291
حكم النّبيّ الأعظم ج2

دراسة في شهادة العلم على نبوّة محمّد

تدلّ الآيات والروايات السابقة الذكر على أنّ نبوّة رسول الإسلام صلى الله عليه و آله هي ظاهرة علمية تتّفق مع المقاييس العقلية ، فالعلاقة بين العلم والإيمان هي أساسا علاقة لا يمكن فصم عراها .
ويجب الالتفات إلى الملاحظات التالية فيما يتعلّق بمفهوم ماهية التلاحم بين العلم والإيمان :
1 . العلم من وجهة نظر الكتاب والسنّة يعني البصيرة والرؤية العلمية .
2 . البصيرة العلمية هي الإحساس والنور والرؤية الّتي تقود جميع العلوم والإدراكات البشرية ، أي أنّها تضع العلم والمعرفة في طريق تكامل الفرد والمجتمع الإنساني . وبعبارة اُخرى فإنّ البصيرة العلمية ما هي إلّا جوهر العلم وروحه .
3 . يولّي الإسلام الاحترام والقيمة لجميع فروع المعرفة ، بشرط أن تقترن بالبصيرة العلمية وتعمل على تحقيق الهدف المتمثل في نمو الإنسانية وتكاملها .
4 . يؤدّي العلم المجرد عن البصيرة العلمية ، إلى انحطاط الإنسان وسقوطه ، سواء كان علم التوحيد ، ومعرفة اللّه ، أم العلوم الاُخرى . بل يمكن القول إنّ العلم من دون البصيرة العلمية ليس علماً حقيقة ؛ ذلك لأنّه سيفتقد ميزة العلم المتمثّلة في نموّ الإنسان وتكامله .
5 . عندما يقترن العلم ، بشكلٍ عام ، بالبصيرة العلمية ، فإنّه سيكون في الحقيقة علم التوحيد ومعرفة اللّه ، ولذلك ، يرى القرآن الكريم أنّ العلم يستتبع عموما الخوف والخشية من اللّه : « إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَـؤُاْ» .
وتُقدِّم لنا هذه الآية مفهومين :
أ ـ المراد من العلم ، البصيرة العلمية بنفس المعنى الّذي بيّناه ؛ لأنّ كلّ علم ـ حتّى علم التوحيد ـ إن لم يتضمّن روح العلم وجوهره ، فإنّه سوف لا يؤدي إلى الخشية .
ب ـ العلاقة بين العلم والإيمان هي علاقة وثيقة ، بمعنى أنّ الإنسان لا يمكنه أن يرى العالم كما هو دون أن يرى آثار قدرة اللّه وصنعه .
ومن هنا يضع القرآن الكريم اُولي العلم في صفّ الملائكة ؛ باعتبارهم شهداء على وحدانية خالق العالم ، حيث يقول :
6 . إنّ العلم ـ بالمفهوم السابق ـ لا يقترن بالإيمان بتوحيد اللّه ـ سبحانه ـ وحسب ، بل إنّه يقترن أيضا بالإيمان بالنبوّة ، فكما أنّ من المحال أن يرى الإنسان العالم دون أن ينتهي عمله هذا بالإيمان باللّه ـ عزّوجلّ ـ ، فإنّ من غير الممكن أيضا أن يرى الإنسان العالم وصانعه دون أن يعرف مكانته في الوجود ويؤمن بالرسالة الإلهيّة الّتي تقود البشر إلى حكمة الخلق :
وقد أثبتنا في بحث النبوّة العامّة أنّ نفي النبوّة يعادل نفي التوحيد .
7 . إنّ العلم ـ بالمفهوم السابق ـ لا يقترن بالإيمان بالتوحيد والنبوّة العامّة فقط ، بل يقترن أيضا بالنبوّة الخاصّة . بمعنى أنّ الإنسان عندما يحصل على البصيرة العلمية ويشاهد اللّه على ضوء نور المعرفة وعن طريق ملاحظة آثار الوجود ، فإنّه يستطيع بسهولة أن يعرف رسل اللّه الحقيقيّين على أساس تلك البصيرة نفسها وعلى ضوء تلك المعرفة ذاتها ومن خلال ملاحظة آثار النبوّة ، غاية ما في الأمر أنّ هذه الرؤية قد تبلغ أحيانا درجة من القوّة بحيث يرى الإنسان برؤيته القلبية ، نور النبوّة في شخصية الرسول ، كما شاهد ذلك الإمام عليّ عليه السلام في رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وتُسمّى مثل هذه المعرفة بالمعرفة القلبية والكشف والشهود الباطنيّين .
على أنّ هذه الرؤية قد لا تسمو أحيانا إلى هذه المرتبة ، فالإنسان قد يلاحظ بالرؤية العقلية آثار النبوّة وعلاماتها في شخص الرسول الإلهي ، وتُسمّى مثل هذه المعرفة بالمعرفة العقلية .
وكلا هذين النوعين من المعرفة هما ـ من المنظار القرآني ـ معرفة علمية ، وينسبان إلى البصيرة العلمية .


حكم النّبيّ الأعظم ج2
290

«وَ كَذَ لِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَـبُ وَ لَا الْاءِيمَـنُ وَ لَـكِن جَعَلْنَـهُ نُورًا نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَ إِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ » . ۱

الحديث

۲۰۴۵.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِلمُ حَياةُ الإسلامِ وَعِمادُ الإِيمانِ . ۲

1.الشورى : ۵۲ .

2.كنز العمّال : ج ۱۰ ص ۱۸۱ ح ۲۸۹۴۴ نقلاً عن أبي الشيخ عن ابن عبّاس .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج2
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 165783
الصفحه من 686
طباعه  ارسل الي