165
حكم النّبيّ الأعظم ج2

3 . دور اختيار الإنسان في عالم الذرّ في سعادته وشقائه

إنّ المعنى الثالث الّذي قُدّم للحديث المذكور ، هو أنّ اختيار الإنسان في عالم الذرّ الّذي كان قبل العالم الحالي، يؤثّر في تكوين سجيّته، وذلك وفقا لعدد من الروايات، بمعنى أنّ الأشخاص الّذين اختاروا في ذلك العالم الطريق الصحيح، فإنّ سجيّتهم في هذا العالم تميل أيضا إلى اختيار الطريق الصحيح الّذي يؤدّي إلى سعادتهم، وأمّا اُولئك الّذين اختاروا الطريق المعوجّ ، فإنّهم يميلون بطبيعتهم إلى الأعمال القبيحة الّتي تستوجب شقاءهم . ولكنّ اُولئك الّذين يميلون إلى الشرّ ، بإمكانهم أن يختاروا الطريق الصحيح ، واُولئك الّذين يميلون إلى الخير من الممكن أن يختاروا الطريق المنحرف، دون أن يكون هناك جبر أي في البين .

حصيلة البحث

يبدو أنّ معنى الحديث المذكور هو المعنى الأوّل الّذي ورد في حديث الإمام الكاظم عليه السلام ، والتفسير الثاني يعود أيضا إلى المعنى الأوّل أيضاً ، وأمّا التفسير الثالث، فإنّ انطباقه على الحديث «السَّعيدُ سَعيدٌ في بَطنِ اُمِّهِ ...» مشكل، فضلاً عن أنّه يقوم على وجود عالم الذرّ ، وهو بحاجة إلى البحث والدراسة.
وممّا يجدر ذكره أنّ الروايات الاُخرى الّتي وردت في الباب السابق يمكن أن يُستند إليها في تفسير هذا الحديث وتبيينه، رغم أنّها لم تشر إلى معناه.


حكم النّبيّ الأعظم ج2
164

1 . العلم الإلهي بسعادة البشر وشقائهم قبل ولادتهم

لا شكّ في أنّ اللّه يعلم بمصير جميع البشر قبل ولادتهم، ولكنّ من الواضح أنّ علم اللّه الأزليّ ليس سبب صدور أفعال الإنسان.
بعبارةٍ اُخرى : فإنّ اللّه ـ سبحانه ـ يعلم الطريق الّذي يختاره كلّ إنسان بإرادته واختياره، على هذا فإنّ الإنسان ليس مجبرا على اختيار طريق الخير أو الشرّ .
وقد روي هذا التفسير للحديث المذكور بحذافيره عن الإمام الكاظم عليه السلام :
الشَّقيُّ مَن عَلِمَ اللّه ُ وَهوَ في بَطنِ اُمِّهِ أَنَّهُ سَيَعمَلُ أَعمالَ الأَشقياءِ ، وَالسَّعيدُ مَن عَلِمَ اللّه ُ وَهُوَ في بَطنِ اُمِّهِ أَنَّهُ سَيَعمَلُ أَعمال السُّعداء .۱
بعبارةٍ أوضح : إن كان معنى الحديث المذكور أنّ اللّه ـ جلّ وعلا ـ خلق عددا من الناس سعداء ومؤمنين بالفطرة، وخلق عددا آخر أشقياء كافرين، لكان الناس مجبرين على سلوك طريق السعادة أو الشقاء . ولكنّ الأمر ليس كذلك ، فخالق العالم لم يخلق أيّ إنسان شقيّا وكافرا، بل خلق الجميع موحّدين بالفطرة ، وقد جاء ذلك في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام :
إنَّ اللّه َ خَلَقَ خَلقَهُ جَميعا مُسلِمينَ ، أَمَرَهُم وَنَهاهُم ، وَالكُفرُ اسمٌ يَلحَقُ الفِعلَ حينَ يِفعَلُهُ العَبدُ ، وَلَم يَخلُقِ اللّه ُ العَبدَ حينَ خَلقَهُ كافِرا، إِنَّهُ إِنَّما كَفَرَ مِن بَعدِ أَن بَلَغَ وَقتا لَزِمَتهُ الحُجَّةُ مِنَ اللّه ِ ، فَعَرَضَ عَلَيهِ الحَقَّ فَجَحَدَهُ ، فَبِإِنكارِهِ الحَقَّ صارَ كافِرا .۲

2 . تقدير السعادة للمؤمن والشقاء للكافر

إنّ المعنى الآخر للحديث المذكور:هو أنّ اللّه عز و جل قدّر السعادة فيبطون الاُمّهات للأبناء الّذين يعلم أنّهم يختارون في المستقبل الطريق الصحيح في الحياة ويؤمنون به، فيما قدّر في بطون الاُمّهات الشقاء للأبناء الّذين يعلم أنّهم سيختارون في المستقبل الطريق الخاطئ ويكفرون به، وقد روي هذا المعنى في حديثٍ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
سَبَقَ العِلمُ وَجَفَّ القَلَمُ ، وَمَضَى القَدَرُ بِتَحقيقِ الكِتابِ وَتَصديقِ الرُّسُلِ ، وَبِالسَّعادَةِ مِنَ اللّه ِ عز و جل لِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وَبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وَكَفَرَ ، وَبِوَلايَةِ اللّه ِ المُؤمِنينَ ، وَبَراءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ .۳
بناءً على ذلك ، فعلى الرغم من أنّ السعادة والشقاء يُقدّران من قبل اللّه ، إلّا أنّ السعادة والشقاء يعينان الإنسان على أساس الإيمان والكفر اللّذين هما عملان اختياريّان للإنسان .

1.التوحيد : ص ۳۵۶ ح ۳ ، بحار الأنوار : ج ۵ ص ۱۵۷ ح ۱۰ .

2.الاحتجاج : ج ۲ ص ۲۲۳ ح ۲۲۳ .

3.التوحيد : ص ۳۴۳ ح ۱۳ ، تفسير القمّي : ج ۲ ص ۲۱۰ ، بحار الأنوار : ج ۵ ص ۹۴ ح ۱۳ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج2
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 164117
الصفحه من 686
طباعه  ارسل الي