257
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6

المرحلة الاُولى (بعد شهادة الإمام وحتّى هلاك قاتليه)

كان هدف أهل البيت عليهم السلام منصبّاً في هذه المرحلة على السعي من أجل إيقاظ الضمائر النائمة ، وفتح الأذهان المغلقة ، وتحرير الأفكار المكبّلة بالإعلام الواسع لبني اُميّة . وقد جاء في بعض الروايات ـ التي وصلتنا على الرغم من التعتيم الإعلامي والثقافي والتاريخي الشديد من قبل بني اُميّة ـ أنّ أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله كانوا يصرخون ۱ من أعماق قلوبهم عند غروب يوم عاشوراء المفعم بالأحزان عند رؤيتهم جسد الإمام الحسين عليه السلام وأجساد أهل بيته وأصحابه الملطّخة بالدماء ، إلى درجة جعلت الأعداء أنفسهم يتأثّرون لهذا المشهد ، حتّى بكى بعض الأشخاص في جيش يزيد .
وبعد ذلك سجّل الأسرى ـ الذين كانوا يضطلعون برسالة التوعية ـ مواقف تدعو إلى الدهشة والإجلال خلال مرورهم بالقرى والمدن المختلفة .
وعلى سبيل المثال، فإنّ أهالي الكوفة عند رؤيتهم اُسارى أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله ، وعند استماعهم إلى الخطب الملحميّة لأهل بيت الرسالة ـ والتي ذكّرتهم بأيّام تواجدهم في الكوفة والذي امتدّ لعدّة سنوات من جانب وأخذت تنشر الوعي والحماس إلى حدٍّ بعيد من جانب آخر ۲ ـ وبعد حضور الأسرى في الشام ـ والذي أدّى إلى نشر الوعي وفضح السياسات الاُمويّة ، والذي لم يسلم من آثاره من كان في قصر الخلافة أيضا ۳ ـ ، سمحت الحكومة بإقامة مراسم العزاء لاعتبارات سياسية.
وبالإضافة إلى ذلك فقد أقام موكب السبايا عند عودته من الشام إلى المدينة، مجلس العزاء عند مزار الإمام عليه السلام وأصحابه . ۴ كما ضجّت المدينة بالبكاء والعويل عند سماع صوت بكاء اُمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله التي سمعت باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام في الرؤيا ۵ ( أو عن طريق التربة التي أودعها النبيّ صلى الله عليه و آله لديها، والتي تحوّلت إلى دمٍ استنادا لروايةٍ اُخرى) . ۶ وعندما ذاع خبر شهادة الإمام عليه السلام بشكلٍ رسمي من قبل بني اُميّة في المدينة، حوّلت اُمّ سلمة ۷
وأهالي المدينة المدينة إلى كتلة واحدة من المآتم والعزاء ، وأقاموا مجالس العزاء ۸ ، كما أقام بنو هاشم العزاء على سيّد الشهداء ، ۹ كما جلس للحداد عليه ابن عبّاس ومحمّد بن الحنفيّة ، ۱۰ ، وبنات عقيل ۱۱ ، وجعلت نساء بني هاشم محلّاً خاصّا للعزاء . ۱۲
كما ينبغي أن لا ننسى إقامة أهل المدينة العزاء عند عودة أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله ، ۱۳ وعزاء زوجات الإمام عليه السلام ، ۱۴ وكذلك العزاء الذي أقامته اُمّ البنين لأولادها في البقيع . ۱۵ ويجب أن نضيف إلى كلّ ذلك مراثي وحداد أهل بيت عبد المطّلب ، والذي كانوا يقيمونه يوميّاً خلال عام الشهادة في ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام حتّى ثلاث أعوام في المدينة ، ۱۶ وكان يشارك فيه بعض الصحابة والتابعين أيضا ، ۱۷ ولبس أهل بيت الإمام عليه السلام ملابسَ الحزن ، ۱۸ ومواصلة الأحزان والمآتم حتّى موت ابن زياد ، ۱۹ وتعاطف بعض الأصحاب والتابعين معهم ؛ ۲۰ كلّ ذلك خلق أجواء تمخّضت عن نشوء حركة «التوّابين»، حيث بدأوا مسيرتهم باتّجاه الشام ومحاربة قتلة الإمام الحسين عليه السلام ، بالتجمّع عند قبر الإمام عليه السلام وأصحابه وأقامة العزاء ، ثمّ واصلوا مسيرهم ۲۱ . ۲۲

1.الأمالي للصدوق : ص ۲۲۶ ، روضة الواعظين : ص ۲۰۹ ، وراجع : هذه الموسوعة : ج ۵ ص ۱۳۷ ( القسم التاسع / الفصل السادس / وداع أهل البيت مع الشهداء ) .

2.راجع : ج ۵ ص ۱۴۰ ( القسم التاسع / الفصل السادس / كيفية دخول حرم الرسول صلى الله عليه و آله الكوفة ) وص ۱۴۲ ( خطبة زينب عليهاالسلام في أهل الكوفة ) وص ۱۴۹ ( خطبة فاطمة الصغرى في أهل الكوفة ) وص ۱۵۲ ( خطبة اُمّ كلثوم في أهل الكوفة ) .

3.راجع : ج ۵ ص ۲۵۹ ( القسم التاسع / الفصل السابع / خطبة علي بن الحسين عليه السلام في مسجد دمشق ) و ص ۲۶۷ ( احتجاج نساء يزيد عليه ) وص ۲۷۵ ( الفصل الثامن / إذن إقامة المأتم للشهداء ) .

4.راجع : ج ۵ ص ۲۸۵ ( القسم التاسع / الفصل الثامن / مرور آل الرسول صلى الله عليه و آله على كربلاء ) .

5.راجع : ج ۵ ص ۲۷ ( القسم التاسع / الفصل الثاني / رؤيا اُمّ سلمة ) .

6.في رواية تاريخ اليعقوبي (ج ۲ ص ۲۴۵) : إنّ سبب بكائها هو تحول التربة التي كانت عندها إلى دم، حيث إنّ النبي صلى الله عليه و آله ، أودعها عندها علامة على شهادة الحسين عليه السلام في المستقبل . راجع : هذه الموسوعة : ج ۶ ص ۱۶۵ ( الفصل الأوّل / أوّل صارخة صرخت في المدينة ) .

7.راجع : ص ۱۷۳ ( الفصل الأوّل / أوّل من لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام / اُمّ سلمة ) .

8.راجع : ج ۵ ص ۳۹۶ ( القسم العاشر / الفصل الرابع / صدى قتله في الحجاز ) وج ۶ ص ۱۶۶ ( القسم الحادي عشر / الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / حين وصل الخبر ) .

9.راجع : ص ۱۶۶ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / حين وصل الخبر ) .

10.راجع : ص ۲۳۷ ( الفصل الرابع / بكاء عدّة من الصحابة والتابعين ) و ج ۵ ص ۳۴۷ ( القسم العاشر / الفصل الأوّل / عبداللّه بن العبّاس ) .

11.راجع : ص ۱۶۶ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / حين وصل الخبر ) .

12.راجع : ص ۱۷۳ ( الفصل الأوّل / أوّل من لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام / نساء بني هاشم ) .

13.راجع : ص ۱۶۶ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / حين وصل الخبر ) .

14.الأماليللشجري : ج ۱ ص ۱۷۵، تذكرة الخواصّ : ص ۲۶۵ وراجع : هذه الموسوعة : ص ۱۶۰ ( الفصل الأوّل / رثاء الرباب ) .

15.راجع : ص ۱۷۱ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / ندبة اُمّ البنين) .

16.راجع : ص ۱۷۲ (الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / النياحة عليه ثلاث سنين) .

17.كتاب المجالس والمسائرات للقاضي النعمان : ص ۱۰۳.

18.راجع : ص ۱۷۳ ( الفصل الأوّل / أوّل من لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام ) .

19.راجع : ص ۱۷۲ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / استمرار مأتم أهل البيت إلى قتل ابن زياد ) .

20.راجع : ص ۲۳۷ ( الفصل الرابع / بكاء عدّة من الصحابة والتابعين ) .

21.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۵۸۹ .

