87
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

شرح

السند ضعيف.
قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ» .
قال البيضاوي:
تعجيب وتقرير لمَن سمع بقصّتهم من أهل الكتاب وأرباب التواريخ، وقد يخاطب به من لم ير ولم يسمع؛ فإنّه صار مثلاً في التعجّب.
«إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ» ؛ يريد أهل داوردان قرية قبل واسط وقع فيها طاعون، فخرجوا هاربين، فأماتهم اللّه ثمّ أحياهم ليعتبروا ويتيقّنوا أن لا مفرّ من قضاء اللّه وقدره. وقيل: إنّ ۱ قوما من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد، فهربوا حذر الموت، فأماتهم اللّه ثمانية أيّام ثمّ أحياهم.
«وَهُمْ أُلُوفٌ» ؛ أي ألوف كثيرة. قيل: عشرة. وقيل: ثمانون. ۲ وقيل: سبعون. [وقيل: ]متألّفون، جمع إلف وآلف، كقاعد وقعود، والواو للحال.
«حَذَرَ الْمَوْتِ» ، مفعول له.
«فَقَالَ لَهُمْ اللّه ُ مُوتُوا» ؛ أي قال لهم اللّه : موتوا، فماتوا، كقوله: «كُنْ فَيَكُونْ» . ۳
و إنّما لم يقل: «فأماتهم اللّه » للدلالة على أنّهم ماتوا ميتة رجل واحد من غير علّة بمشيئته وأمره، وتلك ميتة خارجة عن العادة، كأنّهم اُمروا بشيء فامتثلوه امتثالاً من غير إباء ولا توقّف، كقوله: «كُنْ فَيَكُونْ» .
وقيل ۴ : ناداهم به ملك، وإنّما أسند إلى اللّه تخويفا وتهويلاً.
«ثُمَّ أَحْيَاهُمْ» . قيل: مرَّ حزقيل عليه السلام على أهل داوردان، وقد عريت عظامهم، وتفرّقت أوصالهم، فتعجّب وحمد اللّه ، فأوحى اللّه إليه ناد فيهم: أن قوموا بإذن اللّه ، فنادى، فقاموا يقولون: سبحانك اللّهمّ وبحمدك، لا إله إلّا أنت.
وفائدة القصّة تشجيع المسلمين على الجهاد، والتعرّض للشهادة، وحثّهم على التوكّل والاستسلام لقضاء اللّه ، انتهى. ۵
وقال الشيخ الطبرسي في تفسير هذه الآية:
«أَلَمْ تَرَ)؛ أي ألم تعلم يا محمّد، أو يا أيّها السامع، أولم ينته علمك إلى خبر هؤلاء.
«الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ»
؛ قيل: هم قوم من بني إسرائيل فرّوا من طاعون وقع بأرضهم، عن الحسن.
وقيل: فرّوا من الجهاد، وقد كتب عليهم، عن الضحّاك ومقاتل. واحتجّا بقوله عقيب الآية: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ» .
وقيل: هم قوم حزقيل، وهو ثالث خلفاء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام ؛ وذلك أنّ القيّم بأمر بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام كان يوشع بن نون، ثمّ كالب بن يوقنا، ثمّ حزقيل. وقد كان يُقال له ابن العجوز؛ وذلك أنّ اُمّه كانت عجوزا، فسألت اللّه الولد، وقد كَبَرَت وعَقَمت، فوهب اللّه سبحانه لها.
وقال الحسن: هو ذو الكفل، وإنّما سمّي حزقيل ذا الكفل؛ لأنّه كفل سبعين نبيّا نجّاهم من القتل، وقال لهم: اذهبوا فإنّي إن قُتلت كان خيرا من أن تقتلوا جميعا، فلمّا جاء اليهود وسألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين، قال: إنّهم ذهبوا فلا أدري أين هُم، ومنع اللّه ذا الكفل منهم.
