103
حكم النّبي الأعظم ج1

يذهب الرأي الأوّل إلى أنّ العقل هو مبدأ الإدراك، ولا يوجد في هذا الصدد أيّ فارق بين العقل النظري والعقل العملي، وإنّما يكمن الفارق في الهدف؛ فإذا كان الهدف من إدراك الشيء هو معرفته لا العمل به، يُسمّى مبدأ الإدراك حينئذٍ بالعقل النظري ، من قبيل إدراك حقائق الوجود، أمّا إذا كان الهدف من الإدراك هو العمل، فيسمّى مبدأ الإدراك عند ذاك بالعقل العملي، من قبيل معرفة حسن العدل وقبح الجور، وحسن الصبر وقبح الجزع، وما إلى ذلك. وقد نُسب هذا الرأي إلى مشاهير الفلاسفة، ويمثّل العقل العملي ـ وفقا لهذا الرأي ـ مبدأ للإدراك وليس كمحفّز أو دافع.
ويذهب الرأي الثاني إلى القول بأنّ التفاوت بين العقل النظري والعقل العملي تفاوت في الجوهر؛ أي في طبيعة الأداء الوظيفي لكلّ منهما؛ فالعقل النظري هو عبارة عن مبدأ الإدراك سواء كان الهدف من الإدراك هو المعرفة أم العمل، والعقل العملي مبدأللدوافع والمحفزات لا الإدراك، ومهمّة العقل العملي هي تنفيذ مدركات العقل النظري.
وأوّل من قال بهذا الرأي ـ على الأشهر ـ هو ابن سينا، ومن بعده قطب الدين الرازي صاحب المحاكمات ، وأخيرا المحقق النراقي صاحب كتاب «جامع السعادات».۱
أقول: النظرية الاُولى أقرب إلى معنى كلمة العقل، ولكنّ الأصح هو تفسير العقل العملي بمبدأ الإدراك والحفز؛ وذلك لأنّ الشعور الذي يتعاطى مع القيم الأخلاقية والعملية هو مبدأ الإدراك، وهو في الوقت ذاته مبدأ للدفع والحفز. وقوّة الإدراك هذه هي ذات العنصر الذي سُمّي من قبل بالوجدان الأخلاقي وسمّته النصوص الإسلامية بعقل الطبع، وهو ما سنوضّحه فيما يأتي:

1.جامع السعادات : ج ۱ ص ۵۷ . ولمزيد التوضيح راجع : حسن وقبح عقلي (بالفارسيّه) : الفصل السادس : العقل النظري و العقل العملي .


حكم النّبي الأعظم ج1
102

الكمال الإنساني. وفي هذا المعنى قال أميرالمؤمنين عليه السلام :
قَد أَحيا عَقلَهُ، وأَماتَ نَفسَهُ، حَتّى دَقَّ جَليلُهُ ، ولَطُفَ غَليظُهُ، وبَرَقَ لَهُ لامِعٌ كَثيرُ البَرقِ؛ فَأَبانَ لَهُ الطَّريقَ، وسَلَكَ بِهِ السَّبيلَ، وتَدافَعَتهُ الأَبوابُ إِلى بابِ السَّلامَةِ ودارِ الإِقامَةِ، وثَبَتَت رِجلاهُ بِطُمَأنينَةِ بَدَنِهِ في قَرارِ الأَمنِ وَالرّاحَةِ بِمَا استَعمَلَ قَلبَهُ وأَرضى رَبَّهُ.۱
وبناءً على هذا، وانطلاقا من التعريف الذي يأتي في معنى العلم الحقيقي والحكمة الحقيقية ۲ ، يتّضح لدينا أنّ النصوص الإسلامية طرحت ثلاث مفردات هي: العلم والحكمة والعقل، للتعبير عن قوّة نورانية باطنية بنّاءة في وجود الإنسان ، وهذه القوّة تُسمّى بـ«نور العلم» من حيث إنّها تقود الإنسان إلى التكامل المادّي والمعنوي، وتُسمّى بـ«الحكمة الحقيقية» من حيث ما تتّسم به من تماسك وابتعاد عن الخطأ، وتسمّى من ناحية اُخرى بـ«العقل» من حيث يدفع الإنسان إلى فعل الخير ويمنعه عن الانزلاق فكرا وعملًا، ويمكن البرهنة على هذا الزعم بكلّ جلاء من خلال استقراء مبادئ العلم والحكمة ۳ والعقل ۴ واستقراء صفاتها وآثارها وآفاتها وعوائقها .

العقل النظري والعقل العملي

هنالك رأيان في تفسير معنى العقل النظري والعقل العملي:

1.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثاني : العقل / الفصل الخامس / علامات كمال العقل : ح ۶۴۷) .

2.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۲ (المعرفة / القسم الرابع : العلم / الفصل الأوّل : حقيقة العلم) .

3.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۲ (المعرفة / القسم السادس : مبادئ المعرفة / الفصل الرابع : مبادئ الإلهام) و (القسم السابع / الفصل الأول : حجب العلم والحكمة والفصل الثاني : ما يزيل الحجب) .

4.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثاني : العقل / الفصل الرابع / ما يقوّي العقل و الفصل الخامس : علامات العقل والفصل السادس : آفات العقل و الفصل السابع : أحكام العاقل) .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 214449
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي