199
حكم النّبي الأعظم ج1

حقيقة العلم

حقيقة العلم نور يرى به الإنسان العالم كما هو ، ويعرف منزلته الوجودية بسببه ، ولنور العلم درجات ، أرفعُها لا يدل المرء على طريق تكامله فحسب وانما يدفعه في هذا المسار ، ويبلغ به المقصد الأعلى للإنسانيّة .
لقد تحدّث القرآن الكريم عن هذا النور بصراحة ، فقال :
«أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِى الظُّـلُمَـتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا» ؟! ۱
وبعبارة اُخرى :
«هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» ؟! ۲
ويقول الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في بيان هذا النور وأهمّ خواصّه التي هي إيصال الإنسان إلى المقصد الأعلى للإنسانيّة عند وصفه لسالك الطريق إلى اللّه :
قَد أحيا عَقلَهُ ، وأماتَ نَفسَهُ ، حَتّى دَقَّ جَليلُهُ ، ولَطُفَ غَليظُهُ ، وبَرَقَ لَهُ لامِعٌ كَثيرُ البَرقِ ، فَأبانَ لَهُ الطَّريقَ ، وسَلَكَ بِهِ السَّبيلَ ، وتَدافَعَتهُ الأبوابُ إلى بابِ السَّلامَةِ ، ودارِ الإقامَةِ ، وثَبَتَت رِجلاهُ بِطُمَأنينةِ بَدَنِهِ في قَرارِ الأمنِ وَالرّاحَةِ ، بِمَا استَعمَلَ قَلبَهُ ، وأرضى رَبَّهُ .۳
فالآيات والأحاديث التي تعدّ نورانيّة الإنسان مقدّمة لحركته الصحيحة في المجتمع تلقاء الكمال المطلق ، أو تفسّر العلم بالنور ، أو ترى أنّ العلم ملازم للإيمان باللّه ورسالة الأنبياء ، ومقترنا بالصفات المرضيّة والأعمال الصالحة ، إنّما توضّح في

1.الأنعام : ۱۲۲ .

2.الزمر: ۹.

3.نهج البلاغة : الخطبة ۲۲۰ ، بحارالأنوار : ج ۶۹ ص ۳۱۶ ح ۳۴ .


حكم النّبي الأعظم ج1
198

هذا الكتاب ؛ هل أراد نوعا خاصّا من العلوم ؟ أو أنّ مطلق العلم في الرؤية الإسلاميّة ذو قيمةٍ ويحوي جميع هذه الفضائل ؟

مفهوم العلم في النصوص الإسلاميّة

إنّ دراسة دقيقة للمواضع التي استُعملت فيها كلمة العلم والمعرفة في النصوص الإسلاميّة تدلّ على أنّ للعلم مفهومين في الإسلام بعامّة ، نسمّي أحدهما : حقيقة العلم وأصله ، ونُطلق على الآخر : ظاهر العلم وفرعه .
وتوضيح ذلك أنّ للعلم في الإسلام حقيقة وجوهرا ، وظاهرا وقشرا . وتعدّ ضروب العلوم المتداولة ـ الإسلاميّة وغير الإسلاميّة ـ قشور العلم ، أمّا حقيقة العلم والمعرفة فهي شيء آخر .
فعندما نطالع قوله تعالى : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَـهَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَـئكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ» ، ۱ وقوله : «وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ» ، ۲ وقوله : «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَـؤُاْ» . ۳ فالمراد منها : حقيقة العلم وجوهره .
وحينما نقرأ قوله سبحانه : «وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ» ، ۴ وقوله : «وَ مَا تَفَرَّقُواْ إِلَا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ»۵ ، أو قوله : «وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ إِلَا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ» . ۶ فالمقصود منها : ظاهر العلم وقشره .
ويثار هنا سؤال مُفاده : ما حقيقة العلم وكيف يتسنّى لنا أن نميّز حقيقة العلم من ظاهره وكيف يمكن كسب تلك الحقيقة ؟

1.آل عمران : ۱۸ .

2.سبأ : ۶ .

3.فاطر : ۲۸ .

4.الجاثية : ۲۳ .

5.الشورى : ۱۴ .

6.آل عمران : ۱۹ .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 214402
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي