515
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

شرح

السند مرسل.
قوله: (قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله على التلّ الذي عليه مسجد الفتح).
ويقال: مسجد الأحزاب، وهو المسجد الذي فتح اللّه على رسوله صلى الله عليه و آله بقتل عمرو بن عبد ودّ.
والتلّ من التراب: معروف، والتلّ أيضا: ما ارتفع من الأرض.
(في غزوة الأحزاب).
قال الجوهري: «الحزب: الطائفة. والأحزاب: الطوائف التي تجتمع على محاربة الأنبياء». ۱
أقول: المراد بالأحزاب هنا طائفة تظاهروا على حرب النبيّ صلى الله عليه و آله وهم قريش وغطفان ويهود بني قريظة وبني النضير وكانوا اثنى عشر ألفا.
(في ليلةٍ ظلماء قرّة) أي باردة. يُقال: يوم قرّ وليلة قرّة، بالفتح فيهما.
قال في المصباح: «قرّ اليوم: برد. والاسم: القرّ ـ بالضمّ ـ فهو قرّ، تسمية بالمصدر، وقارّ على الأصل، أي بارد. وليلة قرّة وقارّة». ۲
وقال الجوهري: الظلمة: خلاف النور. والظلماء: الظلمة، وربما وصف بها، يُقال: ليلة ظلماء، أي مظلمة». ۳
(فقال) رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (من يذهب فيأتينا بخبرهم) أي خبر الأحزاب.
(فقال أبو عبداللّه عليه السلام بيده): حرّك يده على سبيل التعجّب وأومأ بها.
قال في النهاية:
العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال وتطلقه على غير الكلام، فتقول: قال برجله، أي مشى. وقال برأسه، أي أومأ. وقال على يده، أي قلب. وكلّ ذلك على المجاز والاتّساع. ۴
(وما أراد القوم) كلمة «ما» للاستفهام.
(أرادوا أفضل من الجنّة).
يعني ينبغي لهم أن يريدوا الجنّة ونعيمها لبقائها، لا الحياة الدُّنيا واستراحتها لفنائها.
(ثمّ قال: من هذا؟ فقال: حذيفة).
أشار بهذا إلى شبح شخص رآه في الظلمة.
(فقال: أما تسمع كلامي منذ الليلة).
قال الفيروزآبادي:
«منذ» مبنيّ على الضمّ، و«مذ» على السكون، وتكسر ميمهما، ويليهما اسم مجرور، وحينئذ حرفا جرّ بمعنى «من» في الماضي، و«في» [في] الحاضر، و«من» و«إلى» جميعا في المعدود، كما: رأيته مذ يوم الخميس، واسم مرفوع كمنذ يومان، وحينئذ مبتدأن ما بعدهما خبر، ومعناهما الأمد في الحاضر والمعدود، وأوّل المدّة في الماضي، أو ظرفان مخبر بهما عمّا بعدهما، ومعناهما بين وبين، كلقيته منذ يومان، أي بيني وبين لقائه يومان. و[تليهما] الجملة الفعليّة نحو: ما زال [مذ ]عقدت يداه إزاره، أو الاسميّة، وما زال أبغي المال منذ أنا يافع، وحينئذ ظرفان مضافان إلى الجملة، أو إلى زمان مضاف إليهما.
وقيل: مبتدآن، وأصل «مذ» منذ؛ لرجوعهم إلى ضمّ ذال، مذ عند ملاقاة الساكنين مذ اليوم، ولولا أنّ الأصل الضمّ لكسروا ولتصغيرهم إيّاه حينئذٍ، واذا كانت «مُذ» اسما فأصلها منذ وحرفا فهي أصل، ويقال: ما لقيته منذ اليوم ومذ اليوم، بفتح ذالهما. ۵
(ولا تكلّم) بصيغة الخطاب بحذف إحدى التايين.
(اقترب) بصيغة الأمر.
وفي بعض النسخ: «أقبرت» على صيغة المخاطب المجهول من القبر، وهو الدفن إلى الأرض.
(فقام حذيفة وهو يقول: القرّ والضرّ ـ جعلني اللّه فداك ـ منعني ـ أن اُجيبك).
الضرّ ـ بالضمّ ـ : الهزال، وسوء الحال.
(وقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا حذيفة لا تحدث شيئا حتّى تأتيني).
الظاهر أن لا تحدث من الإحداث. قال الجوهري: «الحدوث كون شيء لم يكن، وأحدثه اللّه فحدث». ۶
قال بعض الشارحين: «أمَرَه بأن لا يذعرهم خوفا عليه؛ لأنّه إذا ذَعَرهم تجسّسوا عليه، فيقع في الهلكة». ۷
(فأخذ سيفه وقوسه وحجفته) بتقديم المهملة على المعجمة.
قال الفيروزآبادي: «الحَجَف ـ محرّكة ـ : التروس من جلود بلا خشب ولا عقب، واحدتها: حجفة». ۸
(فمررت على باب الخندق وقد اعتراه) أي حلّه ونزله. والضمير للباب.
(المؤمنون والكفّار).
قال الفيروزآبادي: «خندق ـ كجعفر ـ : حفير حول أسوار المدن، معرّب كنده». ۹
