ومن جهةٍ اُخرى فقد ضمّت بغداد قبري الإمامين موسى بن جعفر، ومحمّد بن عليّ الجواد عليهماالسلام، ومن هنا فهي مهبط روحي للشيعة، وعامل جذب للعلماء من كلّ مذهب، فلا تكاد تجد فقيها، أو مفسّرا، أو محدّثا، أو أديبا من سائر المسلمين إلّا وقد شدّ ركابه إليها في عصر ثقة الإسلام .
ثانيا ـ أوجه النشاط الثقافي والفكري والمذهبي ببغداد:
الملاحظ في ذلك العصر هو اجتماع جميع المذاهب الإسلاميّة ببغداد، من الشيعة الإماميّة، والزيديّة، والواقفة، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنبليّة، والظاهريّة، والطبريّة، والمعتزلة، مع بروز عدد كبير من فقهاء كلّ مذهب، حتّى تألّق الفقة الإسلامي تألّقا كبيرا في هذا العصر، وممّن برز في هذا العصر جملة من أعلام وفقهاء سائر المذاهب الإسلاميّة؛
فمن المالكيّة: إسماعيل بن إسحاق القاضي، وأبو الفرج عمر بن محمّد المالكي.
ومن الأحناف: عبدالحميد بن عبدالعزيز، وأحمد بن محمّد بن سلمة.
ومن الشافعيّة: محمّد بن عبداللّه الصيرفي، ومحمّد بن أحمد بن إبراهيم الشافعي.
ومن الحنابلة الحشويّة والمجسّمة: ابن الحربي، وعبداللّه بن أحمد بن حنبل.
ومن الظاهريّة: محمّد بن عليّ بن داود، وابن المغلّس أبو الحسن عبداللّه بن أحمد.
ومن الطبريّة: مؤسّس المذهب الطبري محمّد بن جرير المفسّر.
ومن الشيعة الزيديّة: عبدالعزيز بن إسحاق، أبو القاسم الزيدي ، المعروف بابن البقّال.
ومن الواقفة: محمّد بن الحسن بن شمّون، أبو جعفر البغدادي.
ومن المعتزلة: الجبائي المعتزلي، وكان رأسا في الاعتزال.
وأمّا الحديث عن فقهاء وعلماء الشيعة الإماميّة ببغداد فسيأتي في مكان لاحق.
كما ازدهرت علوم اللغة العربيّة، وبرز عدد كبير من النحاة، والاُدباء، والكتّاب، والشعراء من البغداديّين أو الذين وصلوا إليها وأملوا علومهم على تلامذتها، من أمثال المبرّد، وثعلب، والزجّاج، وابن السرّاج. ومن الشعراء: البحتري وابن الرومي وغيرهم ممّن لا حصر لهم ولا تنضبط كثرتهم ببغداد في عدد.
كما شهد النثر نقلة جديدة في تاريخه في هذا العصر ببغداد، وهو ما يعرف في الدراسات الأدبيّة المعاصرة بالنثر الفنّي.
۹.عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ :
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِذَا بَلَغَكُمْ عَنْ رَجُلٍ حُسْنُ حَالٍ ، فَانْظُرُوا فِي حُسْنِ عَقْلِهِ ؛ فَإِنَّمَا يُجَازى بِعَقْلِهِ ۱ » ۲ .
۱۰.مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ :
ذَكَرْتُ لاِءَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام رَجُلاً مُبْتَلىً بِالْوُضُوءِ وَالصَّلاَةِ ۳ ، وَقُلْتُ : هُوَ رَجُلٌ عَاقِلٌ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «وَأَيُّ عَقْلٍ لَهُ وَهُوَ يُطِيعُ الشَّيْطَانَ؟!» فَقُلْتُ لَهُ : وَكَيْفَ يُطِيعُ الشَّيْطَانَ؟ فَقَالَ عليه السلام : «سَلْهُ : هذَا الَّذِي يَأْتِيهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَكَ : مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» ۴ .
۱۱.عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ رَفَعَهُ ، قَالَ :۵ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «مَا قَسَمَ اللّهُ لِلْعِبَادِ شَيْئاً أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ ؛ فَنَوْمُ الْعَاقِلِ أَفْضَلُ مِنْ سَهَرِ الْجَاهِلِ ۶ ، وَإِقَامَةُ الْعَاقِلِ أَفْضَلُ ···
1.. «فإنّما يجازى بعقله» أي على أعماله بقدر عقله ، وللعقل مراتب متفاوتة تفاوتا فاحشا ، وهو أصل العبادة وأساسها ، والنتائج والثمرات تابعة للاُصول والمبادي ، ومراتب الفضل في الأجر والجزاء على حسب درجات العقول في الشرف والبهاء ، فكلّ من كان عقله أكمل كان ثوابه أجزل. راجع : شرح صدر المتألّهين ، ص۲۲ ؛ شرح المازندراني ، ج۱ ، ص۹۵ ؛ الوافي ، ج۱ ، ص۸۴ ؛ مرآة العقول ، ج۱ ، ص۳۶.
2.. المحاسن ، ص۱۹۴ ، كتاب مصابيح الظلم، ح۱۴ ، عن الحسين بن يزيد النوفلي وجهم بن حكيم المدائني ، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، عن أبي عبد اللّه، عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله الوافي ، ج۱ ، ص۲۸۳ ، ح۱۳ ؛ الوسائل ، ج۱ ، ص۴۰ ، ح۶۶.
3.. هي حالة نفسيّة يُبتلى بها البعضُ، فيوسوس في نيّة الصلاة والوضوء أو في فعلهما ، فيقوم بأداء أعمال غير مُكلَّف بها شرعا . راجع : مرآة العقول ، ج۸ ، ص۳۶ ؛ الشافي للمظفّر ، ج۱ ، ص۷۳ .
4.. الوافي ، ج۱ ، ص۸۴ ، ح۱۴ ؛ الوسائل ، ج۱ ، ص۶۳ ، ح ۱۳۷ .
5.الطبعة القدیمة للکافی : ۱/۱۳
6.. في المحاسن : + «وإفطار العاقل أفضل من صوم الجاهل» .