181
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
180

الباب الثالث عشر : بَابٌ آخَرُ وَ هُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ

وفيه كما في الكافي حديثان :

الحديث الأوّل

۰.روى في الكافي بإسناده ،۱عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ : عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ الْقَدِيمِ :«إِنَّهُ وَاحِدٌ ، صَمَدٌ ، أَحَدِيُّ الْمَعْنى ، لَيْسَ بِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ» . قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، يَزْعُمُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهُ يَسْمَعُ بِغَيْرِ الَّذِي يُبْصِرُ ، وَيُبْصِرُ بِغَيْرِ الَّذِي يَسْمَعُ؟ قَالَ : فَقَالَ : «كَذَبُوا ، وَأَلْحَدُوا ، وَشَبَّهُوا ، تَعَالَى اللّه ُ عَنْ ذلِكَ ؛ إِنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، يَسْمَعُ بِمَا يُبْصِرُ ، وَيُبْصِرُ بِمَا يَسْمَعُ» . قَالَ : قُلْتُ : يَزْعُمُونَ أَنَّهُ بَصِيرٌ عَلى مَا يَعْقِلُونَهُ؟ قَالَ : فَقَالَ : «تَعَالَى اللّه ُ ، إِنَّمَا يُعْقَلُ مَا كَانَ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِ وَلَيْسَ اللّه ُ كَذلِكَ» .

هديّة :

هذا الباب من تمام سابقه ، إلّا أنّ المقصود هناك إثبات أزليّة صفات الذات ، وهنا إثبات لازم تلك الأزليّة بنفي التعدّد في مصداق تلك الصفات .
و(في صفة القديم) إشارة إلى امتناع تعدّد القديم .
(واحد) متفرّد في صفاته .
(صمد) مصمود إليه لجميع ما سواه .
(أحديّ المعنى) متوحّد في الوحدة .
(ليس بمعاني كثيرة) بزيادة الصفات على الذات .
(قال : فقال : كذبوا) يحتمل التشديد ، يعني الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه .
(وشبّهوا) وقاسوا .
«على» في (على ما يعقلونه) نهجيّة .
(إنّما يعقل) على المعلوم أو خلافه ، من باب ضرب ، فدليل لما قلناه في آخر هديّة الخامس في الباب السابق ؛ يعني إنّما يعقل بالعقل والذّهن .
وضبط برهان الفضلاء : «إنّما يُعقل» على المجهول . قال : «على ما يعقلونه» أي على نهج هيكل يعقلونه باسم غير مشتقّ .
(ليس اللّه كذلك) أي محال أن يعقل في ذهن باسم غير مشتقّ .
قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
لعلّ المراد بواحديّته أن لا يشاركه غيره في حقيقته ، بل أن لا يجوز عليه المشاركة ؛ لتشخّصه بذاته تعالى ، وبصمديّته كونه غير محتمل لأن يحلّه غيره ، ولا يصحّ عليه الخلوّ عمّا يمكن أن يدخل فيه .
وبأحديّته أن لا يصحّ عليه الائتلاف من معانٍ متعدّدة ، أو الانحلال إليها .
و«ليس بمعانٍ كثيرة» تفسير لأحديّ المعنى . ويحتمل أن يكون بمنزلة المفسّر لكلّ واحدٍ من الثلاثة ؛ فإنّ ما يصحّ عليه المشاركة لا محالة له حقيقة وتشخّص متغايرين ، ۲ وما يصحّ عليه القبول لشيء وحلول الشيء فيه يكون مستكملاً بمعانٍ كثيرة مختلفة ، فنفي المعاني الكثيرة المختلفة بتصحيح الواحديّة والصمديّة والأحديّة .
وقوله : «إنّه يسمع بغير الذي يبصر» أي مناط الإبصار فيه غير مناط السّمع ، وبالعكس .
ولمّا كان هذا إنّما يصحّ بالتألّف والتركّب ردّ عليهم بقوله : «كذبوا وألحدوا وشبّهوا» أي قالوا بما لا يطابق الواقع ، ومالوا عمّا هو الحقّ في توحيده من أحديّته ، وشبّهوه بمخلوقه «تعالى اللّه عن ذلك» علوّا كبيرا .
ثمّ صدع بالحقّ وقال : «يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع» أي مناطهما فيه سبحانه واحد ، ويصحّ على مناط إبصاره أن يكون مناطا لسمعه وبالعكس ؛ لأنّه مناط لكلّ واحدٍ منهما بذاته الأحديّة .
وقوله : «إنّما يعقل ما كان بصفة المخلوق» أي تعالى اللّه عن أن يتّصف بما يحصل ويرتسم في العقول والأذهان ؛ لأنّه لا يحاط بالعقول إلّا ما كان بصفة المخلوق . ۳
أقول : يعني إنّما يعقل بالعقل والوجود الذهني .
وفي توحيد الصدوق رحمه الله بإسناده عن الصادق عليه السلام أنّه قيل له : إنّ رجلاً ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول : إنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ لم يزل سميعا بسمع ، وبصيرا ببصر وعليما بعلم وقادرا بقدرة ، فغضب عليه السلام ثمّ قال : «من قال بذلك ودان به فهو مشرك ، وليس من ولايتنا على شيء ؛ إنّ اللّه تبارك وتعالى ذاتٌ علّامة سميعة بصيرة قادرة» . ۴
وفي رواية اُخرى عن الرضا عليه السلام : «مَن قال ذلك ودان به فقد اتّخذ مع اللّه آلهةً اُخرى ، وليس من ولايتنا على شيء» ثمّ قال عليه السلام : «لم يزل اللّه عزّ وجلّ عليما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا لذاته تعالى عمّا يقول المشركون [والمشبّهون] علوّا كبيرا» . ۵
وبإسناده عن محمّد بن عروة، قال : قلت للرضا عليه السلام : خلق اللّه الأشياء بقدرة أم بغير قدرة؟ فقال : «لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة ؛ لأنّك إذا قلت: خلق الأشياء بالقدرة فكأنّك قد جعلت القدرة شيئا غيره ، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك ، وإذا قلت : خلق الأشياء بقدرة فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار عليها وقدرة ، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره» . ۶
وبإسناده عن هشام بن سالم، قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام فقال لي : «أتنعت اللّه ؟» قال : قلت : نعم ، قال : «هات» فقلت : هو السميع البصير ، قال : «هذه صفة يشترك فيها المخلوقون .» قلت : فكيف تنعته؟ قال : «هو نورٌ لا ظلمة فيه ، وحياةٌ لا موت فيه ، وعلمٌ لا جهل فيه ، وحقٌّ لا باطل فيه» ، فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس بالتوحيد . ۷
وبإسناده عن الصادق عليه السلام قال : «هو نورٌ ليس فيه ظلمة ، وصدقٌ ليس فيه كذب ، وعدلٌ ليس فيه جور ، وحقٌّ ليس فيه باطل ، كذلك لم يزل ولا يزال أبد الآبدين . وكذلك كان إذ لم تكن أرضٌ ولا سماء ، ولا ليلٌ ولا نهار ، ولا شمسٌ ولا قمر ولا نجوم ، ولا سحاب ولا مطر ولا رياح» . ۸
قوله عليه السلام : «هو نورٌ لا ظلمة فيه» يعني ليس كمثله شيء لا في الذّهن ولا في الخارج، فثبت أنّ نوارنيّته تعالى ليست من مقولة النورانيّة المعقولة التي تقابلها الظلمانيّة كذلك ، كما مرّ من أنّ وحدته تعالى ليست داخلة في وحدة الأعداد ، وهكذا صدقه ليس من مقولة صدق المخلوق ، وهكذا في الجميع ؛ وسرّه أنّ صفات ذاته تعالى عين ذاته، وهو سبحانه متفرّد بالخالقيّة وجميع ما سواه بالمخلوقيّة .
وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ؛ لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، ومَن قرنه فقد ثنّاه ، ومَن ثنّاه فقد جزّأه، ومَن جزّأه فقد جهله .» الحديث . ۹
«فقد قرنه» أي بقديم آخر .
«فقد جزّاه» ؛ لأنّ كلّ واحد من اثنين بعض المجموع .
«فقد جهله» يحتمل التشديد .

1.السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى عبيد».

2.في المصدر : «المتغايران» .

3.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۶۵ ـ ۳۶۶ .

4.التوحيد ، ص ۱۴۳ ـ ۱۴۴ ، ح ۸ ؛ وعنه في البحار ، ج ۴ ، ص ۶۳ ، ح ۲ .

5.التوحيد ، ص ۱۳۹ ـ ۱۴۰ ، ح ۳ ؛ وعنه في البحار ، ج ۴ ، ص ۶۲ ، ح ۱ .

6.التوحيد ، ص ۱۳۰ ، ح ۱۲ ؛ وعنه في البحار ، ج ۴ ، ۱۳۶ ، ح ۳ .

7.التوحيد ، ص ۱۴۶ ، ح ۱۴ ؛ وعنه في البحار ، ج ۴ ، ص ۷۰ ، ح ۱۶ .

8.التوحيد ، ص ۱۲۸ ، ح ۸ ؛ وعنه في البحار ، ج ۳ ، ص ۳۰۶ ، ح ۴۴ .

9.نهج البلاغة ، ص ۳۹ ، الخطبة ۱ .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 63405
صفحه از 508
پرینت  ارسال به