وقال الجوهري: «عراني هذا الأمر واعتراني: إذا غشيك». ۱۰
وقال: «غشيه غشيانا، أي جاءه». ۱۱
(فلمّا توجّه حذيفة) إلى الخندق أو إلى الأحزاب.
(قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونادى: يا صريخ المكروبين).
في القاموس: «الصّارخ: المغيث، والمستغيث، ضدّ، كالصريخ فيهما». ۱۲
أقول: المراد هاهنا المغيث.
(فجثا رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ركبتيه).
الجثو والجثّو على الركبتين: فركهما بعده، من باب التجريد.
(وبسط يديه).
يُقال: بسط يده، أي مدّها، ولعلّ المراد هنا رفعهما، أو جعل بطونهما إلى السماء وأرسل.
(وأرسل عينيه).
لعلّ المراد إرسال دموعهما بالبكاء. وقيل: أي ألقاهما إلى الأرض تخشّعا. ۱۳
(ثمّ قال) رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ إلى قوله ـ (فيها جندل).
الحصى ـ بالفتح ـ : صغار الحجارة. الواحدة: حصاة. الجمع: حصيّات.
وجندل ـ كجعفر، ويكسر الدال ـ : الحجارة.
(قال حذيفة: فخرجت) إلى قوله: (نسمع وقع الحصى في الأترسة).
النيران ـ كغلمان ـ جمع النار.
وذرّت الريح الشيء ذَرْوا وأذرته وذرّته، أي أطارته، وأذهبته، وفرّقته.
والخِباء ـ بالكسر، وقيل، بالفتح ـ بناء من وبر أو صوف أو شعر. والجمع: أخبية.
والترس: من التستّر بالترس وهو ـ بالضمّ ـ معروف، والمشهور في كتب اللغة أنّ جمعه أتراس والترسة والتروس والتِراس. ۱۴ وأمّا جمعه على أترسة فخالف للقياس.
والوقع ـ بالتسكين ـ : صَدْمَة الضرب بالشيء بعد صدمته.
(فقام إبليس في صورة رجل مطاع) أي شيخ يطيعه الناس وينقادون له.
(ألا وإنّه لن يفوتكم من أمره شيء) أي لا تعجلوا الآن في قتاله واستئصاله؛ فإنّه لن يفوتكم من ذلك شيء.
(فإنّه ليس سنة مقام) أي ليس لكم في هذه السنة مكان إقامة ومجال توقّف هنا.
ثمّ أشار إلى سبب عدم المقام بقوله: (قد هلك الخفّ والحافر).
الخفّ ـ بالضمّ ـ واحد أخفاف البعير. والحافر واحد حوافر الدابّة، وقد يستعار للقدم. والمراد هنا ذو الخفّ وذو الحافر.
وقيل: إنّما قال الخبيث ۱۵ ذلك؛ لعلمه بأنّه من عذاب اللّه تعالى على الأحزاب لو أقام، فخاف أن يهلكوا جميعا، ويستولي أهل الإسلام على جميع البلاد بلا منازع ولا مكابر، فأمرهم بالارتحال طمعا لحياتهم ووقوع الاجتماع والكرّة مرّةً اُخرى. ۱۶
(ولينظر كلّ رجل منكم من جليسه).
إنّما قال ليظهر للكفّار بعد التفتيش والسؤال أنّ بينهم عين، فتنبّه حذيفة، وبادر إلى السؤال لئلّا يسأله أحد: مَن أنت، ويظنّوا أنّه منهم.
(ثمّ صاح في قريش: النجاء النجاء).
في القاموس: «نجا نَجْوا ونجاءً ونجاةً ونجاية: خلص. والنجاءك النجاءك ـ ويقصّران ـ أي أسرع [أسرع]». ۱۷
وقال في النهاية:
فيه: فالنجاء النجاء، أي انجوا بأنفسكم، وهو مصدر منصوب بفعل مضمر، أي انجوا النجاء، وتكراره للتأكيد. والنجاء: السرعة. يُقال: نجا ينجو نجاءً: إذا أسرع. ونجا من الأمر: إذا خلص، وأنجاه غيره. ۱۸
(وقال طلحة الأزدي: لقد رادكم محمّد بشرّ).
الباء للتعدية، أي طلب الشرّ لكم.
قال الجوهري: «راد الكلاء يروده رودا وريادا وارتاده ارتيادا بمعنى، أي طلبه». ۱۹
(ثمّ فعل الحارث بن عوف المرّي مثلها).
في بعض النسخ: «ابن عوق» بالقاف. قال الفيروزآبادي: «مُرّة بن كعب: أبو قبيلة من قريش، وأبو قبيلة من قيس عيلان، ومُرّ بن عمرو من طي?. ۲۰
(وقال أبو عبداللّه عليه السلام : إنّه كان ليشبه بيوم القيامة).
كذا في كثير ممّا رأيناه من النسخ المصحّحة، والظاهر: «شبيها» بالنصب كما في بعضها. وفي بعض النسخ: «الشبيه» أي نزل بالكفّار من هبوب الرِّياح العاصفة، وما حصى الحجارة، وما كانوا فيه من الخوف والاضطراب والحيرة، يشبه بآيات القيامة وأهوالها، أو كان الزمان الذي وقع بهم تلك الشدائد شبيها بيوم القيامة. ويحتمل أن يكون لغرض بيان شدّة أحوال المسلمين قبل نزول هذا الفتح والظفر من الجوع والخوف.

1.الصحاح، ج ۱، ص ۱۰۹ (حزب) مع التلخيص.

2.المصباح المنير، ص ۴۹۶ (قرر).

3.الصحاح، ج ۵، ص ۱۹۷۷ (ظلم) مع التلخيص و التصرّف.

4.النهاية، ج ۴، ص ۱۲۴ (قول) مع التلخيص والتصرّف.

5.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۳۵۹ (منذ) مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.

6.الصحاح، ج ۶، ص ۲۴۴۷ (غشا).

7.قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه، ج ۱۲، ص ۳۹۵.

8.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۱۲۶ (حجف).

9.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۱۲۶ (حجف).

10.الصحاح، ج ۶، ص ۲۴۲۳ (عرا).

11.الصحاح، ج ۶، ص ۲۴۴۷ (غشا).

12.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۲۶۲ (صرخ).

13.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۹۶.

14.اُنظر: الصحاح، ج ۳، ص ۹۱۰؛ القاموس المحيط، ج ۲، ص ۲۰۲ (ترس).

15.أي إبليس.

16.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۹۶.

17.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۳۹۳ (نجو).

18.النهاية، ج ۵، ص ۲۶ (نجو).

19.الصحاح، ج ۲، ص ۴۷۸ (رود).

20.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۳۳ (مدر) مع التقديم والتأخير في العبارة.


البضاعة المزجاة المجلد الثالث
514
  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 231618
صفحه از 607
پرینت  ارسال به