22.ذكرنا فيما سبق أنّ حادثة كربلاء كانت عظيمة على المسلمين وسببا لحزنهم العميق ، وأمّا بالنسبة لبني هاشم فقد تركت عليهم أثرا كبيرا بحيث إنّهم بقوا في حال الحزن والعزاء حتّى هلاك ابن زياد ، فهل إنّ هذا بسبب تأثّرهم بآداب العرب آنذاك حيث كانوا يديمون العزاء والحزن على المقتول حتى موت القاتل ؟ لا يبعد ذلك . وعلى أيّ حال فإنّ أهل البيت عليهم السلام خلال هذه السنوات الخمس أو الستّ جعلوا العزاء أمرا عاديا ، وهذا ما هيّأ الأرضية الفكرية والثقافية والجهادية المناسبة ، الأمر الذي اُضيف له دعم أهل البيت عليهم السلام وتوجيههم، فتحوّل إلى شعائر مذهبية ذات مغزى وقيمة عالية، والتي ستأتي الإشارة إليها فيما بعد .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
256

نظرة تاريخية لشعائر عزاء الإمام الحسين عليه السلام ومراحلها

يمكن أن نتناول مراسم العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام بالدراسة والنقد والتحليل على عدّة مراحل تاريخيّة هي :
المرحلة الاُولى : من شهادة الإمام عليه السلام وحتّى هلاك قاتليه . ۱
المرحلة الثانية : إقامة العزاء كشعيرة دينيّة من قبل الأئمّة عليهم السلام ، حيث اجتازت هي بدورها بعض المراحل :
أولاً : تهيئة الأرضيّة لسنّة العزاء على يد الإمام زين العابدين عليه السلام .
ثانيا : تحكيم أركان العزاء من قبل الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام .
ثالثا : إكمال العزاء ونشره من قبل الإمام الكاظم والإمام الرضا عليهماالسلام .
المرحلة الثالثة : تطوّر العزاء حتّى عصر اكتسابه الطابع الرسمي .
المرحلة الرابعة : عصر اكتساب العزاء على الإمام الحسين عليه السلام الصفة الرسميّة بعد إقامة الدول الشيعيّة في القرنين الرابع والخامس الهجريّين .
المرحلة الخامسة : مراسم العزاء في القرن السادس وحتّى القرن التاسع الهجري، أي حتّى بداية قيام الدولة الصفوية المقتدرة .
المرحلة السادسة : العزاء في عهد حكم الصفويّين (القرن العاشر وحتّى الثاني عشر الهجري) .
المرحلة السابعة : العزاء بعد العهد الصفوي وحتّى اليوم .

1.ينبغي أن نذكّر هنا أنّ التقاليد التي كانت شائعة بين العرب آنذاك ، هي ألّا يقيموا مراسم العزاء والحداد حتّى موت القاتل، أو الأخذ بثأره من المتسبّبين في مقتله، وبذلك فقد كانوا يؤخّرون ذلك كي يحافظوا على روح الانتقام بين الأقارب لتدفعهم إلى الأخذ بثأر القتيل؛ ذلك لأنّهم كانوا يعتقدون بأنّ الحداد والبكاء يؤدّيان إلى خمود حسّ الانتقام والغضب على القاتلين. يقول جواد عليّ في كتاب المفصل في تاريخ العرب (ج ۵ ص ۱۵۶): «وكانت العرب لا تندب قتلاها ولا تبكي عليها حتّى يُثأر بها، فإذا قُتل قاتل القتيل بكت عليه وناحت» ويمكن أن نستشهد على قوله بـ «منع البكاء على قاتلي كفّار قريش في معركة بدر». ولكنّ أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله وبنو هاشم، وعلى خلاف السيرة الجاهلية أقاموا العزاء بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام مباشرة. ولكن يبدو ممّا جاء من أنّهم كانوا يمتنعون عن الزينة الظاهرية حتّى مقتل القاتلين، أنّ سلوكهم خلال هذه الفترة كان متأثّراً بتلك التقاليد العربية، حيث كانوا يهتمّون بالإبقاء على حادثة القتل، مع إدخال بعض التغييرات على هذه التقاليد، أي عدم الامتناع عن البكاء والعزاء .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1390
عدد المشاهدين : 195404
الصفحه من 430
طباعه  ارسل الي