السَّلامُ عَلى مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ ، خاتَمِ النَّبِيّينَ ، وسَيِّدِ المُرسَلينَ ، وصَفوَةِ رَبِّ العالَمينَ ، أمينِ اللّهِ عَلى وَحيِهِ ، وعَزائِمِ أمرِهِ ، الخاتِمِ لِما سَبَقَ ، وَالفاتِحِ لِمَا استَقبَلَ ، والمُهَيمِنِ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ ، ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ، وصَلَواتُهُ وتَحِيّاتُهُ ، السَّلامُ عَلى أنبِياءِ اللّهِ ورُسُلِهِ ومَلائِكَتِهِ المُقَرَّبينَ وعِبادِهِ الصّالِحينَ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وسَيِّدَ الوَصِيّينَ ، ووارِثَ عِلمِ النَّبِيّينَ ، ووَلِيَّ رَبِّ العالَمينَ ، ومَولايَ ومَولَى المُؤمِنينَ ، ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، يا أمينَ اللّهِ في أرضِهِ ، وسَفيرَهُ في خَلقِهِ ، وحُجَّتَهُ البالِغَةَ عَلى عِبادِهِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا دينَ اللّهِ القَويمَ ، وصِراطَهُ المُستَقيمَ . السَّلامُ عَلَيكَ أيُّهَا النَّبَأُ العَظيمُ ، الَّذي هُم فيهِ مُختَلِفونَ ، وعَنهُ يُسأَلونَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَالمُؤمِنينَ ؛ آمَنتَ بِاللّهِ وهُم مُشرِكونَ ، وصَدَّقتَ بِالحَقِّ وهُم مُكَذِّبونُ ، وجاهَدتَ وهُم مُحجِمونَ ، وعَبَدتَ اللّهَ مُخلِصا لَهُ الدّينَ ، صابِرا مُحتَسِبا حَتّى أتاكَ اليَقينُ ، ألا لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمينَ . السَّلامُ عَلَيكَ يا سَيِّدَ المُسلِمينَ ، ويَعسوبَ المُؤمِنينَ ، وإمامَ المُتَّقينَ ، وقائِدَ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ورَحمَةُ اللّهِ وَبرَكاتُهُ ، أشهَدُ أنَّكَ أخُو الرَّسولِ ووَصِيُّهُ ، ووارِثُ عِلمِهِ ، وأمينُهُ عَلى شَرعِهِ ، وخَليفَتُهُ في اُمَّتِهِ ، وأوَّلُ مَن آمَنَ بِاللّهِ وصَدَّقَ بِما أنزَلَ عَلى نَبِيِّهِ ، وأشهَدُ أنَّهُ قَد بَلَّغَ عَنِ اللّهِ ما أنزَلَهُ فيكَ ، وصَدَعَ بِأَمرِهِ ، وأوجَبَ عَلى اُمَّتِهِ فَرضَ وِلايَتِكَ ، وعَقَدَ عَلَيهِمُ البَيعَةَ لَكَ ، وجَعَلَكَ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم كَما جَعَلَهُ اللّهُ كَذلِكَ .

ثُمَّ أشهَدَ اللّهَ تَعالى عَلَيهِم فَقالَ : أ لَستُ قَد بَلَّغتُ ؟ فَقالوا : اللّهُمَّ بَلى . فَقالَ : اللّهُمَّ اشهَد ، وكَفى بِكَ شَهيدا وحاكِما بَينَ العِبادِ . فَلَعَنَ اللّهُ جاحِدَ وِلايَتِكَ بَعدَ الإقرارِ ، وناكِثَ عَهدِكَ بَعدَ الميثاقِ ، وأشهَدُ أنَّكَ أوفَيتَ بِعَهدِ اللّهِ تَعالى ، وأنَّ اللّهَتَعالى موفٍ بِعَهدِهِ لَكَ «وَ مَنْ أَوْفَى بِمَا عَـهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» (۱) .

وأشهَدُ أنَّكَ أميرُ المُؤمِنينَ ، الحَقُّ الَّذي نَطَقَ بِوِلايَتِكَ التَّنزيلُ ، وأخَذَ لَكَ العَهدَ عَلَى الاُمَّةِ بِذلِكَ الرَّسولُ ، وأشهَدُ أنَّكَ وعَمَّكَ وأخاكَ الَّذينَ تاجَرتُمُ اللّهَ بِنُفوسِكُم ، فَأَنزَلَ اللّهُ فيكُم : «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَ أَمْوَ لَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَـتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى التَّوْرَاةِ وَ الْاءِنجِيلِ وَ الْقُرْءَانِ وَ مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَ ذَ لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّـئِبُونَ الْعَـبِدُونَ الْحَـمِدُونَ السَّـئِحُونَ الرَّ كِعُونَ السَّـجِدُونَ الْأَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَ الْحَـفِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» (۲) .

أشهَدُ يا أميرَ المُؤمِنينَ أنَّ الشّاكَّ فيكَ ما آمَنَ بِالرَّسولِ الأَمينِ ، وأنَّ العادِلَ بِكَ غَيرَكَ عادِلٌ عَنِ الدّينِ القَويمِ الَّذِي ارتَضاهُ لَنا رَبُّ العالَمينَ ، فَأَكمَلَهُ بِوِلايَتِكَ يَومَ الغَديرِ ، وأشهَدُ أنَّكَ المَعنِيُّ بِقَولِ العَزيزِ الرَّحيمِ : «وَأَنَّ هَـذَا صِرَ طِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ» (۳) ضَلَّ وَاللّهِ وأضَلَّ مَنِ اتَّبَعَ سِواكَ ، وعَنَدَ عَنِ الحَقِّ مَن عاداكَ .

اللّهُمَّ سَمِعنا لِأَمرِكَ ، وأطَعنا وَاتَّبَعنا صِراطَكَ المُستَقيمَ ، فَاهدِنا رَبَّنا ولا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ الهُدى عَن طاعَتِكَ ، وَاجعَلنا مِنَ الشّاكِرينَ لِأَنعُمِكَ ، وأشهَدُ أنَّكَ لَم تَزَل لِلهَوى مُخالِفا ، ولِلتُّقى مُحالِفا ، وعَلى كَظمِ الغَيظِ قادِرا ، وعَنِ النّاسِ عافِياً ، وإذا عُصِيَ اللّهُ ساخِطاً ، وإذا اُطيعَ اللّهُ راضِياً ، وبِما عَهِدَ إلَيكَ عامِلاً ، راعِيا لِمَا استُحفِظتَ ، حافِظا مَا استودِعتَ ، مُبَلِّغا ما حُمِّلتَ ، مُنتَظِرا ما وُعِدتَ، وأشهَدُ أنَّكَ مَا اتَّقَيتَ ضارِعا (۴) ، ولا أمسَكتَ عَن حَقِّكَ جازِعا ، ولا أحجَمتَ عَن مُجاهَدَةِ عاصيكَ ناكِلاً ، ولا أظهَرتَ الرِّضا بِخِلافِ ما يَرضَى اللّهُ مُداهِناً ، ولا وَهَنتَ لِما أصابَكَ في سَبيلِ اللّهِ ، ولا ضَعُفتَ ولَا استَكَنتَ (۵) عَن طَلَبِ حَقِّكَ مُراقِبا (۶) . مَعاذَ اللّهِ أن تَكونَ كَذلِكَ ، بَل إذ ظُلِمتَ فَاحتَسَبتَ رَبَّكَ ، وفَوَّضتَ إلَيهِ أمرَكَ ، وذَكَّرتَ فَما ذَكَروا ، ووَعَظتَ فَمَا اتَّعَظوا ، وخَوَّفتَهُمُ اللّهَ فَما تَخَوَّفوا (۷) .

وأشهَدُ أنَّكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ جاهَدتَ فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ ، حَتّى دَعاكَ اللّهُ إلى جِوارِهِ ، وقَبَضَكَ إلَيهِ بِاختِيارِهِ ، وألزَمَ أعداءَكَ الحُجَّةَ بِقَتلِهِم إيّاكَ ؛ لِتَكونَ لَكَ الحُجَّةُ عَلَيهِم ، مَعَ ما لَكَ مِنَ الحُجَجِ البالِغَةِ عَلى جَميعِ خَلقِهِ .

السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، عَبَدتَ اللّهَ مُخلِصا ، وجاهَدتَ فِي اللّهِ صابِرا ، وجُدتَ بِنَفسِكَ مُحتَسِبا ، وعَمِلتَ بِكِتابِهِ ، وَاتَّبَعتَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ ، وأقَمتَ الصَّلاةَ ، وآتَيتَ الزَّكاةَ ، وأمَرتَ بِالمَعروفِ ، ونَهَيتَ عَنِ المُنكَرِ مَا استَطَعتَ ، مُبتَغِيا مَرضاةَ ما عِندَ اللّهِ ، راغِبا فيما وَعَدَ اللّهُ ، لا تَحفِلُ (۸) بِالنَّوائِبِ ، ولا تَهِنُ عِندَ الشَّدائِدِ ، ولا تُحجِمُ عَن مُحارِبٍ ، أفِكَ مَن نَسَبَ غَيرَ ذلِكَ ، وَافتَرى باطِلاً عَلَيكَ ، وأولى لِمَن (۹) عَنَدَ عَنكَ .

لَقَد جاهَدتَ فِي اللّهِ حَقَّ الجِهادِ ، وصَبَرتَ عَلَى الأَذى صَبرَ احتِسابٍ ، وأنتَ أوَّلُ مَن آمَنَ بِاللّهِ وصَلّى لَهُ وجاهَدَ ، وأبدى صَفحَتَهُ في دارِ الشِّركِ ، وَالأَرضُ مَشحونَةٌ ضَلالَةً ، وَالشَّيطانُ يُعبَدُ جَهرَةً .

وأنتَ القائِلُ : لا تَزيدُني كَثرَةُ النّاسِ حَولي عِزَّةً ، ولا تَفَرُّقُهُم عَنّي وَحشَةً ، ولَو أسلَمَنِي النّاسُ جَميعا لَم أكُن مُتَضَرِّعا ، اِعتَصَمتَ بِاللّهِ فَعَزَزتَ ، وآثَرتَ الآخِرَةَ عَلَى الاُولى فَزَهِدتَ . وأيَّدَكَ اللّهُ وهَداكَ ، وأخلَصَكَ وَاجتَباكَ ، فَما تَناقَضَت أفعالُكَ ، ولَا اختَلَفَت أقوالُكَ ، ولا تَقَلَّبَت أحوالُكَ ، ولَا ادَّعَيتَ ولَا افتَرَيتَ عَلَى اللّهِ كَذِبا ، ولا شَرِهتَ إلَى الحُطامِ ، ولادَنَّسَكَ الآثامُ ، ولَم تَزَل عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّكَ ويَقينٍ مِن أمرِكَ ، تَهدي إلَى الحَقِّ وإلى صِراطٍ مُستَقيمٍ .

أشهَدُ شَهادَةَ حَقٍّ ، واُقسِمُ بِاللّهِ قَسَمَ صِدقٍ أنَّ مُحَمَّدا وآلَهُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم ساداتُ الخَلقِ ، وأنَّكَ مَولايَ ومَولَى المُؤمِنينَ ، وأنَّكَ عَبدُ اللّهِ ووَلِيُّهُ ، وأخُو الرَّسولِ ووَصِيُّهُ ووارِثُهُ ، وأنَّهُ القائِلُ لَكَ : وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ ما آمَنَ بي مَن كَفَرَ بِكَ ، ولا أقَرَّ بِاللّهِ مَن جَحَدَكَ ، وقَد ضَلَّ مَن صَدَّ عَنكَ ، ولَم يَهتَدِ إلَى اللّهِ تَعالى ولا إلَيَّ مَن لا يُهدى بِكَ ، وهُوَ قَولُ رَبّي عزّوجلّ : «وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صَــلِحًا ثُمَّ اهْتَدَى» (۱۰) إلى وِلايَتِكَ .

مَولايَ فَضلُكَ لا يَخفى ، ونورُكَ لا يُطفى ، وإنَّ مَن جَحَدَكَ الظَّلومُ الأَشقى . مَولايَ أنتَ الحُجَّةُ عَلَى الِعبادِ ، وَالهادي إلَى الرَّشادِ ، وَالعُدَّةُ لِلمَعادِ .

مَولايَ لَقَد رَفَعَ اللّهُ فِي الاُولى مَنزِلَتَكَ ، وأعلى فِي الآخِرَةِ دَرَجَتَكَ ، وبَصَّرَكَ ما عَمِيَ عَلى مَن خالَفَكَ ، وحالَ بَينَكَ وبَينَ مَواهِبِ اللّهِ لَكَ ؛ فَلَعَنَ اللّهُ مُستَحِلِّي الحُرمَةِ مِنكَ ، وذائِدَ الحَقِّ عَنكَ ، وأشهَدُ أنَّهُمُ الأَخسَرونَ الَّذينَ «تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِيهَا كَــلِحُونَ» (۱۱) ، وأشهَدُ أنَّكَ ما أقدَمتَ ولا أحجَمتَ ولا نَطَقتَ ولا أمسَكتَ إلّا بِأَمرٍ مِنَ اللّهِ ورَسولِهِ .

قُلتَ : وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ لَقَد نَظَرَ إلَيَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أضرِبُ قُدّامَهُ بِسَيفي . فَقالَ : «يا عَلِيُّ أنتَ عِندي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ، واُعلِمُكَ أنَّ مَوتَكَ وحَياتَكَ مَعي وعَلى سُنَّتي» ، فَوَاللّهِ ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ ، ولا ضَلَلتُ ولا ضَلَّ بي ، ولا نَسيتُ ما عَهِدَ إلَيَّ رَبّي ، وإنّي لَعَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبّي بَيَّنَها لِنَبِيِّهِ ، وبَيَّنَهَا النَّبِيُّ لي ، وإنّي لَعَلَى الطَّريقِ الواضِحِ ، ألفِظُهُ لَفظا .

صَدَقتَ وَاللّهِ وقُلتَ الحَقَّ ؛ فَلَعَنَ اللّهُ مَن ساواكَ بِمَن ناواكَ ، (۱۲) وَاللّهُ جَلَّ ذِكرُهُ يَقولُ : «هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (۱۳) ولَعَنَ اللّهُ مَن عَدَلَ بِكَ مَن فَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ وِلايَتَكَ ، وأنتَ وَلِيُّ اللّهِ وأخو رَسولِهِ وَالذّابُّ عَن دينِهِ ، وَالَّذي نَطَقَ القُرآنُ بِتَفضيلِهِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَـهِدِينَ عَلَى الْقَـعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَـتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» (۱۴) وقالَ اللّهُ تَعالى : «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَْخِرِ وَجَـهَدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّــلِمِينَ * الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَـهَدُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَ لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَآئِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَ نٍ وَجَنَّـتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَــلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» (۱۵) .

أشهَدُ أنَّكَ المَخصوصُ بِمِدحَةِ اللّهِ ، المُخلِصُ لِطاعَةِ اللّهِ ، لَم تَبغِ بِالهُدى بَدَلاً ، ولَم تُشرِكُ بِعِبادَةِ رَبِّكَ أحَدا ، وأنَّ اللّهَ تَعالَى استَجابَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله فيكَ دَعوَتَهُ .

ثُمَّ أمَرَهُ بِإِظهارِ ما أولاكَ لِاُمَّتِهِ ، إعلاءً لِشَأنِكَ ، وإعلاناً لِبُرهانِكَ ، ودَحضاً لِلأَباطيلِ ، وقَطعا لِلمَعاذيرِ ، فَلَمّا أشفَقَ مِن فِتنَةِ الفاسِقينَ ، وَاتَّقى فيكَ المُنافِقينَ ، أوحَى اللّهُ رَبُّ العالَمينَ : «يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (۱۶) فَوَضَعَ عَلى نَفسِهِ أوزارَ المَسيرِ ، ونَهَضَ في رَمضاءِ الهَجيرِ ، فَخَطَبَ فَأَسمَعَ ، ونادى فَأَبلَغَ ، ثُمَّ سَأَلَهُم أجمَعَ فَقالَ : هَل بَلَّغتُ ؟ فَقالوا : اللّهُمَّ بَلى . فَقالَ : اللّهُمَّ اشهَد . ثُمَّ قالَ : أ لَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ؟ فَقالوا : بَلى ، فَأَخَذَ بِيَدِكَ وقالَ :

«مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ» فَما آمَنَ بِما أنزَلَ اللّهُ فيكَ عَلى نَبِيِّهِ إلّا قَليلٌ ، ولا زادَ أكثَرُهُم إلّا تَخسيرا ، ولَقَد أنزَلَ اللّهُ تَعالى فيكَ مِن قَبلُ وهُم كارِهونَ : «يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَـفِرِينَ يُجَـهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَ سِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَــلِبُونَ» (۱۷) «رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّـهِدِينَ» (۱۸) «رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ» (۱۹) .

اللّهُمَّ إنّا نَعلَمُ أنَّ هذا هُوَ الحَقُّ مِن عِندِكَ ، فَالعَن مَن عارَضَهُ وَاستَكبَرَ ، وكَذَّبَ بِهِ وكَفَرَ «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَـلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» (۲۰) .

السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وسَيِّدَ الوَصِيّينَ ، وأوَّلَ العابِدينَ ، وأزهَدَ الزّاهِدينَ ، ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ ، وصَلَواتُهُ وتَحِيّاتُهُ . أنتَ مُطعِمُ الطَّعامِ عَلى حُبِّهِ مِسكينا ويَتيما وأسيرا لِوَجهِ اللّهِ ، لا تُريدُ جَزاءً ولا شُكوراً ، وفيكَ أنزَلَ اللّهُ تَعالى : «وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (۲۱) وأنتَ الكاظِمُ لِلغَيظِ ، وَالعافي عَنِ النّاسِ ، وَاللّهُ يُحِبُّ المُحسِنينَ (۲۲) ، وأنتَ الصّابِرُ فِي البَأساءِ وَالضَّرّاءِ وحينَ البَأسِ (۲۳) وأنتَ القاسِمُ بِالسَّوِيَّةِ ، وَالعادِلُ فِي الرَّعِيَّةِ ، وَالعالِمُ بِحُدودِ اللّهِ مِن جَميعِ البَرِيَّةِ ، وَاللّهُ تَعالى أخبَرَ عَمّا أولاكَ مِن فَضلِهِ بِقَولِهِ : «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ فَلَهُمْ جَنَّـتُ الْمَأْوَى نُزُلَا بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» (۲۴) .

وأنتَ المَخصوصُ بِعِلمِ التَّنزِيلِ ، وحُكمِ التَّأويلِ ، ونَصرِ الرَّسولِ ، ولَكَ المَواقِفُ المَشهودَةُ (۲۵) ، وَالمَقاماتُ المَشهورَةُ ، وَالأَيّامُ المَذكورَةُ ؛ يَومُ بَدرٍ ويَومُ الأَحزابِ «إِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَـرُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُواْ زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنَـفِقُونَ وَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَا غُرُورًا * وَ إِذْ قَالَت طَّـآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يَـأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ وَ يَسْتَـئذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَا فِرَارًا» (۲۶) وقالَ اللّهُ تَعالى : «وَ لَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُواْ هَـذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ مَا زَادَهُمْ إِلَا إِيمَـنًا وَتَسْلِيمًا» (۲۷) فَقَتَلتَ عَمرَوهُم ، وهَزَمتَ جَمعَهُم «وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْرًا وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَ كَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا» (۲۸) .

ويَومُ اُحُدٍ إذ يُصعِدونَ ولا يَلوونَ (۲۹) عَلى أحَدٍ وَالرَّسولُ يَدعوهُم في اُخراهُم (۳۰) وأنتَ تَذودُ بِهِمُ المُشرِكينَ عَنِ النَّبِيِّ ذاتَ اليَمينِ وذاتَ الشِّمالِ ، حَتّى رَدَّهُمُ اللّهُ عَنكُما خائِفينَ (۳۱) ، ونَصَرَ بِكَ الخاذِلينَ .

ويَومُ حُنَينٍ عَلى ما نَطَقَ بِهِ التَّنزيلُ «إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (۳۲) وَالمُؤمِنونَ أنتَ ومَن يَليكَ ، وعَمُّكَ العَبّاسُ يُنادِي المُنهَزِمينَ : يا أصحابَ سورَةِ البَقَرَةِ ، يا أهلَ بَيعَةِ الشَّجَرَةِ ! حَتَّى استَجابَ لَهُ قَومٌ قَد كَفَيتَهُمُ المَؤونَةَ ، وتَكَفَّلتَ دونَهُمُ المَعونَةَ ، فَعادوا آيِسينَ مِنَ المَثوبَةِ ، راجينَ وَعدَ اللّهِ تَعالى بِالتَّوبَةِ ، وذلِكَ قَولُهُ جَلَّ ذِكرُهُ : « ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَ لِكَ عَلَى مَن يَشَآءُ» (۳۳) وأنتَ حائِزٌ دَرَجَةَ الصَّبرِ ، فائِزٌ بِعَظيمِ الأَجرِ .

ويَومُ خَيبَرَ إذ أظهَرَ اللّهُ خَوَرَ المُنافِقينَ ، وقَطَعَ دابِرَ الكافِرينَ ، وَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ «وَلَقَدْ كَانُواْ عَـهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَـرَ وَ كَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْـئولًا» (۳۴) .

مَولايَ أنتَ الحُجَّةُ البالِغَةُ ، وَالمَحَجَّةُ الواضِحَةُ ، والنِّعمَةُ السّابِغَةُ ، وَالبُرهانُ المُنيرُ ، فَهَنيئا لَكَ ما آتاكَ اللّهُ مِن فَضلٍ ، وتَبّاً لِشانِئِكَ ذِي الجَهلِ . شَهِدتَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله جَميعَ حُروبِهِ ومَغازيهِ ، تَحمِلُ الرايَةَ أمامَهُ ، وتَضرِبُ بِالسَّيفِ قُدّامَهُ ، ثُمَّ لِحَزمِكَ المَشهورِ ، وبَصيرَتِكَ بِما فِي الاُمورِ ، أمَّرَكَ فِي المَواطِنِ ولَم يَكُ عَلَيكَ أميرٌ ، وكَم مِن أمرٍ صَدَّكَ عَن إمضاءِ عَزمِكَ فيهِ التُّقى ، وَاتَّبَعَ غَيرُكَ في نَيلِهِ الهَوى ، فَظَنَّ الجاهِلونَ أنَّكَ عَجَزتَ عَمّا إلَيهِ انتَهى ، ضَلَّ وَاللّهِ الظّانُّ لِذلِكَ ومَا اهتَدى ، ولَقَد أوضَحتَ ما أشكَلَ مِن ذلِكَ لِمَن تَوَهَّمَ وَامتَرى ، بِقَولِكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيكَ : قَد يَرَى الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجهَ الحيلَةِ ودونَها حاجِزٌ مِن تَقوَى اللّهِ ، فَيَدَعُها رَأيَ العَينِ ، ويَنتَهِزُ فُرصَتَها مَن لا جَريحَةَ (۳۵) لَهُ فِي الدّينِ . صَدَقتَ وخَسِرَ المُبطِلونَ .

وإذ ماكَرَكَ النّاكِثانِ فَقالا : نُريدُ العُمرَةَ . فَقُلتَ لَهُما : لَعَمرُكُما ما تُريدانِ (۳۶) العُمرَةَ لكِنِ الغَدرَةَ ، وأخَذتَ البَيعَةَ عَلَيهِما ، وجَدَّدتَ الميثاقَ فَجَدّا فِي النِّفاقِ ، فَلَمّا نَبَّهتَهُما عَلى فِعلِهِما أغفَلا وعادا ومَا انتَفَعا ، وكانَ عاقِبَةُ أمرِهِما خُسراً .

ثُمَّ تَلاهُما أهلُ الشّامِ فَسِرتَ إلَيهِم بَعدَ الإِعذارِ وهُم لا يَدينونَ دينَ الحَقِّ ولا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ ، هَمَجٌ (۳۷) رَعاعٌ (۳۸) ضالّونَ ، وبِالَّذي اُنزِلَ عَلى مُحَمَّدٍ فيكَ كافِرونَ ، ولِأَهلِ الخِلافِ عَلَيكِ ناصِرونَ ، وقَد أمَرَ اللّهُ تَعالى بِاتِّباعِكَ ونَدَبَ المُؤمِنينَ إلى نَصرِكَ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّـدِقِينَ» (۳۹) .

مَولايَ بِكَ ظَهَرَ الحَقُّ وقَد نَبَذَهُ الخَلقُ ، وأوضَحتَ السُّنَنَ بَعدَ الدُّروسِ وَالطَّمسِ ، ولَكَ سابِقَةُ الجِهادِ عَلى تَصديقِ التَّنزيلِ ، ولَكَ فَضيلَةُ الجِهادِ عَلى تَحقيقِ التَّأويلِ ، وعَدُوُّكَ عَدُوُّ اللّهِ جاحِدٌ لِرَسولِ اللّهِ ، يَدعو باطِلاً ويَحكُمُ جائِرا ويَتَأَمَّرُ غاصِباً ويَدعو حِزبَهُ إلَى النّارِ ، وعَمّارٌ يُجاهِدُ ويُنادي بَينَ الصَّفَّينِ : الرَّواحَ الرَّواحَ إلَى الجَنَّةِ ، ولَمَّا استَسقى فَسُقِيَ اللَّبَنَ كَبَّرَ وقالَ : قالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : آخِرُ شَرابِكَ مِنَ الدُّنيا ضَياحٌ مِن لَبَنٍ ، وتَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ ، فَاعتَرَضَهُ أبُو العادِيَةِ الفَزارِيُّ فَقَتَلَهُ ، فَعَلى أبِي العادِيَةِ لَعنَةُ اللّهِ ولَعنَةُ مَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ أجمَعينَ ، وعَلى مَن سَلَّ سَيفَهُ عَلَيكَ ، وسَلَلتَ عَلَيهِ سَيفَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ مِنَ المُشرِكينَ وَالمُنافِقينَ إلى يَومِ الدّينِ ، وعَلى مَن رَضِيَ بِما ساءَكَ ولَم يَكرَههُ ، وأغمَضَ عَينَهُ ولَم يُنكِرهُ ، أو أعانَ عَلَيكَ بِيَدٍ أو لِسانٍ ، أو قَعَدَ عَن نَصرِكَ ، أو خَذَلَ عَنِ الجِهادِ مَعَكَ ، أو غَمَطَ فَضلَكَ ، أو جَحَدَ حَقَّكَ ، أو عَدَلَ بِكَ مَن جَعَلَكَ اللّهُ أولى بِهِ مِن نَفسِهِ ، وصَلَواتُ اللّهِ عَلَيكَ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ وسَلامُهُ وتَحِيّاتُهُ ، وعَلَى الأَئِمَّةِ مِن آلِكَ الطّاهِرينَ ، إنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ ... وأشبَهتَ فِي البَياتِ عَلَى الفِراشِ الذَّبيحَ عليه السلام ؛ إذ أجَبتَ كَما أجابَ ، وأطَعتَ كَما أطاعَ إسماعيلُ صابِرا مُحتَسِبا ؛ إذ قالَ لَهُ : «يَـبُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَـأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـبِرِينَ» (۴۰) وكَذلِكَ أنتَ لَمّا أباتَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّهُ عَلَيكُما وأمَرَكَ أن تَضطَجِعَ في مَرقَدِهِ واقِياً لَهُ بِنَفِسَك ، أسرَعتَ إلى إجابَتِهِ مُطيعاً ، ولِنَفسِكَ عَلَى القَتلِ مُوَطِّناً ، فَشَكَرَ اللّهُ تَعالى طاعَتَكَ ، وأبانَ عَن جَميلِ فِعلِكَ بِقَولِهِ جَلَّ ذِكرُهُ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ» (۴۱) .

ثُمَّ مِحنَتُكَ يَومَ صِفّينَ وقَد رُفِعَتِ المَصاحِفُ حيلَةً ومَكرا ، فَاُعرِضَ الشَّكُّ ، وعُرِفَ الحَقُّ، وَاتُّبِعَ الظَنُّ ، أشبَهَت مِحنَةَ هارونَ ؛ إذ أمَّرَهُ موسى عَلى قَومِهِ فَتَفَرَّقوا عَنهُ ، وهارونُ يُناديهِم : «يَـقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَـنُ فَاتَّبِعُونِى وَ أَطِيعُواْ أَمْرِى * قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَـكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى» (۴۲) وكَذلِكَ أنتَ لَمّا رُفِعَتِ المَصاحِفُ قُلتَ : يا قَومِ إنَّما فُتِنتُم بِها وخُدِعتُم . فَعَصَوكَ وخَالَفوا عَلَيكَ وَاستَدعَوا نَصبَ الحَكَمَينِ ، فَأَبَيتَ عَلَيهِم وتَبَرَّأتَ إلَى اللّهِ مِن فِعلِهِم وفَوَّضتَهُ إلَيهِم ، فَلَمّا أسفَرَ الحَقُّ ، وسَفِهَ المُنكَرُ ، وَاعتَرَفوا بِالزَّلَلِ وَالجَورِ عَنِ القَصدِ ، وَاختَلَفوا مِن بَعدِهِ ، وألزَموكَ عَلى سَفَهِ التَّحكيمِ الَّذي أبَيتَهُ ، وأحَبّوهُ ، وحَظَرتَهُ وأباحوا ذَنبَهُمُ الَّذِي اقتَرَفوهُ ، وأنتَ عَلى نَهجِ بَصيرَةٍ وهُدىً ، وهُم عَلى سُنَنِ ضَلالَةٍ وعَمىً ، فَما زالوا عَلَى النِّفاقِ مُصِرّينَ ، وفِي الغَيِّ مُتَرَدِّدينَ ، حَتّى أذاقَهُمُ اللّهُ وَبالَ أمرِهِم ، فَأَماتَ بِسَيفِكَ مَن عانَدَكَ فَشَقِيَ وهَوى ، وأحيا بِحُجَّتِكَ مَن سَعِدَ فَهَدى ، صَلَواتُ اللّهِ عَلَيكَ غادِيَةً ورائِحَةً وعاكِفَةً وذاهِبَةً ، فَما يُحيطُ المادِحُ وَصفَكَ ، ولا يُحبِطُ الطاعِنُ فَضلَكَ ، أنتَ أحسَنُ الخَلقِ عِبادَةً ، وأخلَصُهُم زَهادَةً ، وأذَبُّهُم عَنِ الدّينِ ، أقَمتَ حُدودَ اللّهِ بِجُهدِكَ ، وفَلَلتَ عَساكِرَ المارِقينَ بِسَيفِكَ ، تُخمِدُ لَهَبَ الحُروبِ بِبَنانِكَ ، وتَهتِكُ سُتورَ الشُّبَهِ بِبَيانِكَ ، وتَكشِفُ لَبسَ الباطِلِ عَن صَريحِ الحَقِّ ، لا تَأخُذُكَ فِي اللّهِ لَومَةُ لائِمٍ ، وفي مَدحِ اللّهِ تَعالى لَكَ غِنىً عَن مَدحِ المادِحينَ وتَقريظِ الواصِفينَ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً» (۴۳) ولَمّا رَأَيتَ أن قَتَلتَ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَ وصَدَّقَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَعدَهُ فَأَوفَيتَ بِعَهدِهِ ، قُلتَ : أ ما آنَ أن تُخضَبَ هذِهِ مِن هذِهِ ؟ أم مَتى يُبعَثُ أشقاها ؟ واثِقاً بِأَنَّكَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّكَ ، وبَصيرَةٍ مِن أمرِكَ ، قادِما عَلَى اللّهِ ، مُستَبشِرا بِبَيعِكَ الَّذي بايَعتَهُ بِهِ ، وذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ (۴۴) .

اللّهُمَّ العَن قَتَلَةَ أنبِيائِكَ ، وأوصِياءِ أنبِيائِكَ ، بِجَميعِ لَعَناتِكَ ، وأصلِهِم حَرَّ نارِكَ ... .

اللّهُمَّ العَن قَتَلَةَ أميرِ المُؤمِنينَ ومَن ظَلَمَهُ (۴۵) وأشياعَهُم وأنصارَهُم ، اللّهُمَّ العَن ظالِمِي الحُسَينِ وقاتِليهِ ، وَالمُتابِعينَ عَدُوَّهُ وناصِريهِ ، وَالرّاضِينَ بِقَتلِهِ وخاذِليهِ ، لَعناً وَبيلاً ، اللّهُمَّ العَن أوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ آلَ مُحَمَّدٍ ومانِعيهِم حُقوقَهُم ، اللّهُمَّ خُصَّ أوَّلَ ظالِمٍ وغاصِبٍ لآلِ مُحَمَّدٍ بِاللَّعنِ ، وكُلَّ مُستَنٍّ بِما سَنَّ إلى يَومِ الدّينِ .

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيّينَ وسَيِّدِ المُرسَلينَ وآلِهِ الطّاهِرينَ ، وَاجعَلنا بِهِم مُتَمَسِّكينَ ، وبِمُوالاتِهِم مِنَ الفائِزينَ الآمِنينَ ، الَّذينَ لا خَوفٌ عَلَيهِم ولا[هُم] (۴۶) يَحزَنونُ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ . (۴۷)

پاورقی :

(۱) الفتح : ۱۰ .

