بحث حول أجر التبليغ
مرّ علينا في ما سبق أنّ سيرة الأنبياء كانت تقوم على مبدأ عدم طلب الأجر على تبليغ الرسالة ؛ فقد أعلنوا مرّات وكرّات بأنّهم لا يتقاضون من الناس أجراً في مقابل الجهود التي يبذلونها في إبلاغ رسالات اللّه . وأعلن أوّل أنبياء اُولي العزم نوح عليه السلام صراحةً أنّه يقدّم هذه الخدمة للمجتمع بالمجّان . وسار على النهج نفسه الأنبياء الآخرون ؛ كهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب عليهم السلام . أمّا الملاحظة الجديرة بالتأمّل في هذا المجال فهي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُمر من قِبل اللّه عز و جل أن يعلن للاُمّة :
«لَا أَسْـئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى» . ۱
ويوضّحَ بأمر اللّه الحكمة من هذا الطلب بقوله :
«قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلَا عَلَى اللَّهِ» . ۲
بمعنى أنّني لا اُريد منكم شيئاً في مقابل إبلاغ رسالة اللّه ، وأنا أيضاً كسائر الأنبياء أخدم الناس بلا أجر ولا منّة ، وما اُسمّيه أجراً ليس فيه ضمان لمصلحتي وإنّما هو ضمان لمصالحكم ، وقصدت من هذا التعبير العاطفي الرقيق حثّكم على حفظه ؛ لكي لا تنحرفوا من بعدي عن الصراط المستقيم .