لقد أصبح العلم في العصر الراهن ـ نتيجة لابتعاده عن العقل ـ سببا لاضطراب المجتمع البشري مادّيا ومعنويا وفسادهِ وانحطاطهِ، بدلًا من أن يكون عاملًا لاستقراره ورفاهه وتقدّمه وتكامله على الصعيدين المعنوي والمادّي؛ حيث تحوّل العلم في عالم اليوم إلى أداة لبلوغ المآرب السياسية والاقتصادية واللذائذ المادّية لدى فئة مستكبرة مرفّهة خاوية من العقل، استغلّت هذه الأداة أكثر من أي وقت آخر؛ للاستيلاء على الشعوب واستضعافها ودفعها إلى هاوية الانحراف.
طالما بقي العلم بعيدا عن العقل، وما دام العقل لا يواكب العلم في تطوّره، لن يتسنّى لبني الإنسان أن يذوقوا طعم الاستقرار والسكينة وأفضل ما جاء في هذا المعنى هو قول الإمام علي عليه السلام :
أفضَلُ ما مَنَّ اللّهُ سُبحانَهُ بِهِ عَلى عِبادِهِ عِلمٌ ، وعَقلٌ، ومُلكٌ، وعَدلٌ .۱
وخلاصة القول هي أنّ عالم اليوم بحاجة إلى العقل أكثر من أي وقت مضى، والقسم الأوّل من كتاب المعرفة الذي بين أيديكم له اليوم تطبيقات ثقافية واجتماعية وسياسية أكثر من أيّ وقت مضى .
خطر الجهل
يُستخلص ممّا طرحه الإسلام في شتّى أبواب نظريّة المعرفة أنّ هذا الدين الإلهيّ قد أعار ـ قبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء ـ أهمّيّة قصوى للفكر والوعي والمعرفة من أجل بناء المجتمع الفاضل الذي يصبو إليه ، وحذّر من مغبّة الجهل وتعطيل الفكر .
فالإسلام يرى في الجهل آفة تهدّد ازدهار الإنسانيّة ، ومصدرا لكلّ المفاسد الفرديّة والاجتماعيّة ۲ ، وما لم تستأصل هذه الآفة لا يتسنّى للفضيلة أن تسود ، ولا