473
حكم النّبيّ الأعظم ج5

الفصل الخامس عشر : الدّعاء للآخرين

إنّ من المسائل البالغة الأهميّة في باب الدعاء الاهتمام بالتماس الدعاء من الآخرين والدعاء لهم . ويقدّم هذا الفصل نقاطا تربويّة تخصّ الموضوع . وكذلك يشتمل على تعريفٍ بعددٍ من الرجال الذين دعا لهم أهل البيت عليهم السلام أو دعوا عليهم . والنقطة المفيد ذكرها في بداية هذا الفصل الصدق في الدعاء للآخرين .
الدعاء للآخرين هو في الحقيقة إرادة الخير الماديّ أو المعنويّ أو كليهما لهم . فيمكن أن يكون الإنسان صادقا في دعائه لغيره تبعا لمقدار إرادته الخير له . فعلى من أراد أن يعلم حجم صدقه في دعائه في مجال الاُمور المعنويّة والاُخرويّة أن يرى أمستعدٌّ هو في إرادة الخير المادّيّ لغيره عمليّا أم لا . وبهذا الشأن نقل الإمام الصادق عليه السلام عن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام حكايةً في غاية الروعة والبُعد التربويّ . فقد قال عليه السلام :
إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ ـ صَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِ ـ بَعَثَ إلى رَجُلٍ بِخَمسَةِ أوساقٍ مِن تَمرِ البُغَيبِغَةِ۱، وكانَ الرَّجُلُ مِمَّن يَرجو نَوافِلَهُ ويُؤَمِّلُ نائِلَهُ ورِفدَهُ ، وكانَ لا يَسأَلُعَلِيّا عليه السلام ولا غَيرَهُ شَيئا ، فَقالَ رَجُلٌ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام : وَاللّه ِ ما سَأَلَكَ فُلانٌ ، ولَقَد كانَ يُجزِئُهُ مِنَ الخَمسَةِ الأَوساقِ وَسقٌ واحِدٌ .
فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : لا كَثَّرَ اللّه ُ فِي المُؤمِنينَ ضَربَكَ۲! اُعطي أنَا وتَبخَلُ أنتَ ! للّه ِِ أنتَ ، إذا أنَا لَم اُعطِ الَّذي يَرجوني إلّا مِن بَعدِ المَسأَلَةِ ، ثُمَّ اُعطيهِ بَعدَ المَسأَلَةِ ، فَلَم اُعطِهِ ثَمَنَ۳ما أخَذتُ مِنهُ ؛ وذلِكَ لِأَنّي عَرَّضتُهُ أن يَبذُلَ لي وَجهَهُ الَّذي يُعَفِّرُهُ فِي التُّرابِ لِرَبّي ورَبِّهِ عِندَ تَعَبُّدِهِ لَهُ ، وطَلَبِ حَوائِجِهِ إلَيهِ ، فَمَن فَعَلَ هذا بِأَخيهِ المُسلِمِ ـ وقَد عَرَفَ أنَّهُ مَوضِعٌ لِصِلَتِهِ ومَعروفِهِ ـ فَلَم يَصدُقِ اللّه َ عز و جلفي دُعائِهِ لَهُ ، حَيثُ يَتَمَنّى لَهُ الجَنَّةَ بِلِسانِهِ ، ويَبخَلُ عَلَيهِ بِالحُطامِ مِن مالِهِ ، وذلِكَ أنَّ العَبدَ قَد يَقولُ في دُعائِهِ : اللّهُمَّ اغفِر لِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ . فَإِذا دَعا لَهُم بِالمَغفِرَةِ فَقَد طَلَبَ لَهُمُ الجَنَّةَ ، فَما أنصَفَ مَن فَعَلَ هذا بِالقَولِ ، ولَم يُحَقِّقهُ بِالفِعلِ .۴

1.البُغَيبِغة : ضيعة أو عين بالمدينة ، غزيرة ، كثيرة النخل ، لآل الرسول صلى الله عليه و آله (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۱۷۰ «بغبغ») .

2.الضَّرْب : المثل (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۹۵ «ضرب») .

3.في كتاب من لا يحضره الفقيه : «إلّا ثمن» .

4.الكافي : ج ۴ ص ۲۲ ح ۱ عن مسعدة بن صدقة ، بحار الأنوار : ج ۴۱ ص ۳۵ ح ۱۲ .


حكم النّبيّ الأعظم ج5
472
  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج5
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 193576
الصفحه من 622
طباعه  ارسل الي