«وَهُمْ أُلُوفٌ» ؛ أجمع أهل التفسير على أنّ المراد بألوف [هنا] كثرة العدد، إلّا ابن يزيد؛ فإنّه قال: معناه: خرجوا مؤتلفي القلوب لم يخرجوا عن تباغض، فجعله جمع آلف، مثل قاعد وقعود وشاهد وشهود.
واختلف من قال المراد به العدد الكثير، فقيل: كانوا ثلاثة آلاف، عن عطاء الخراساني. وقيل: ثمانية آلاف، عن مقاتل والكلبي. وقيل: عشرة آلاف، عن أبي روق. وقيل: بضعة وثلاثين ألفا، عن السدّي، وقيل: أربعين ألفا، عن ابن عبّاس وابن جريج. وقيل: سبعين ألفا، عن عطاء بن أبي رياح. وقيل: كانوا عددا كثيرا، عن الضحّاك. والذي: يقتضي [به] الظاهر أنّهم كانوا أكثر من عشرة آلاف؛ لأنّ بناء «فعول» للكثرة، وهو ما زاد على العشرة وما نقص عنها، يُقال: فيه عشرة آلاف، ولا يُقال: فيه عشرة ألوف.
«حَذَرَ الْمَوْتِ» ؛ أي من خوف الموت.
«فَقَالَ لَهُمْ اللّه ُ مُوتُوا» ؛ قيل في معناه قولان؛
أحدهما: أنّ معناه: أماتهم اللّه ، كما يُقال: قالت السماء، فهطلت. معناه: فهطلت السماء. وقلت برأيي كذا، ومعناه: أشرت برأسي وبيدي. وذلك لما كان القول في الأكثر استفتاحا للفعل، كالقول الذي هو تسمية وما جرى مجراه ممّا كان يستفتح به الفعل، صار معناه: قالت السماء فهطلت، أي استفتحت بالهَطل ۶ ، كذلك معناه هاهنا: فاستفتح اللّه بإماتتهم.
والثاني: أنّ معناه: أماتهم اللّه بقول سمعته الملائكة لضرب من العبرة. ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللّه بدعاء نبيّهم حزقيل، عن ابن عبّاس، وقيل: إنّه شمعون نبيّ من أنبياء بني إسرائيل، انتهى. ۷
(وصاروا رميما يلوح).
الجملة صفة «رميما»، أي: صاروا عظاما بالية خالية من الجلد واللحم، ظاهرة مكشوفة أو متلألاة.
قال الجوهري:
الرمّة ـ بالكسر ـ : العظام البالية. والجمع: رِمَم ورِمام. تقول منه: رمّ العظم يَرِمّ ـ بالكسر ـ رمّة، أي بلى، فهو رميم. وإنّما قال تعالى: «مَنْ يُحْىِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ»۸ ؛ لأنّ فعيلاً وفعولاً قد يستوي فيهما المذكّر والمؤنّث والجمع، مثل رسول وعدوّ وصديق. ۹
وفي القاموس: «أ لاح: بدا. وسُهَيْل: تلألأ». ۱۰
وفي بعض النسخ: «عظاما» بدل «رميما».
(يُقال له حزقيل) بتقديم الحاء المهملة على الزاء المعجمة.
وفي القاموس: «حِزقِل [أو حزقيل] ـ كزبرج وزنبيل ـ : اسم نبيّ من الأنبياء عليهم السلام ». ۱۱
(قال: نعم يا ربّ، فأحيهم).
وفي بعض النسخ: «فأحياهم اللّه » بدل «فأحيهم». وحينئذٍ يكون قوله: «فأوحى اللّه ـ عزّ وجلّ ـ إليه»؛ بيانا وتفصيلاً للإحياء.
قال بعض الأفاضل:
هذه الآية مع الخبر دلالة على مدح التوكّل على اللّه وذمّ الفرار من قضاء اللّه ومن الطاعون، وقد ورد بعض الأخبار بجواز الفرار من الطاعون ونفى البأس عنه. ۱۲

1.في المصدر: «أو» بدل «و قيل: إنّ».

2.في المصدر: «ثلاثون».

3.تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۵۴۱.

4.إدامة قول البيضاوي فى تفسيره.

5.تفسير البيضاوى، ج ۱، ص ۵۴۱ و ۵۴۲.

6.في المصدر: «بالهطلان».

7.تفسير مجمع البيان، ج ۲، ص ۱۳۲ و ۱۳۳.

8.. يس (۳۶): ۷۸.

9.الصحاح، ج ۵، ص ۱۹۳۷ (رمم)

10.القاموس المحيط، ج ۵، ص ۱۹۳۷ (لوح).

11.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۳۵۷ (حزقل).

12.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۰۳.


البضاعة المزجاة المجلد الثالث
86

متن الحديث السابع والثلاثين والمائتين

۰.عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ وَغَيْرِهِ ، عَنْ بَعْضِهِمْ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ؛ وَبَعْضِهِمْ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام :فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ»۱ فَقَالَ : «إِنَّ هؤُلَاءِ أَهْلُ مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الشَّامِ ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَلْفَ بَيْتٍ ، وَكَانَ الطَّاعُونُ يَقَعُ فِيهِمْ فِي كُلِّ أَوَانٍ ، فَكَانُوا إِذَا أَحَسُّوا بِهِ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ الْأَغْنِيَاءُ لِقُوَّتِهِمْ ، وَبَقِيَ فِيهَا الْفُقَرَاءُ لِضَعْفِهِمْ ، فَكَانَ الْمَوْتُ يَكْثُرُ فِي الَّذِينَ أَقَامُوا ، وَيَقِلُّ فِي الَّذِينَ خَرَجُوا ، فَيَقُولُ الَّذِينَ خَرَجُوا : لَوْ كُنَّا أَقَمْنَا لَكَثُرَ فِينَا الْمَوْتُ ، وَيَقُولُ الَّذِينَ أَقَامُوا : لَوْ كُنَّا خَرَجْنَا لَقَلَّ فِينَا الْمَوْتُ» .
قَالَ : «فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ جَمِيعا أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ فِيهِمْ وَأَحَسُّوا بِهِ خَرَجُوا كُلُّهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بِالطَّاعُونِ خَرَجُوا جَمِيعا ، وَتَنَحَّوْا عَنِ الطَّاعُونِ حَذَرَ الْمَوْتِ ، فَسَارُوا فِي الْبِلَادِ مَا شَاءَ اللّهُ .
ثُمَّ إِنَّهُمْ مَرُّوا بِمَدِينَةٍ خَرِبَةٍ قَدْ جَلَا ۲ أَهْلُهَا عَنْهَا ، وَأَفْنَاهُمُ الطَّاعُونُ ، فَنَزَلُوا بِهَا ، فَلَمَّا حَطُّوا رِحَالَهُمْ وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ، ۳ قَالَ لَهُمُ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : مُوتُوا جَمِيعا ، فَمَاتُوا مِنْ سَاعَتِهِمْ ، وَصَارُوا رَمِيما يَلُوحُ ۴ ، وَكَانُوا عَلى طَرِيقِ الْمَارَّةِ ، فَكَنَسَتْهُمُ الْمَارَّةُ ، فَنَحَّوْهُمْ وَجَمَعُوهُمْ فِي مَوْضِعٍ ، فَمَرَّ بِهِمْ نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ : حِزْقِيلُ ، ۵ فَلَمَّا رَأى تِلْكَ الْعِظَامَ بَكى وَاسْتَعْبَرَ ، وَقَالَ : يَا رَبِّ ، لَوْ شِئْتَ لَأَحْيَيْتَهُمُ السَّاعَةَ كَمَا أَمَتَّهُمْ ، فَعَمَرُوا بِلَادَكَ ، وَوَلَدُوا عِبَادَكَ ، وَعَبَدُوكَ مَعَ مَنْ يَعْبُدُكَ مِنْ خَلْقِكَ . فَأَوْحَى اللّهُ تَعَالى إِلَيْهِ : أَفَتُحِبُّ ذلِكَ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا رَبِّ فَأَحْيِهِمْ» . ۶
قَالَ : «فَأَوْحَى اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِلَيْهِ ۷ : أَنْ قُلْ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ الَّذِي أَمَرَهُ ۸ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَنْ يَقُولَهُ» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ ، فَلَمَّا قَالَ حِزْقِيلُ ۹ ذلِكَ الْكَلَامَ ، نَظَرَ إِلَى الْعِظَامِ يَطِيرُ بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ ، فَعَادُوا أَحْيَاءً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ، يُسَبِّحُونَ اللّهَ ـ عَزَّ ذِكْرُهُ ـ وَيُكَبِّرُونَهُ وَيُهَلِّلُونَهُ ، فَقَالَ حِزْقِيلُ ۱۰ عِنْدَ ذلِكَ : أَشْهَدُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .
قَالَ عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ : فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «فِيهِمْ نَزَلَتْ هذِهِ الْايَةُ» .

1.البقرة (۲): ۲۴۳.

2.في بعض نسخ الكافي: «قد خلا».

3.في بعض نسخ الكافي: - «بها».

4.في أكثر نسخ الكافي والوافي: «تلوح».

5.في بعض نسخ الكافي: «حزقيل» بتقديم الخاء المعجمة.

6.في بعض نسخ الكافي: «فأحياهم اللّه » بدل «فأحيهم».

7.في بعض نسخ الكافي: - «إليه».

8.في بعض نسخ الكافي: «أمر».

9.في بعض نسخ الكافي: «خرقيل».

10.في بعض نسخ الكافي: «خرقيل».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 230274
صفحه از 607
پرینت  ارسال به