ، وفتحوا عليه أبواب دورهم .
وقبل البعثة بخمس سنين هدم السيل الكعبة ، فاقتسمت الطوائف العمل لبنائها ، وكان الذي يبنيها ياقوم الروميّ ، ويساعده عليه نجّار مصريّ ، ولمّا انتهوا إلى وضع الحجر الأسوَد تنازعوا بينهم في أنّ أيّها يختصّ بشرف وضعه ، فرأوا أن يحكّموا محمدا صلى الله عليه و آله ، وسنّه إذ ذاك خمس وثلاثون سنة لِما عرفوا من وُفور عقله وسداد رأيه ، فطلبَ رداء ووضع عليه الحجر ، وأمر القبائل فأمسكوا بأطرافه ورفعوه حتّى إذا وصل إلى مكانه من البناء في الرّكن الشرقيّ ، أخذه هو فوضعه بيده في موضعه .
وكانت النفقة قد بهظتهم فقصروا بناءها على ما هي عليه الآن ، وقد بقي بعض ساحته خارج البناء من طرف الحِجْر ـ حِجْر إسماعيل ـ لاستصغارهم البناء .
وكان البناء على هذا الحال حتّى تسلّط عبداللّه بن الزبير على الحجاز في عهد يزيد بن معاوية ، فحاربه الحُصَين قائد يزيد بمكّة ، وأصاب الكعبة بالمنجنيق فانهدمت واُحرقت كِسوَتها وبعض أخشابها ، ثمّ انكشف عنها لموت يزيد ، فرأى ابن الزبير أن يهدم الكعبة ويعيد بناءها ، فأتى لها بالجصّ النّقيّ مِن اليمن ، وبناها به ، وأدخل الحِجر في البيت ، وألصق الباب بالأرض ، وجعل قبالته بابا آخر ليدخل الناس من باب ويخرجوا من آخر ، وجعل ارتفاع البيت سبعة وعشرين ذراعا . ولمّا فرغ من بنائها ضمخها بالمسك والعبير داخلاً وخارجا ، وكساها بالديباج ، وكان فراغه من بنائها 17 رجب سنة 64 هجرية .
ثمّ لمّا تولّى عبد الملك بن مروان الخلافة بعث الحجّاجَ بن يوسف قائده فحارب ابنَ الزبير حتّى غلبه فقتله ، ودخل البيت فأخبر عبد الملك بما أحدثه ابن الزبير في الكعبة ، فأمره بإرجاعِها إلى شكلها الأوّل ، فهدم الحجّاج من جانبها الشماليّ ستة أذرع وشبرا ، وبنى ذلك الجدارَ على أساس قريش ، ورفع البابَ الشرقيّ وسدّ الغربيّ ثمّ كبس أرضها بالحجارة التي فضلت منها .
ولمّا تولّى السلطان سليمان العثمانيّ المُلكَ سنة ستّين وتسعمئة غيّر سقفها .
ولمّا تولّى السلطان أحمد العثمانيّ سنة إحدى وعشرين بعد الألف أحدث فيها ترميما ، ولمّا حدث السيل العظيم سنة تسع وثلاثين بعد الألف هدم بعض حوائطها الشماليّة والشرقيّة والغربيّة ، فأمر السلطان مراد الرابع من ملوك آل عثمان بترميمها. ولم يَزَل على ذلك حتَّى اليوم ، وهو سنة ألف وثلاثمئة وخمس وسبعين هجريّة قمريّة وسنة ألف وثلاثمئة وثمانية وثلاثين هجريّة شمسيّة . ۲

1.جُرْهُم : حيّ من اليمن نزلوا مكّة وتزوّج فيهم إسماعيل بن إبراهيم عليهماالسلام، وهم أصهاره ، ثمّ ألحدوا في الحرم فأبادهم اللّه تعالى (لسان العرب : ج ۱۲ ص ۹۷) .

2.الميزان في تفسير القرآن : ج ۳ ص ۳۵۸ .


حكم النّبيّ الأعظم ج6
362
  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج6
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 159516
الصفحه من 649
طباعه  ارسل الي