213
مكاتيب الأئمة ج5

وَ أَمَّا مياهُ البَطائِحِ ۱ وَ السِّباخِ ۲ ، فَحارَّةٌ غَليظَةٌ في الصَّيفِ ؛ لِرُكودِها وَ دَوامِ طُلوعِ الشَّمسِ عَلَيها ، وَ قَد تُوَلِّد لِمَن داوَمَ عَلى شُربِها المِرَّةُ الصَّفراءُ ، وَ تَعظُم أَطحِلَتُهُم .
وَ قَد وَصَفتُ لَكَ يا أَميرَ المُؤمِنينَ فيما بَعدُ مِن كِتابيَ هذا ما فيهِ كفايَةٌ لِمَن أَخَذَ بِهِ ، وَ أَنا ذاكِرٌ مِن أَمرِ الجِماعِ ما هوَ صَلاحُ الجَسَدِ وَ قَوامُهُ بِالطَّعامِ وَ الشَّرابِ ، وَ فَسادُهُ بِهِما ، فَإِن أَصلَحتَهُ بِهِما صَلَحَ ، وَ إِن أَفسَدتَهُ بِهِما فَسَدَ .

[في قوام الجسد و فساده ]

۰.وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ قُوى النَّفسِ تابِعَةٌ لِمزاجاتِ الأَبدانِ ، وَ مِزاجاتُ الأَبدانِ تابِعَةٌ لِتَصَرُّفِ الهَواءِ ، فَإِذا بَرَدَ مَرَّةً ، وَ سَخَنَ أُخرى ، تَغَيَّرَت بِسَبَبِهِ الأَبدانُ وَ الصُّوَرُ ، فَإِذا استَوى الهَواءُ ، وَ اعتَدَلَ ، صارَ الجِسمُ مُعتَدِلاً ؛ لِأَنَّ اللّهَ عز و جل بَنى الأَجسامَ عَلى أَربَعِ طَبائِعٍ : عَلى الدَّمِ ۳ ، وَ البَلغَمِ ، ۴ وَ الصَّفراءِ ۵ ، وَ السَّوداءِ ۶ . فَاثنانِ حارَّانِ ، وَ اثنانِ بارِدانِ ، وَ خُولِفَ بَينَهُما ، فَجُعِلَ حارٌّ يابِسٌ ، وَ حارٌّ لَيِّنٌ ، وَ بارِدٌ يابِسٌ ، وَ بارِدٌ لَيِّنٌ . ثُمَّ فُرِّقَ ذلِكَ عَلى أَربَعَةِ أَجزاءٍ مِنَ الجَسَدِ : عَلى الرَّأسِ ، وَ الصَّدرِ ، وَ الشَّراسيفِ ۷ ، وَ أَسفَلِ البَطنِ .
وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ الرَّأسَ ، وَ الأُذنَينِ ، وَ العَينَينِ ، وَ المَنخَرَينِ ، وَ الأَنفَ ، وَ الفَمَ مِنَ الدَّمِ ۸ ، وَ أَنَّ الصَّدرَ مِنَ البَلغَمِ وَ الرِّيحِ ، وَ أَنَّ الشَّراسيفَ مِنَ المِرَّةِ الصَّفراءِ ، وَ أَنَّ

1.البطائح : أي المياه الرّاكدة فيها . و في القاموس المحيط : البطيحة و البطحاء والأبطح : مسيل واسع فيه دقاق الحصا ، والجمع : أباطح و بطاح وبطائح ( راجع القاموس المحيط : ج۱ ص۲۱۶ ) .

2.السّباخ : جمع سبخة ، أي : الأرض ذات الملح و النّز ( القاموس المحيط : ج۱ ص۲۶۱) .

3.الدّم : يشتمل إضافة إلى ما ذكر على القلب والعروق و توابعهما .

4.البلغم : يضمّ الجهاز التّنفّسي بمجاريه و الرّئتين و القصبات الهوائيّة و توابعها .

5.الصّفراء : تشمل الجهاز الهضمي و الكبد و المرارة و الطّحال و البنكرياس و توابعها .

6.السّوداء : تشمل الكلى و المجاري البوليّة و التّناسليّة و توابعها .

7.الشّرسوف ـ كعصفور ـ : غضروف معلّق بكلّ ضلع ، أو مقط الضّلع ، وهو الطّرف المشرف على البطن ( القاموس المحيط : ج۳ ص۱۵۷ ) .

8.كأنّه عليه السلام خصّ الدّم بهذه الأعضاء لأنّه لكثرة العروق و الشّرايين فيها يجتمع الدّم أكثر من غيرها ، و لأنّها محلّ الإحساسات و الإدراكات ، و هي إنّما تحصل بالروح الّذي حامله الدّم . و خصّ البلغم بالصّدر لاجتماع البلاغم فيها من الدّماغ و سائر الأعضاء ، و تكثر الرّيح فيها باستنشاق الهواء . و خصّ الشّراسيف بالصّفراء لقرب الحرارة الّتي هي مجتمع الصّفراء منها ، أو لكون تلك المرّة أدخل في خلقها . و خصّ أسفل البطن بالسّوداء لأنّ الطّحال الّذي هو محلّها فيه .


مكاتيب الأئمة ج5
212

يَكونُ فيهِ الماءُ شَيئا مِنَ الطِّينِ ، وَ يُماتُّ فيهِ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ إِلى مائِهِ المُعتادِ بِهِ بِمُخالَطَتهِ الطِّينَ .

[في أنواع المياه و خيرها شربا]

۰.وَ خيرُ المياهِ شُربا لِلمُقيمِ وَ المُسافِرِ ما كانَ يَنبوعُها مِنَ المَشرِقِ نَبعا أَبيَضا ، وَ أَفضَلُ المياهِ الَّتي تَجري مِن بَينِ مشرِقِ الشَّمسِ الصَّيفيِّ وَ مَغرِبِ الشَّمسِ الصَّيفيِّ ، و أَفضَلُها وَ أَصَحُّها إِذا كانت بِهذا الوَصفِ الّذي يَنبُعُ مِنهُ ، وَ كانَت تَجري في جِبالِ الطِّينِ ؛ لِأَنَّها تَكونُ حارَّةً في الشِّتاءِ بارِدَةً في الصَّيفِ ، مُلَيِّنَةً لِلبَطنِ ، نافِعَةً لِأَصحابِ الحَراراتِ .
وَ أَمَّا المياهُ المالِحَةُ الثَّقيلَةُ ، فَإِنَّها تُيَبِّسُ البَطنَ ، وَ مياهُ الثُّلوجِ وَ الجَليدِ ۱ رَديئَةٌ لِلأَجسامِ ، كَثيرَةُ الإِضرارِ بِها .
وَ أَمَّا مياهُ الجُبِّ ، فَإِنَّها خَفيفَةٌ ، عَذبَةٌ ، صافيَةٌ ، نافِعَةٌ جِدَّا لِلأَجسامِ إِذا لَم يَطُل خَزنُها وَ حَبسُها في الأَرضِ .

1.الجليد : ما يسقط على الأرض من النّدى فيجمد ، فيحتمل شموله لماء الجمد أيضا ، ولا ينافي كون الماء المبرّد بالجمد نافعا كما ذكره الأطبّاء . و بعضهم فسّره عنّا بماء البرد ، و هو بعيد . نعم ، يمكن شمول الثّلج له مجازا . قال في القانون : و أمّا مياه الآبار و القنى بالقياس إلى ماء العيون فَرديّة . ثمّ قال : و أمّا المياه الجليديّة و الثّلجيّة فغليظة . و المياه الرّاكدة خصوصا المكشوفة الآجاميّة رديّة ثقيلة ، إنّما تبرد في الشّتاء بسبب الثّلوج و يولّد البلغم ، و تسخن في الصّيف بسبب الشّمس و العفونة فيولّد المرار . و لكثافتها و اختلاط الأرضيّة بها و تحلّل اللّطيف منها ، تولّد في شاربيها أطحلة ، و ترقّ مراقهم و تجسأ أحشاءهم ، و تقضف منهم الأطراف و المناكب و الرّقاب ، و يغلو عليهم شهوة الأكل و العطش ، و تحبس بطونهم ، و يعسر قيئهم . و ربّما وقعوا في الاستسقاء لاحتباس المائية فيهم ، و ربّما وقعوا في زلق الأمعاء و ذات الرّئة و الطّحال ، و يضمر أرجلهم ، و تضعّف أكبادهم ، و تقلّ من غذائهم بسبب الطّحال ، و يتولّد فيهم الجنون و البواسير و الدواليّ و ذات الرّئة و الأورام الرّخوة في الشّتاء ، و يعسر على نسائهم الحمل و الولادة . إلى آخر ما ذكره من المفاسد و الأمراض . و قال : الجمد و الثّلج إذا كان نقيّا غير مخالط لقوّة رديّة فسواء حلّل ماء أو برد به الماء من خارج أو القي في الماء فهو صالح ، و ليس يختلف حال أقسامه اختلافا كثيرا فاحشا ، إلّا أنّه أكثف من سائر المياه ، و يتضرّر به صاحب وجع العصب ، و إذا طبخ عاد إلى الصّلاح . و أمّا إذا كان الجمد من مياه رديّة ، أو الثّلج مكتسبا قوّة غريبة من مساقطه ، فالأولى أن يبرد به الماء محجوبا عن مخالطته . و قال في موضع آخر : المياه الرّديّة هي الرّاكدة البطائحية ، و الغالب عليها طعم غريب و رائحة غريبة ، و الكدرة الغليظة الثّقيلة الوزن ، و المبادرة إلى التّحجّر ، والّتي يطفو عليها غشاء ردي ، و يحمل فوقها شيئا غريبا .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمة ج5
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1387
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 111630
الصفحه من 464
طباعه  ارسل الي