661
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

عَلى فِراقِهِم» . ۱
وقد عاد الإمام إلى ذكر اُولئك الأخلّاء في آخر خطبة ألقاها ، قبل عدّة أيّام من اغتياله ، فقال : «أينَ إخوانِيَ الَّذينَ رَكِبُوا الطَّريقَ ، ومَضَوا عَلَى الحَقِّ ! أينَ عَمّارٌ ! وأينَ ابنُ التَّيِّهانِ ! وأينَ ذُو الشَّهادَتَينِ ! وأينَ نُظَراؤُهُم مِن إخوانِهِمُ الَّذينَ تَعاقَدوا عَلَى المَنِيَّةِ ، واُبرِدَ بِرُؤوسِهِم إلَى الفَجَرَةِ!» . ۲
على خطٍ آخر كان الخوارج جزءاً من جند الإمام ومقاتلي جيشه ، ثمّ ما لبثوا أن تحوّلوا بعد صفّين إلى موقعٍ مناهض للإمام ، فكان مآلهم أن قتلوا في النهروان ، أو صاروا أحلاس بيوتهم . وبذلك غابت عن صفوف العسكر أيضاً هذه القوّة القتاليّة الوثّابة ، فصار الإمام عليّ عليه السلام وحيداً فريداً غريباً .

الكَفاءة القياديّة للإمام عليه السلام في وحدته

آخر وأهمّ نقطة تجدر بعنايتنا في بحث عوامل وحدة الإمام وتقصّي جذور هذه الحالة ، هي القدرة القياديّة والكفاءة الإداريّة الفذّة التي حظي بها أمير المؤمنين عليه السلام في هذه البرهة الحالكة ، ممّا لم نرَ مَن تنبّه إليها .
تكشف الوثائق التأريخيّة أنّ الإمام عليّاً عليه السلام أبدى في عهد غربته أسمى حالات الكفاءة القياديّة ، وأظهر من نفسه أجلّ معاني القدرة الإداريّة وأرفعها ؛ فحين نسجّل أنّ عليّاً بقي وحيداً فليس معنى ذلك أنّ عناد الجند وعدم انقياده لطاعته اضطرّه إلى أن يكون حِلْس بيته ، أو أنّه افتقد في الأشهر الأخيرة من خلافته قدرته القياديّة ، وغابت عنه جدارته في إدارة المجتمع ، بحيث راح يمضي وقته ببثّ شكواه ، ولم يكن له شاغل حتى لحظة استشهاده غير تقريع الناس ولومهم على عدم دفاعهم عن

1.نهج البلاغة : الخطبة ۱۲۱ .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۱۸۲ .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
660

وتعبئتها أواخر عهد حكمه .

ج ـ فقد الأخلّة وخلّص الأعوان

تتمثّل إحدى العوامل الاُخر التي ساهمت في غربة الإمام وبقائه وحيداً أواخر عهده في الحكم بغياب أبرز الخلّان ، وفقدان الشخصيّات الكبيرة التي كان لكلّ منها أثره المباشر في توجيه جيشه . لقد كان هؤلاء لساناً ناطقاً ، تُلهب كلماتهم النفوس ، وتثبّت القلوب في الأزمات ، وتثير خطبهم الحماس في سوح القتال ، ولهم تأثير بليغ على الناس .
هذه هي سوح القتال ومضامير الحياة وقد خلت من عمّار بن ياسر ، ومالك الأشتر ، وهاشم بن عتبة ، كما لم يعُد فيها أثر يذكر لمحمّد بن أبي بكر ، وعبد اللّه بن بديل ، وزيد بن صوحان ، حتى يُلهبوا بكلماتهم المضيئة حماسَ الناس ، ويُثيروا فيهم العزائم .
وها هو الإمام يومئ إلى تلك الأطواد الشامخة بالبصيرة ، المتوهِّجة بالنور ، وسط ساحةٍ عنود يمتنع فيها الأصحاب ، وينأون عن نصرته بهذه الذريعة وتلك ، ويتحدّث عن رهبان الليل ، وليوث الوغى إذا حمي الوطيس ، والسابقين في مضمار الإيمان والعمل ، فيقول : «أينَ القَومُ الَّذينَ دُعوا إلَى الإِسلامِ فَقَبِلوهُ ، وقَرَؤُوا القُرآنَ فَأَحكَموهُ ، وهيجُوا إلَى الجِهادِ فَوَلِهُوا وَلَهَ اللِّقاحِ إلى أولادِها ، وسَلَبُوا السُّيوفَ أغمادَها ، وأخَذوا بِأَطرافِ الأَرضِ زَحفاً زَحفاً ، وصَفّاً صَفّاً . بَعضٌ هَلَكَ ، وبَعضٌ نَجا . لا يُبَشَّرونَ بِالأَحياءِ ، ولا يُعَزَّونَ عَنِ المَوتى . مُرهُ ۱ العُيونِ مِنَ البُكاءِ ، خُمصُ البُطونِ مِنَ الصِّيامِ ، ذُبُلُ الشِّفاهِ مِنَ الدُّعاءِ ، صُفرُ الأَلوانِ مِنَ السَّهَرِ ، عَلى وُجوهِهِم غَبَرَةُ الخاشِعينَ ، اُولئِكَ إخوانِيَ الذّاهِبونَ ، فَحقَّ لَنا أن نَظمَأَ إلَيهِم ، ونَعَضَّ الأَيدِيَ

1.هو جمع الأمْره ، وقد مرِهت عينُه تمْرَه مَرها ، والمَرَهُ : مرض في العين لترك الكحل (النهاية : ج۴ ص۳۲۱ و۳۲۲) .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 273820
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي