427
حكم النّبيّ الأعظم ج4

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار هذا التوجيه الأساسيّ ـ وهو كون الزهد من جنود العقل ، وأنّه يخضع لأوامر القوّة العاقلة ـ يمكن تحصيل نقطتين هامّتين في بيان الزهد الإسلاميّ :
النقطة الاُولى : إنّ الزهد الذي يدعو إليه الإسلام يتضمّن أصلاً عقليّا ومبدأً علميّا ، لذلك فهو ينسجم مع العقل والمنطق مئة بالمئة ، فإذا كان الرسول الباطنيّ ـ وهو العقل ـ يدرك المقصود منه ، فإنّه يدعو الإنسان إليه قبل الرسول الظاهريّ.
النقطة الثانية : إنّ عدم الرغبة على نوعين:

1 . عدم الرغبة الطبيعيّة

ويراد بذلك أنّ الإنسان بطبعه يرغب عن بعض الأشياء ، كما يرغب المريض عن الطعام والشراب.

2 . عدم الرغبة القلبيّة

ويراد بذلك أنّ روح الإنسان ترغب عن بعض الأشياء مع أنّ طبعه يرغب فيه ويميل إليه، مَثَلُه مَثَل المريض الذي يحبُّ غذاءً معيّنا ، ولكن لعلمه أنّ في تناوله منه خطرا عليه فإنّه لا يشعر بالرغبة فيه وحسب بل ينفر قلبه منه .
ومع أخذ هذه المقدّمة بنظر الاعتبار يمكن القول : إنّ الزهد الإسلاميّ ليس بمعنى عدم الرغبة الطبيعيّة في الدنيا ؛ لأنّ عدم الرغبة الطبيعيّة في اللذائذ المادية ليس فضلاً ، بل هو في الواقع مرض ينبغي معالجته ، فالزهد الإسلاميّ هو عبارة عن عدم الرغبة القلبيّة في اللذائذ التي تسبّب الضرر للإنسان.
ولتوضيح هذا المطلب نقول : إنّ الإنسان يرغب أحيانا في عملٍ ما ، لكنّ عقله يردعه عن أدائه لما فيه من الضرر ، فيمتنع الإنسان منه مع رغبته القلبيّة فيه ، وهذا الفعل يسمّى الصبر ، والذي يستطيع أن يضبط نفسه أمام ما يشتهي يسمّى صابرا ؛


حكم النّبيّ الأعظم ج4
426

بناءً على ما تقدّم ، ومع أنّ كلمة الزهد يستفاد منها معنى القلّة ، فإنّ لها معنىً آخر يقابل الرغبة ، بيد أنّ التأمّل في كلمات اللغويّين يقودنا إلى الاعتقاد بأنّ المعنى الأوّل أصلٌ والثاني فرعٌ .

الزهد في القرآن والحديث

جاءت مادّة الزهد في القرآن الكريم مرّة واحدة ، وذلك في سورة يوسف عليه السلام : «وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَ هِمَ مَعْدُودَةٍ وَ كَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّ هِدِينَ » . ۱
أي أنّ باعة يوسف عليه السلام قد باعوه بثمن زهيد قليل لعدم رغبتهم فيه . وقد استُعملت كلمة الزهد في هذه الآية بمعنى عدم الرغبة ، وارتباط ذلك بقلّة الثمن يعكس المعنى الأصليّ والفرعيّ للزهد .
وفي الحديث الشريف استُعمل هذا اللفظ غالبا بمعنى عدم الرغبة ، ونادرا بمعنى القلّة .
وقد تكفّل هذا القسم بذكر تعاليم أئمّة الإسلام حول الزهد في الدنيا المذمومة ، والسيرة العمليّة لهم في التعامل معها ، وذلك ضمن ستّة فصول . ولكي يكون الباحث على بصيرة أكثر في ملاحظة المطالب الآتية ، نرى من اللازم تقديم توضيحات مختصرة حول اختلاف مفهوم الزهد الإسلاميّ عن الرهبانيّة المسيحيّة ، وفلسفة الزهد ، وطرق تحصيله ، وذلك اعتمادا على نصوص هذا القسم.

أولاً ـ تعريف الزهد

في بيان الإمام الصادق عليه السلام لجنود العقل والجهل ، اعتبر الزهد في الدنيا من جنود العقل ، وعرّفه بأنّه ضدّ الرغبة في الدنيا ، فقال عليه السلام :
الزُّهدُ وضِدُّهُ الرَّغبَةُ.۲

1.يوسف : ۲۰ .

2.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثالث/ الفصل الأوّل : تعريف الزهد وتحريفه : ح۸۰۲ ) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 202599
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي