357
حكم النّبيّ الأعظم ج4

وعندما نطلّ على المسألة من زاوية نظرة دقيقة تنفذ إلى الأعماق، سندرك أنّ الإسلام استطاع من خلال هذا المنهج استيعاب الغرور الفطري للإنسان واحتوائه وتوجيهه، ومن ثَمّ استطاع أن يؤمّن له منافعه الواقعية وما يرنو إليه على المدى البعيد ، فالإنسان الذي يعيش الإيثار ويمارسه إنّما يبني ذاته ويُحسن لنفسه ويُؤمّن مصالحه الحقيقية الدائمة ، وبتعبير القرآن الكريم :
«إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ» . ۱
على عكس ذلك تماما تأتي الحصيلة في مناخات الثقافة المادّية ؛ فالمادّيون والأنانيون المستأثرون يضعون مصيرهم في مهبّ الريح ويعرّضون أنفسهم للضياع ويخسرون منافعهم الحقيقية الدائمة ويبدّدونها ، وبحسب التصوير القرآني النافذ لهذه الحالة ؛ أنّ هؤلاء ينسون أنفسهم ويخسرونها بنسيانهم اللّه :
«نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ» . ۲
على هذا الضوء ، فإنّ اتّساع ثقافة الإيثار واطّرادها داخل المجتمع لا يهدّد المنافع الشخصية للمؤثرين فحسب ، بل يحوّلهم إلى أحبّاء للّه ۳ وللناس ۴ ، ويؤهّلهم إلى نيل أفضل ضروب الحياة وأسماها في عالَم الآخرة ودار الخلود ۵ ؛ فضلاً عن النتائج الموضوعية التي يحقّقها في الواقع الخارجي متمثّلة باجتناب مناشئ الفساد الاجتماعي واستئصالها ، ومن ثَمّ تأمين المنافع المادّية والمعنوية للمجتمع الإنساني.
لقد أوجز القرآن الكريم في خاتمة آية الإيثار، البركات الفردية والاجتماعية

1.الإسراء : ۷.

2.الحشر: ۱۹.

3.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۱ ( الإيثار / الفصل الأوّل : الحث على الإيثار : ح ۳ و ۴ ) .

4.راجع: موسوعة ميزان الحكمة : ج ۱ ( الإيثار / الفصل الأوّل : بركات الإيثار : ح ۴۴ ) .

5.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۱ ( الإيثار / الفصل الثالث : بركات الإيثار : الدخول في أعلى مراتب الجنة ) .


حكم النّبيّ الأعظم ج4
356

ولا تؤتي اُكلها إلّا عن هذا السبيل. من هنا يبدو أنّ أيّ كلام عن القيم الأخلاقية يصدر عن الاتّجاهات المادّية لا يزيد عن كونه مزحة وحسب، ولا يهدف سوى إلى خداع الرأي العامّ وتضليله.
بناءً على هذه النتيجة تبرز الحصيلة التي تفيد بأنّه كلّما تنامى الإيمان في وجود الإنسان ورسخ فيه أكثر، صار أقرب إلى هذه الخصلة الكريمة، وبتعبير الإمام عليّ عليه السلام : يأتي الإنسان المؤثر في أعلى مراتب الإيمان ۱ . كما يدلّل على المعنى ذاته ما جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام في صفة الكاملين من المؤمنين من أنّهم المؤثرون على أنفسهم في حال العسر ۲ .
فإذا، كلّما ازداد الإيمان ورسخ في وجود الإنسان وصار أكثر تكاملاً فيه، ازدادت قابليته على الإيثار، وراح يرتقي فيه حتّى يبلغ مرتبة التضحية والفداء والإيثار بالنفس.

4 . نتائج الإيثار

تأخذ خصلة الإيثار موقعها على الطرف النقيض للأنانية والاستئثار ، فبقدر ما يصبح الاستئثار ضارّا ببنية المجتمع الإنساني المنشود ومدمّرا لوحدته وانسجامه ۳ ، يصبح الإيثار نافعا لهذا المجتمع حاملاً له المعطيات الإيجابية البنّاءة.
فعلى عكس الاتّجاهات المادية والتيارات الوضعية التي تشيع ثقافة الأثَرة والأنانية وعبادة الذات وتصنيمها، ينظر الإسلام إلى الأنانية والأثَرة بوصفهما الأصل الذي تنشأ منه المفاسد الفردية والاجتماعية، ومن ثَمّ تراه يسعى من وراء إشاعة ثقافة الإيثار والمؤاساة وتعميمها إلى تجفيف هذا الجذر الخطير ومحاصرة تبعاته المدمّرة.

1.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۱ ( الإيثار / الفصل الثاني : قيمة الإيثار : ح ۱۵ ) .

2.راجع: موسوعة ميزان الحكمة : ج ۱ ( الإيثار / الفصل الثالث : بركات الإيثار : ح ۴۱ ) .

3.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۱ ( الاستئثار / المدخل ) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 201237
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي