391
حكم النّبي الأعظم ج1

الاستدراك الذي سبقت الإشارة إليه ، مثل ما جاء في القرآن حول المنافقين :
«قَالُواْ ءَامَنَّا بِأَفْوَهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ» . ۱

نقد الرأي الثاني

إنّ هذا الرأي يقوم على أنّ الإيمان الحقيقي هو السبب التامّ للثواب الأبدي ، وليس من الممكن عقلاً أن يزيل اللّه ـ تعالى ـ ثواب الإيمان والعمل بمقتضاه بواسطة «الكفر» والأعمال القبيحة ؛ ولكن هذا الأساس ليس صحيحا ، هناك نصوص كثيرة من جملتها الآية التالية تدلّ بوضوح على بطلانه :
«وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئكَ حَبِطَتْ أَعْمَــلُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ وَأُوْلَـئكَ أَصْحَـبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَــلِدُونَ» . ۲
كما أنّ الاستدلال بالإجماع لإثبات أنّ المؤمن يستحقّ الثواب الدائم ، غير صحيح نظرا إلى كون المسألة خلافية ، خاصّة أنّ غالبية المتكلّمين يخالفون هذا الرأي . وأمّا ما استند إليه لإثبات بطلان «الحبط» من الناحية العقلية فليس صحيحا أيضا ، سوف يأتي تفصيل البحث في هذا المجال تحت عنوان «العمل » ، من هذه الموسوعة إن شاء اللّه .

الرأي الثالث : التفصيل بين الإيمان المستند إلى العلم القطعي والإيمان المستند إلى الظنّ القوي

يقول العلّامة المجلسي في بحارالأنوار بعد طرح المباحث الكلامية المتعلّقة بهذا الرأي :
إذا اكتفي بالإيمان بالظنّ الحاصل من التقليد أو غيره ، فلا ريب في أنّه يجوز تبدّل

1.المائدة : ۴۱ .

2.البقرة : ۲۱۷ .


حكم النّبي الأعظم ج1
390

الشريف المرتضى علم الهدى هو أوّل من عبّر عن هذا الرأي ، ومن بعده أبو إسحاق النوبختي ، ثمّ الشيخ الطوسي ، ثمّ الطبرسي ، ثمّ أبو الفتوح الرازي ، ثمّ العلّامة الحلّي ، ثمّ الشيخ الحرّ العاملي ۱ . فقد صرّح الشريف المرتضى في هذا المجال قائلاً :
قد ثبت أنّ المؤمن يستحقّ الثّواب الدّائم بالإجماع ، وبيّنا بطلان التّحابط . وإذا ثبت هذان الأمران فلابدّ في من آمن باللّه تعالى وبرسوله أن يوافى بإيمانه . ولا يجوز أن يكفر ، لأنّه لو كفر لاستحقّ على كفره العقاب الدّائم بالإجماع ، وكان يؤدّي إلى اجتماع الثّواب والعقاب الدّائم . ۲
وتوضيح ذلك ، استنادا إلى رأي الشريف المرتضى ، أنّ الإيمان هو سبب الثواب الدائم ، والكفر سبب العقاب الدائم ، ونظرا إلى أنّ الجمع بين الثواب الدائم والعقاب الدائم مستحيل عقلاً ، فإنّ من الواجب القول إنّ الإيمان الحقيقي الذي يستوجب الثواب الدائم لا يقبل الزوال ، إلّا إذا قلنا بـ «الحبط» ؛ أي أن نقول إنّ عروض «الكفر» بعد «الإيمان» ، يستوجب زوال الثواب الدائم . وهذا الموضوع باطل أيضا ؛ لأنّه يستلزم أن يكون الشخص الذي يتساوى فيه الخير والشرّ ، كالشخص الذي لم يقم بأيّ عمل ، أو كالشخص الذي لم يقم بأيّ عمل صالح إن كانت سيّئاته أكثر من حسناته ، وأمثال ذلك من الاُمور الباطلة المستحيلة . ۳
ممّا يجدر ذكره أنّ أنصار هذا الرأي ، يعتبرون ، إطلاق صفة «المؤمن» في الآيات والأحاديث على أصحاب الإيمان المؤقت مجازيّا ، مستندين في ذلك إلى

1.راجع : رسائل الشريف المرتضى : ج ۲ ص ۳۲۸ و ج ۱ ص ۶۳ ، التبيان في تفسير القرآن : ج ۱ ص ۱۹۲ ، المصنّفات الأربعة : ص ۳۷۱ ـ ۳۷۵ ، روض الجنان في تفسير القرآن : ج ۱ ص ۲۱۳ .

2.شرح جمل العلم والعمل : ص ۱۵۹ .

3.راجع رسائل الشريف المرتضى : ج ۲ ص ۳۲۸ وج ۱ ص ۱۶۳ .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 214258
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي