355
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

البضاعة المزجاة المجلد الثالث
354

شرح

السند مجهول.
قوله: (سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه تعالى) في سورة الأنفال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للّه ِِ وَلِلرَّسُولِ» بالطاعة. يُقال: استجابه واستجاب له، بمعنى أجابه.
«إِذَا دَعَاكُمْ» .
قال البيضاوي:
وحّد الضمير فيه؛ لأنّ المراد من الآية الأمر باستجابة الرسول، وذكر استجابة اللّه للتوطية والتنبيه على أنّ استجابة اللّه هي استجابة الرسول، ولأنّ دعوة اللّه تسمع من الرسول.
«لِمَا يُحْيِيكُمْ»۱ من العلوم الدينيّة؛ فإنّها حياة القلب، والجهل موته، أو ممّا يورثكم الحياة الأبديّة والنعيم الدائم من العقائد والأعمال، أو من الجهاد؛ فإنّه سبب بقائكم؛ إذ لو تركوه لغلبهم العدوّ وقتلهم، أو الشهادة لقوله تعالى: «بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ»۲ . ۳
انتهى، وفسّرها عليه السلام بالولاية.
(قال نزلت) أي هذه الآية.
(في ولاية عليّ عليه السلام ) أي في إمامته ورئاسته العامّة في اُمور الدِّين والدُّنيا؛ إذ هي أصل وموجب للحياة الأبديّة للقلب والعقل بالعلم والإيمان والمعرفة والهداية. ولا يخفى أنّ نزولها في الولاية لا ينافي شمولها لغيرها تبعا ممّا يوجب الحياة، كما في سائر الآيات.
(قال: وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنعام: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَا يَعْلَمُهَا» .
قال البيضاوي:
هذا مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيّات.
«وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ» معطوفات على ورقة.
وقوله: «إِلَا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»۴ بدل من الاستثناء الأوّل بدل الكلّ، على أنّ الكتاب المبين علم اللّه ، أو بدل الاشتمال إن اُريد به اللّوح، وقرئت بالرفع للعطف على محلّ «ورقة»، أو رفعا على الابتداء، والخبر «إلّا في كتاب مبين» انتهى. ۵
وقال الشيخ الطبرسي:
وقال الزجّاج: معنى «إلّا يعلمها» أنّه يعلمها ساقطة وثابتة، فأنت تقول: ما يجيئك أحد إلّا وأنا أعرفه، فليس تأويله إلّا وأنا أعرفه في حال مجيئه فقط. وقيل: يعلم ما سقط من ورق الأشجار وما بقى، ويعلم كيف انقلبت ظهر البطن عند سقوطها. «وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُـلُمَـتِ الْأَرْضِ» معناه: وما تسقط من حبّة في باطن الأرض إلّا يعلمها، وكنّى بالظلمة عن باطن الأرض؛ لأنّه لا يدرك كما لا يدرك ما حصل في الظلمة.
وقال ابن عبّاس: يعني تحت الصخرة وأسفل الأرضين السبع، أو تحت حجر أو شيء.
«وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ» قد جمع الأشياء كلّها في قوله: «وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ» ؛ لأنّ الأجسام كلّها لا تخلو من أحد هذين، وهو بمنزلة قولك: ولا مجتمع ولا متفرّق؛ لأنّ الأجسام كلّها لا تخلو من أن تكون مجتمعة أو متفرّقة. وقيل: أراد ما ينبت وما لا ينبت. عن ابن عبّاس.
وعنه أيضا: إنّ الرطب الماء واليابس النار.
وقيل: الرطب الحيّ، واليابس الميّت.
وروي عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «الورقة السقط، والحبّة الولد، وظلمات الأرض الأرحام، والرطب ما يحيى، واليابس ما يغيض». «إِلَا فِى كِتَـبٍ مُّبِينٍ» معناه: إلّا وهو مكتوبٌ في كتابٍ مبين، أي في اللّوح المحفوظ. ۶
(قال: فقال: الورقة السقط) الورق من الشجر. والكتاب معروف، واحدته بهاء، وما استدار من الدم على الأرض، أو ما سقط من الجراحة. [و] من القوم: أحداثهم، أو الضعاف من الفتيان، وبهاء الخسيس. كذا في القاموس. ۷ وفسّرها عليه السلام بالسقط، وهو مثلّثة الجنين يسقط من بطن اُمّه قبل تمامه، ولعلّه على الاستعارة والتشبيه في السقوط وأمثاله، فتأمّل.
(والحبّة الولد).
الحبّة: واحدة الحبّ. الجمع: حبّات، فسّرها عليه السلام بالولد، ولعلّه أيضا على التشبيه في النموّ والنبات.
(وظلمات الأرض الأرحام).
في القاموس: «الرحِم ـ بالكسر، وككتف ـ : بيت منبت الولد ووعاؤه. الجمع: أرحام». ۸
ولعلّ إضافة الظلمات بالأرض لأدنى ملابسة، أي الظلمات المجاورة للأرض، ولذا فسّرها عليه السلام بالأرحام.
وقيل: شبّه الأرحام بالظلمات في الظلمة، أو بالأرض في كونه محلّاً للنبات. قال: والأوّل أنسب لظاهر العبارة. ۹
(والرطب ما يحيى) من الحياة، أو يصير حيّا من الناس بيان للموصول.
وفي بعض النسخ: «ما يجيء»، ولعلّ المراد ما يجيء ويأتي على الدُّنيا، ويصير في زمرة الأحياء، فمآل النسختين واحد.
(واليابس ما يقبض) على البناء للمفعول، أي يتوفّى ويموت بقرينة المقابلة.
والحاصل: أنّه تعالى يعلم الحيّ من الناس والميّت منهم. وفي تفاسير العيّاشي وعليّ بن إبراهيم والطبرسي: «ما يغيض» بالغين المعجمة وبعدها الياء المثنّاة التحتانيّة. ۱۰ قال الفيروزآبادي: «غاض الماء يغيض غيضا: قلَّ، ونقص. «وَ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ» أي ما تنقص عن تسعة أشهر. والغيض: السقط الذي لم يتمّ خلقه». ۱۱
قال بعض الأفاضل:
يحتمل حينئذٍ أن يكون المراد بالسقط ما يسقط قبل حلول الروح، أو قبل خلق أجزاء البدن أيضا، والمراد بالحبّة ما يكون في علم اللّه أنّه تحلّ فيه الروح، وهو ينقسم إلى قسمين؛ فإمّا أن ينزل في أوانه، ويعيش خارج الرحم، وهو الرطب. وإمّا أن ينزل قبل كماله، فيفوت إمّا في الرحم، أو في خارجها، وهو اليابس. ۱۲
وأيّده بما رواه العيّاشي عن الحسين بن خالد، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول اللّه : «وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَا يَعْلَمُهَا» الآية؟ فقال: «الورق: السقط يسقط من بطن اُمّه من قبل أن يهلّ الولد» قال: فقلت: وقوله: «وَلَا حَبَّةٍ» ؟ قال: «يعني الولد في بطن اُمّه إذا أهلّ وسقط من قبل الولادة» قال: قلت: قوله: «وَلَا رَطْبٍ» ؟ قال: «يعني المضغة إذا استكنت في الرحم قبل أن يتمّ خلقها وقبل أن ينتقل» قال: قلت: قوله: «وَلَا يَابِسٍ» ؟ قال: «الولد التامّ» وقال: قلت: «فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» ؟ قال: «في إمامٍ مبين». ۱۳
(وكلّ ذلك في إمامٍ مبين) أي معرّف للأشياء ومبيّن لها، أو بيّن ومتّضح بنفسه. ويحتمل كونه من الإبانة، بمعنى الفصل والتفريق، أي مفرّق بين الحقّ والباطل.
قال الفيروزآبادي:
بيّنته وتبيّنته وأبنته واستبنته: أوضحته، وعرّفته، فبانَ وبيّن وتبيّن وأبان واستبان، كلّها لازمة متعدّية. وضربه فأبان رأسه، فهو مبين ومبين، كمحسن، انتهى. ۱۴
أقول: الظاهر أنّ هذه الفقرة بجملتها تفسير لقوله تعالى: «فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» وأنّ المراد بإمامٍ مبين أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده المعصومين عليهم السلام ؛ لأنّ فيهم علوم الأوّلين والآخرين، وعلم اللّوح والقرآن الكريم، يدلّ على ذلك ما رواه الخاصّة والعامّة في تفسير قوله تعالى: «وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» : ۱۵ أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أشار إلى أمير المؤمنين عليه السلام بعد نزولها وقال: «هذا هو الإمام المبين». ۱۶
(قال: وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: «سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ (قبلكم)» ).
كذا في نسخ الكتاب، ولعلّه اشتباه من الراوي، أو تغيير من النسّاخ، ويحتمل بعيد أن يكون هكذا في مصحفهم عليهم السلام ؛ فإنّ هذا المضمون ورد في مواضع كثيرة من القرآن، لكن ليس في شيء منها لفظ «من قبلكم»؛ ففي سورة الروم: «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ»۱۷ ، وفي موضع آخر منها: «أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ»۱۸ ، وقريب منهما في سورة الأنعام ويوسف والنحل والنمل والعنكبوت والروم وفاطر والمؤمن في الموضعين، ثمّ المشهور بين المفسّرين في تفسير مضمون تلك الآيات أنّ اللّه تعالى أمر أهل مكّة بالمسافرة في الأرض على وجه التدبّر والاعتبار، والتفكّر في آثار ديار المكذّبين من الاُمم السابقة والقرون الماضية؛ فإنّ رسومها كانت باقية، وأخبار أهاليها شايعة، وما نزل عليهم من الخسف والهلاك بأنواع العقوبات ذايعة، فإذا ساروا في الأرض وسمعوا أخبارهم وعاينوا آثارهم ساقهم ذلك إلى التصديق والإيمان، وزجرهم عن التكذيب والطغيان.
(فقال: عنى بذلك) أي أراد بالسير والنظر.
(أي انظروا في القرآن).
كذا في النسخ، والظاهر إسقاط لفظ «أي»، أو تبديلها ب«أن».
(فاعلموا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه).
المستتر في «أخبركم» راجع إلى القرآن، وحاصل تفسيره عليه السلام : أنّ هذا خطاب للعلماء، وأمرٌ لهم بالسير المعنوي في الأرض، والتفكّر في أخبار القرآن، ليحصل لهم العبور الروحاني بأحوال أهلها وكيفيّة عاقبتهم وسوء خاتمتهم بالتكذيب والمخالفة لأنبياء اللّه وأوليائه؛ فإنّ القرآن متضمّن لجميع ذلك جملةً وتفصيلاً. وقريب منه ما رواه الطبرسي عن ابن عبّاس، قال: «من قرأ القرآن وعلمه، سار في الأرض لأنّ فيه أخبار الاُمم». ۱۹
(قال: فقلت: فقوله تعالى) في سورة الصافّات: «وَإِنَّكُمْ» .
قال البيضاوي: الخطاب لأهل مكّة.
«لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ» أي على منازلهم في متاجركم إلى الشام؛ فإنّ سدوم في طريقه.
«مُصْبِحِينَ» : داخلين في الصباح.
«وَبِاللَّيْلِ» ؛ أي مساءً أو نهارا وليلاً، ولعلّها وقعت قريب منزل يمرّ بهما المرتجل عنه صباحا، والقاصد لهما مساءً.
«أَفَلَا تَعْقِلُونَ»۲۰ أليس فيكم عقلٌ تعتبرون به، انتهى. ۲۱
وفسّره عليه السلام بالمرور العقلي على أحوالهم والعبور الفكري لسوء عاقبتهم عند تلاوة القرآن بالليل والنهار.
(قال تمرّون عليهم) أي على أخبارهم وقصصهم في القرآن.
(إذا قرأتم القرآن) قراءة فهم وتدبّر (تقرأ ما قصّ اللّه عليكم من خبرهم).
القراءة: التلاوة.
قال الفيروزآبادي: «قصّ أثره قصّا وقصصا: تتبّعه. والخبر: أعلمه. و «نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ» : ۲۲ نبيِّن لك أحسن البيان. والقاصّ: من يأتي بالقصّة». ۲۳
أقول: الظاهر أنّ «قرأ» على البناء للفاعل، وفاعله القرآن، وإسناد القراءة إليه مجاز.
وقال بعض الأفاضل:
«فقرئ» على البناء للمفعول، أي إذا قرأت القرآن فكأنّ اللّه قرأ عليك ما قصّ في كتابه من خبرهم، فقوله: «عليكم» متعلّق ب«قرئ» و«قصّ» على التنازع. ۲۴
أقول: أنت خبير بأنّ هذا الاحتمال لا يساعده رسم الخطّ.
ثمّ قال الفاضل المذكور:
ويحتمل على بُعد أن يكون المراد قراءة الإمام، وإن كان بعض مشايخنا يقرأ «قرأ» على المعلوم، أي قَرَأ القارئ منكم وممّن عاصرنا كان صحّف فقرأ: «فاقرأ» على صيغة الأمر، وهو مع عدم استقامته لا يساعده رسم الخطّ أيضا، والصواب ما ذكرناه أوّلاً. ۲۵
انتهى كلامه، وقد عرفت ما فيه.

1.. الأنفال (۸): ۲۴.

2.. آل عمران (۳): ۱۶۹.

3.تفسير البيضاوي، ج ۳، ص ۹۹ مع التلخيص.

4.. الأنعام (۶): ۵۹.

5.تفسير البيضاوي، ج ۲، ص ۴۱۶.

6.مجمع البيان، ج ۴، ص ۷۲ مع اختلاف في اللفظ.

7.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۲۸۸ مع التلخيص.

8.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۱۱۸ مع التلخيص.

9.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۴۴ مع اختلاف في اللفظ.

10.راجع: تفسير العيّاشي، ج ۱، ص ۳۶۱، ح ۲۸؛ تفسير القمّي، ج ۱، ص ۲۰۲ (وفيه: تغيض)؛ مجمع البيان، ج ۴، ص ۷۲.

11.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۳۳۹ (غيض) مع التلخيص.

12.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۲۱.

13.تفسير العيّاشي، ج ۱، ص ۳۶۱، ح ۲۹.

14.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۲۰۴ (بين) مع التلخيص.

15.. يس (۳۶): ۱۲.

16.اُنظر: الأمالي للصدوق، ص ۱۷۰، المجلس ۳۲، ح ۵؛ معاني الأخبار، ص ۹۵، ح ۱؛ مناقب آل أبي طالب عليه السلام ، ج ۳، ص ۶۴ و ۶۵.

17.. الروم (۳۰): ۴۲.

18.. الروم (۳۰): ۹.

19.مجمع البيان، ج ۸، ص ۶۶.

20.. الصافّات (۳۷): ۱۳۷ ـ ۱۳۸.

21.تفسير البيضاوي، ج ۵، ص ۲۶ مع اختلاف يسير في اللفظ.

22.. يوسف (۱۲): ۳.

23.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۳۱۳ (قصص) مع التلخيص.

24.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۲۳.

25.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۲۳ مع اختلاف في اللفظ.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 230285
صفحه از 607
پرینت  ارسال به