المرحلة الاُولى (بعد شهادة الإمام وحتّى هلاك قاتليه)
كان هدف أهل البيت عليهم السلام منصبّاً في هذه المرحلة على السعي من أجل إيقاظ الضمائر النائمة ، وفتح الأذهان المغلقة ، وتحرير الأفكار المكبّلة بالإعلام الواسع لبني اُميّة . وقد جاء في بعض الروايات ـ التي وصلتنا على الرغم من التعتيم الإعلامي والثقافي والتاريخي الشديد من قبل بني اُميّة ـ أنّ أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله كانوا يصرخون ۱ من أعماق قلوبهم عند غروب يوم عاشوراء المفعم بالأحزان عند رؤيتهم جسد الإمام الحسين عليه السلام وأجساد أهل بيته وأصحابه الملطّخة بالدماء ، إلى درجة جعلت الأعداء أنفسهم يتأثّرون لهذا المشهد ، حتّى بكى بعض الأشخاص في جيش يزيد .
وبعد ذلك سجّل الأسرى ـ الذين كانوا يضطلعون برسالة التوعية ـ مواقف تدعو إلى الدهشة والإجلال خلال مرورهم بالقرى والمدن المختلفة .
وعلى سبيل المثال، فإنّ أهالي الكوفة عند رؤيتهم اُسارى أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله ، وعند استماعهم إلى الخطب الملحميّة لأهل بيت الرسالة ـ والتي ذكّرتهم بأيّام تواجدهم في الكوفة والذي امتدّ لعدّة سنوات من جانب وأخذت تنشر الوعي والحماس إلى حدٍّ بعيد من جانب آخر ۲ ـ وبعد حضور الأسرى في الشام ـ والذي أدّى إلى نشر الوعي وفضح السياسات الاُمويّة ، والذي لم يسلم من آثاره من كان في قصر الخلافة أيضا ۳ ـ ، سمحت الحكومة بإقامة مراسم العزاء لاعتبارات سياسية.
وبالإضافة إلى ذلك فقد أقام موكب السبايا عند عودته من الشام إلى المدينة، مجلس العزاء عند مزار الإمام عليه السلام وأصحابه . ۴ كما ضجّت المدينة بالبكاء والعويل عند سماع صوت بكاء اُمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله التي سمعت باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام في الرؤيا ۵ ( أو عن طريق التربة التي أودعها النبيّ صلى الله عليه و آله لديها، والتي تحوّلت إلى دمٍ استنادا لروايةٍ اُخرى) . ۶ وعندما ذاع خبر شهادة الإمام عليه السلام بشكلٍ رسمي من قبل بني اُميّة في المدينة، حوّلت اُمّ سلمة ۷
وأهالي المدينة المدينة إلى كتلة واحدة من المآتم والعزاء ، وأقاموا مجالس العزاء ۸ ، كما أقام بنو هاشم العزاء على سيّد الشهداء ، ۹ كما جلس للحداد عليه ابن عبّاس ومحمّد بن الحنفيّة ، ۱۰ ، وبنات عقيل ۱۱ ، وجعلت نساء بني هاشم محلّاً خاصّا للعزاء . ۱۲
كما ينبغي أن لا ننسى إقامة أهل المدينة العزاء عند عودة أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله ، ۱۳ وعزاء زوجات الإمام عليه السلام ، ۱۴ وكذلك العزاء الذي أقامته اُمّ البنين لأولادها في البقيع . ۱۵ ويجب أن نضيف إلى كلّ ذلك مراثي وحداد أهل بيت عبد المطّلب ، والذي كانوا يقيمونه يوميّاً خلال عام الشهادة في ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام حتّى ثلاث أعوام في المدينة ، ۱۶ وكان يشارك فيه بعض الصحابة والتابعين أيضا ، ۱۷ ولبس أهل بيت الإمام عليه السلام ملابسَ الحزن ، ۱۸ ومواصلة الأحزان والمآتم حتّى موت ابن زياد ، ۱۹ وتعاطف بعض الأصحاب والتابعين معهم ؛ ۲۰ كلّ ذلك خلق أجواء تمخّضت عن نشوء حركة «التوّابين»، حيث بدأوا مسيرتهم باتّجاه الشام ومحاربة قتلة الإمام الحسين عليه السلام ، بالتجمّع عند قبر الإمام عليه السلام وأصحابه وأقامة العزاء ، ثمّ واصلوا مسيرهم ۲۱ . ۲۲
1.الأمالي للصدوق : ص ۲۲۶ ، روضة الواعظين : ص ۲۰۹ ، وراجع : هذه الموسوعة : ج ۵ ص ۱۳۷ ( القسم التاسع / الفصل السادس / وداع أهل البيت مع الشهداء ) .
2.راجع : ج ۵ ص ۱۴۰ ( القسم التاسع / الفصل السادس / كيفية دخول حرم الرسول صلى الله عليه و آله الكوفة ) وص ۱۴۲ ( خطبة زينب عليهاالسلام في أهل الكوفة ) وص ۱۴۹ ( خطبة فاطمة الصغرى في أهل الكوفة ) وص ۱۵۲ ( خطبة اُمّ كلثوم في أهل الكوفة ) .
3.راجع : ج ۵ ص ۲۵۹ ( القسم التاسع / الفصل السابع / خطبة علي بن الحسين عليه السلام في مسجد دمشق ) و ص ۲۶۷ ( احتجاج نساء يزيد عليه ) وص ۲۷۵ ( الفصل الثامن / إذن إقامة المأتم للشهداء ) .
4.راجع : ج ۵ ص ۲۸۵ ( القسم التاسع / الفصل الثامن / مرور آل الرسول صلى الله عليه و آله على كربلاء ) .
5.راجع : ج ۵ ص ۲۷ ( القسم التاسع / الفصل الثاني / رؤيا اُمّ سلمة ) .
6.في رواية تاريخ اليعقوبي (ج ۲ ص ۲۴۵) : إنّ سبب بكائها هو تحول التربة التي كانت عندها إلى دم، حيث إنّ النبي صلى الله عليه و آله ، أودعها عندها علامة على شهادة الحسين عليه السلام في المستقبل . راجع : هذه الموسوعة : ج ۶ ص ۱۶۵ ( الفصل الأوّل / أوّل صارخة صرخت في المدينة ) .
7.راجع : ص ۱۷۳ ( الفصل الأوّل / أوّل من لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام / اُمّ سلمة ) .
8.راجع : ج ۵ ص ۳۹۶ ( القسم العاشر / الفصل الرابع / صدى قتله في الحجاز ) وج ۶ ص ۱۶۶ ( القسم الحادي عشر / الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / حين وصل الخبر ) .
9.راجع : ص ۱۶۶ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / حين وصل الخبر ) .
10.راجع : ص ۲۳۷ ( الفصل الرابع / بكاء عدّة من الصحابة والتابعين ) و ج ۵ ص ۳۴۷ ( القسم العاشر / الفصل الأوّل / عبداللّه بن العبّاس ) .
11.راجع : ص ۱۶۶ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / حين وصل الخبر ) .
12.راجع : ص ۱۷۳ ( الفصل الأوّل / أوّل من لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام / نساء بني هاشم ) .
13.راجع : ص ۱۶۶ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / حين وصل الخبر ) .
14.الأماليللشجري : ج ۱ ص ۱۷۵، تذكرة الخواصّ : ص ۲۶۵ وراجع : هذه الموسوعة : ص ۱۶۰ ( الفصل الأوّل / رثاء الرباب ) .
15.راجع : ص ۱۷۱ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / ندبة اُمّ البنين) .
16.راجع : ص ۱۷۲ (الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / النياحة عليه ثلاث سنين) .
17.كتاب المجالس والمسائرات للقاضي النعمان : ص ۱۰۳.
18.راجع : ص ۱۷۳ ( الفصل الأوّل / أوّل من لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام ) .
19.راجع : ص ۱۷۲ ( الفصل الأوّل / إقامة المأتم في المدينة / استمرار مأتم أهل البيت إلى قتل ابن زياد ) .
20.راجع : ص ۲۳۷ ( الفصل الرابع / بكاء عدّة من الصحابة والتابعين ) .
21.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۵۸۹ .
22.ذكرنا فيما سبق أنّ حادثة كربلاء كانت عظيمة على المسلمين وسببا لحزنهم العميق ، وأمّا بالنسبة لبني هاشم فقد تركت عليهم أثرا كبيرا بحيث إنّهم بقوا في حال الحزن والعزاء حتّى هلاك ابن زياد ، فهل إنّ هذا بسبب تأثّرهم بآداب العرب آنذاك حيث كانوا يديمون العزاء والحزن على المقتول حتى موت القاتل ؟ لا يبعد ذلك . وعلى أيّ حال فإنّ أهل البيت عليهم السلام خلال هذه السنوات الخمس أو الستّ جعلوا العزاء أمرا عاديا ، وهذا ما هيّأ الأرضية الفكرية والثقافية والجهادية المناسبة ، الأمر الذي اُضيف له دعم أهل البيت عليهم السلام وتوجيههم، فتحوّل إلى شعائر مذهبية ذات مغزى وقيمة عالية، والتي ستأتي الإشارة إليها فيما بعد .