(۲) التوبة : ۱۱۱ و ۱۱۲ .

(۳) الأنعام : ۱۵۳ .

(۴) ضارعاً : أي متذلّلاً متضعّفا (بحار الأنوار : ج ۱۰۰ ص ۳۶۸) .

(۵) إشارة إلى الآية ۱۴۶ من سورة آل عمران .

(۶) مراقباً : أي منتظراً لحصول منفعة دنيويّة (بحار الأنوار : ج ۱۰۰ ص ۳۶۸) .

(۷) في المصدر : «يخافوا» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .

(۸) ما أحفِل بفلان أي ما اُبالي به (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۱۵۹ «حفل») .

(۹) أولى لك : كلمة تهديد وتخويف يخاطب بها من أشرف على هلاك،فيُحَثّ بها على التحرّز (مفردات ألفاظ القرآن: ص۱۰۰ «أول»).

(۱۰) طه : ۸۲ .

(۱۱) المؤمنون : ۱۰۴ .

(۱۲) ناواه : أي عاداه (لسان العرب : ج ۱۵ ص ۳۴۹ «نوي») .

(۱۳) الزمر : ۹ .

(۱۴) النساء : ۹۵ و ۹۶ .

(۱۵) التوبة : ۱۹ ـ ۲۲ .

(۱۶) المائدة : ۶۷ .

(۱۷) المائدة : ۵۴ ـ ۵۶ .

(۱۸) آل عمران : ۵۳ .

(۱۹) آل عمران : ۸ .

(۲۰) الشعراء : ۲۲۷ .

(۲۱) الحشر : ۹ .

(۲۲) إشارة إلى الآية ۱۳۴ من سورة آل عمران .

(۲۳) إشارة إلى الآية ۱۷۷ من سورة البقرة .

(۲۴) السجدة : ۱۸ و ۱۹ .

(۲۵) في المصدر : «المشهورة» ، والأنسب ما ذكرناه كما في بحار الأنوار .

(۲۶) الأحزاب : ۱۰ ـ ۱۳ .

(۲۷) الأحزاب : ۲۲ .

(۲۸) الأحزاب : ۲۵ .

(۲۹) في المصدر: « ... تصعدون ولا تلوون»، والتصويب من بحار الأنوار.

(۳۰) إشارة إلى الآية ۱۵۳ من سورة آل عمران .

(۳۱) في المصدر : « ... حتّى صرفهما عنكم الخائفين»، والتصويب من المزار للشهيد الأوّل وبحار الأنوار.

(۳۲) التوبة : ۲۵ و ۲۶ .

(۳۳) التوبة : ۲۷ .

(۳۴) الأحزاب : ۱۵ .

(۳۵) قال المجلسي قدس سره : كذا فيما عندنا من النسخ بتقديم الجيم على الحاء المهملة ، ويمكن أن يكون تصغير الجرح ؛ أي لا يرى أمراً من الاُمور جارحاً في دينه . والصواب ما في نهج البلاغة بتقديم الحاء المهملة على الجيم ... أي ليس بذي حرج ، والحريجة التقوى (بحار الأنوار : ج ۱۰۰ ص ۳۶۹ و۳۷۰) .

(۳۶) في المصدر : «لعمري لما تريدان» ، وما أثبتناه من المزار للشهيد الأوّل وبحار الأنوار .

(۳۷) الهَمَج : رُذالة الناس . والهمجُ: ذبابٌ صغير يسقط على وجوه الغنم والحمير ، فشبّه به رَعاع الناس ؛ (النهاية : ج ۵ ص ۲۷۳ «همج») .

(۳۸) رَعاع الناس : غوغاؤهم وسقّاطهم وأخلاطهم (النهاية : ج ۲ ص ۲۳۵ «رعع») .

(۳۹) التوبة : ۱۱۹ .

(۴۰) الصافّات : ۱۰۲ .

(۴۱) البقرة : ۲۰۷ .

(۴۲) طه : ۹۰ و ۹۱ .

(۴۳) الأحزاب : ۲۳ .

(۴۴) إشارة إلى الآية ۱۱۱ من سورة التوبة .

(۴۵) في المصدر : «قتله» ، والصحيح ما أثبتناه كما في المزار للشهيد الأوّل وبحار الأنوار .

(۴۶) الزيادة من المزار للشهيد الأوّل وبحار الأنوار .

(۴۷) المزار الكبير : ص ۲۶۴ ح ۱۲ عن أبي القاسم بن روح وعثمان بن سعيد العمري عن الإمام العسكري عليه السلام ، المزار للشهيد الأوّل : ص ۶۶ من دون إسنادٍ إليه عليه السلام ، بحار الأنوار : ج ۱۰۰ ص ۳۵۹ ح ۶ نقلاً عن المفيد .