107
حكم النّبي الأعظم ج1

لقد أصبح العلم في العصر الراهن ـ نتيجة لابتعاده عن العقل ـ سببا لاضطراب المجتمع البشري مادّيا ومعنويا وفسادهِ وانحطاطهِ، بدلًا من أن يكون عاملًا لاستقراره ورفاهه وتقدّمه وتكامله على الصعيدين المعنوي والمادّي؛ حيث تحوّل العلم في عالم اليوم إلى أداة لبلوغ المآرب السياسية والاقتصادية واللذائذ المادّية لدى فئة مستكبرة مرفّهة خاوية من العقل، استغلّت هذه الأداة أكثر من أي وقت آخر؛ للاستيلاء على الشعوب واستضعافها ودفعها إلى هاوية الانحراف.
طالما بقي العلم بعيدا عن العقل، وما دام العقل لا يواكب العلم في تطوّره، لن يتسنّى لبني الإنسان أن يذوقوا طعم الاستقرار والسكينة وأفضل ما جاء في هذا المعنى هو قول الإمام علي عليه السلام :
أفضَلُ ما مَنَّ اللّهُ سُبحانَهُ بِهِ عَلى عِبادِهِ عِلمٌ ، وعَقلٌ، ومُلكٌ، وعَدلٌ .۱
وخلاصة القول هي أنّ عالم اليوم بحاجة إلى العقل أكثر من أي وقت مضى، والقسم الأوّل من كتاب المعرفة الذي بين أيديكم له اليوم تطبيقات ثقافية واجتماعية وسياسية أكثر من أيّ وقت مضى .

خطر الجهل

يُستخلص ممّا طرحه الإسلام في شتّى أبواب نظريّة المعرفة أنّ هذا الدين الإلهيّ قد أعار ـ قبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء ـ أهمّيّة قصوى للفكر والوعي والمعرفة من أجل بناء المجتمع الفاضل الذي يصبو إليه ، وحذّر من مغبّة الجهل وتعطيل الفكر .
فالإسلام يرى في الجهل آفة تهدّد ازدهار الإنسانيّة ، ومصدرا لكلّ المفاسد الفرديّة والاجتماعيّة ۲ ، وما لم تستأصل هذه الآفة لا يتسنّى للفضيلة أن تسود ، ولا

1.راجع: موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثاني : العقل / الفصل الثاني : قيمة العقل / العلم يحتاج إليه : ح ۱۰۸) .

2.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثالث : الجهل / الفصل الثالث : علامات الجهل / آثار الجهل) .


حكم النّبي الأعظم ج1
106

وعلى هذا الأساس لا يوجد ثمّة فارق بين العالم والعاقل، وذلك لأنّ العاقل عالم، والعالم عاقل، حيث قال تعالى في كتابه الكريم:
«وَ تِلْكَ الْأَمْثَـلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا يَعْقِلُهَا إلَا الْعَـالِمُونَ» . ۱
أمّا في الاستخدام الثاني فهنالك تفاوت بين العاقل والعالم، والعلم بحاجة إلى العقل، فقد يكون هناك عالم ولكنّه غير عاقل، وإذا اقترن العلم بالعقل كان ذا فائدة للعالِم وللعالَم. أمّا إذا تجرّد من العقل فلا خير فيه، بل ولا يخلو في مثل هذه الحالة من الضرر والخطر.

خطر العلم بلا عقل

قال الإمام علي عليه السلام في هذا المعنى:
العَقلُ لَم يَجنِ عَلى صاحِبِهِ قَطُّ، وَالعِلمُ مِن غَيرِ عَقلٍ يَجني عَلى صاحِبِهِ.۲
وفي عالم اليوم تطوّر العلم غير أنّ العقل تناقص ، والمجتمع الحالي يمثّل مصداقا لمقولته عليه السلام حين يقول:
مَن زادَ عِلمُهُ عَلى عَقلِهِ كانَ وَبالًا عَلَيهِ .۳
وهو أيضا مصداق لهذا البيت :

إذا كنت ذا علم ولم تكُ عاقلًا
فأنت كذي نعل وليس له رجلُ۴

1.العنكبوت: ۴۳.

2.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثاني : العقل / الفصل الثاني : قيمة العقل / العلم يحتاج إليه : ح ۱۰۵) .

3.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثاني : العقل / الفصل الثاني : قيمة العقل / العلم يحتاج إليه : ح ۱۰۷) .

4.راجع: موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثاني : العقل / الفصل الثاني : قيمة العقل / العلم يحتاج إليه : ح ۱۱۱) .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 214350
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي