405
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج3

ثانياً : الموقع الجغرافي

تذكر النصوص الجغرافية أنّ طول الكوفة الجغرافي يبلغ 44 درجة و24 دقيقة ، وعرضها 32 درجة ودقيقة واحدة .
كانت الكوفة قديماً في قلب البلاد الإسلامية ، وكانت أقرب منطقة لإدارتها ، خاصّة المناطق التي ضُمّت في عهد الخليفة الثاني إلى رقعة الدولة الإسلامية .
وفي عهد حكم الإمام عليّ عليه السلام انتقل مقرّ الخلافة من المدينة إلى الكوفة ، ولا شكّ في أنّ من أسباب ذلك ـ فضلاً عن الموقع الاقتصادي ـ قرب هذه المدينة من البلدان الإسلامية المختلفة ، وخاصّة لإرسال الجيوش لمحاربة معاوية .
وعلى هذا الأساس فقد كانت الكوفة من الناحية الجغرافية أنسب منطقة لمحاربة حكومة يزيد .

ثالثاً : الموقع الثقافي

كانت الكوفة أهمّ قاعدة ثقافية في العالم الإسلامي فضلاً عن موقعها السياسي والعسكري والجغرافي ، وكانت سياسة الخليفة الثاني تقضي بأن يجعل في الكوفة جنوداً عالمين بالقرآن وغير عالمين بالسنّة ؛ ولذلك فقد منع نقل الحديث في الكوفة ، وبناءً على هذا فقد كان قرّاؤها في الغالب مسلمين ذوي بعد واحد وغير عالمين بالسنّة . ولكن وبعد تولّي الإمام عليّ عليه السلام الخلافة ، كان لسياساته المبدأية الثقافية في عهد حكمه من جهة ، وتواجد كبار أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله الذين كانوا قد قدموا إلى الكوفة ۱ مع الإمام عليّ عليه السلام من جهة اُخرى ، دور مؤثّر في التطوّر الثقافي لأهل الكوفة .
وعلى هذا الأساس ، فإنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ قسماً من أهل الكوفة كانوا عند ثورة الإمام الحسين عليه السلام ـ حيث كان قد مرّ حوالي 25 عاماً على بداية حكم الإمام عليّ عليه السلام ـ يتمتّعون بشكل نسبي بأعلى مستوى ثقافي بين المجتمعات الإسلامية ، ولذلك فقد كانت أرضية المطالبة بالإصلاح والثورة ضدّ ظلم بني اُمية وجورهم مهيّأة في هذه المدينة أكثر من أيّ مكان آخر ، وممّا يشهد على ذلك ثوراتهم المتكرّرة ضدّ أنظمة الحكم آنذاك بعد ثورة الإمام الحسين عليه السلام .
روى الشيخ الكليني عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال :
الكوفَةُ جُمجُمَةُ العَرَبِ ، ورُمحُ اللّه ِ تَبارَكَ وتَعالى ، وكَنزُ الإيمانِ . ۲
وقد وصف هذا الحديث الشريف الكوفة بثلاث خصوصيّات : هي إشارة إلى المركز السياسي ، والموقع العسكري ، والمكانة الثقافية .
فالجمجمة هي موضع الدماغ ، والتعبير ب «جمجمة العرب» إشارة إلى أنّه سيحلّ يوم تكون فيه الكوفة مركز القرارات المهمّة في العالم العربي والعالم الإسلامي تبعاً له . و«الرمح» هو أحد أسلحة القتال المهمّة في ذلك العصر ، والتعبير «رمح اللّه » إشارة إلى مكانتها العسكرية الاستراتيجية . وأخيراً فإنّ «كنز الإيمان» إشارة إلى المكانة الثقافية المتميّزة للكوفة في العالم الإسلامي .
كما أشار سلمان الفارسي ـ الذي يعتبر من كبار أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ إلى المكانة المرموقة للكوفة في العالم الإسلامي ، من خلال التعبير عنها ب «قبّة الإسلام» . ۳
ولكنّ ما ذُكر في أهمّية الكوفة لا يعني أنّ فضيلة أهل الكوفة دائمية ، بل ماداموا أوفياء للقيم الإسلامية كما خاطبهم الإمام عليّ عليه السلام في اللحظات الاُولى من وصوله إلى الكوفة بعد انتصاره في معركة الجمل ، حيث قال :
يا أهلَ الكوفَةِ فَإِنَّ لَكُم فِي الإِسلامِ فَضلاً ما لَم تُبَدِّلوا وتُغَيِّروا . ۴
وهذا الكلام يعني أنّ أهل الكوفة يخضعون دوماً ككلّ البشر للامتحان الإلهي والمزالق ، وهذه الفضائل لا يمكن أن تبقى إلّا إذا ثبتوا في الدفاع عن القيم الإسلامية .

1.كان يرافق الإمام عليّاً عليه السلام في حرب صفّين ما بين ۷۰ إلى ۸۰ من البدريّين و۸۰۰ من الذين شاركوا في بيعة الرضوان و۴۰۰ من سائر أصحاب رسول اللّه عليه السلام . نعم، نحن لا نمتلك دليلاً يثبت إقامتهم جميعا في الكوفة ، ولكن بالطبع فإنّ الكثير منهم كانوا يقيمون في الكوفة والبصرة . راجع : موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ج ۳ ص ۲۷۱ (القسم السادس / الحرب الثاني : معركة صفّين / أكابر أصحاب الإمام) .

2.الكافي : ج ۶ ص ۲۴۳ ح ۱ ، علل الشرائع : ص ۴۶۱ ، ح ۱ . وممّا يجدر ذكره أنّ هذا المضمون نُقل عن عمر في مصادر أهل السنّة ، وأنّ سند رواية الكافي ضعيف ، ونظراً إلى أنّ الكوفة بُنيت بعد سبع سنوات تقريباً من وفاة النبي صلى الله عليه و آله ، يبدو أنّ مصادر أهل السنّة أقرب إلى الواقع (راجع : تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۵۹ والطبقات الكبرى : ج ۶ ص ۵ وفتوح البلدان : ص ۲۸۷) .

3.المصنّف لابن أبي شيبة : ج ۷ ص ۵۵۳ الرقم ۲ ، معجم البلدان : ج ۴ ص ۴۹۲ ، فتوح البلدان : ص ۲۸۷ كما روي هذا التعبير عن صعصعة بن صوحان (راجع : مروج الذهب : ج ۳ ص ۵۱) .

4.وقعة صفّين : ص ۳ .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج3
404
  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 126712
الصفحه من 458
طباعه  ارسل الي