عَلى فِراقِهِم» . ۱
وقد عاد الإمام إلى ذكر اُولئك الأخلّاء في آخر خطبة ألقاها ، قبل عدّة أيّام من اغتياله ، فقال : «أينَ إخوانِيَ الَّذينَ رَكِبُوا الطَّريقَ ، ومَضَوا عَلَى الحَقِّ ! أينَ عَمّارٌ ! وأينَ ابنُ التَّيِّهانِ ! وأينَ ذُو الشَّهادَتَينِ ! وأينَ نُظَراؤُهُم مِن إخوانِهِمُ الَّذينَ تَعاقَدوا عَلَى المَنِيَّةِ ، واُبرِدَ بِرُؤوسِهِم إلَى الفَجَرَةِ!» . ۲
على خطٍ آخر كان الخوارج جزءاً من جند الإمام ومقاتلي جيشه ، ثمّ ما لبثوا أن تحوّلوا بعد صفّين إلى موقعٍ مناهض للإمام ، فكان مآلهم أن قتلوا في النهروان ، أو صاروا أحلاس بيوتهم . وبذلك غابت عن صفوف العسكر أيضاً هذه القوّة القتاليّة الوثّابة ، فصار الإمام عليّ عليه السلام وحيداً فريداً غريباً .
الكَفاءة القياديّة للإمام عليه السلام في وحدته
آخر وأهمّ نقطة تجدر بعنايتنا في بحث عوامل وحدة الإمام وتقصّي جذور هذه الحالة ، هي القدرة القياديّة والكفاءة الإداريّة الفذّة التي حظي بها أمير المؤمنين عليه السلام في هذه البرهة الحالكة ، ممّا لم نرَ مَن تنبّه إليها .
تكشف الوثائق التأريخيّة أنّ الإمام عليّاً عليه السلام أبدى في عهد غربته أسمى حالات الكفاءة القياديّة ، وأظهر من نفسه أجلّ معاني القدرة الإداريّة وأرفعها ؛ فحين نسجّل أنّ عليّاً بقي وحيداً فليس معنى ذلك أنّ عناد الجند وعدم انقياده لطاعته اضطرّه إلى أن يكون حِلْس بيته ، أو أنّه افتقد في الأشهر الأخيرة من خلافته قدرته القياديّة ، وغابت عنه جدارته في إدارة المجتمع ، بحيث راح يمضي وقته ببثّ شكواه ، ولم يكن له شاغل حتى لحظة استشهاده غير تقريع الناس ولومهم على عدم دفاعهم عن