291
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6

المرحلة السادسة (مراسم العزاء أيّام الصفويين «القرنين العاشر والحادي عشر»)

اكتسب التشيّع في إيران الطابع الرسمي بتتويج الشاه إسماعيل الصفوي سنة 907 هـ . ق ، وكان نشر الشعائر الشيعيّة من جملة الأهداف المهمّة لهذه الدولة. وكما سبقت الإشارة فقد كانت هناك مقاتل تُقرأ في الذكرى السنويّة لعاشوراء في خراسان قبل تأليف روضة الشهداء ، وقد ألّف كتاب روضة الشهداء لتسهيل قراءة المقتل في تلك المجالس،
وحظي بالإقبال الواسع بسبب سلاسة عباراته . ومع اكتساب المذهب الشيعي الطابع الرسمي في إيران، أصبح هذا الكتاب يتمتّع بمكانة وشهرة خاصّة ، فنظمه حسين الفدائي النيسابوري على شكل شعر ملحمي ، وقدّمه إلى الملك الصفوي . ۱
وفي هذه الفترة، اكتسب إقامة العزاء الطابع العلني ، ومارس الشيعة هذه الشعائر في غاية الفخامة، نظير ما كان في القرنين الرابع والخامس (عهد البويهيين والفاطميين). وقد ذكرت كيفية هذه المراسم في العهد الصفويّ ، في مصادر كثيرة، من جملتها كتب ورحلات الاُوروبيّين والسوّاح في إيران، حيث وصفت شعائر العزاء برؤية دقيقة سنذكرها فيما
بعد .
وكان الملوك الصفويّون يهتمّون بشكل خاصّ بمراسم العزاء في محرّم ، حتّى أنّهم لم يكونوا يدَعونها حتّى في الدورات العسكريّة. فيذكر لنا التاريخ أنّ الشاه عبّاس الصفوي توقّف سنة 1011 هـ . ق في يوم عاشوراء عند «ماء خطب»، وذلك خلال حربه مع جيش الأوزبك، وأقام مراسم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام . ۲
وفي محرّم عام 1013 هـ . ق حاصر الشاه عبّاس قلعة أيروان وأقام مراسم العزاء في المعسكر ليلاً، وارتفعت أصوات العويل والبكاء من المعسكر ، حتّى ظنّ سكان القلعة أنّ الأمر قد صدر بالهجوم الليلي، فبعثوا رسولاً وأعلنوا عن تسليم أنفسهم . ۳
وفي بلاط الصفويّين كان يُقرأ كتاب روضة الشهداء في أيّام محرّم وعاشوراء . ۴ وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان ملوك هذه الاُسرة يحضرون المراسم العامّة ليوم عاشوراء في
ساحة المدينة ، وكانت مواكب العزاء تمرّ من أمامهم. وكانوا يرتدون لباس العزاء . ۵ وكانوا يوقفون بعض الأملاك لإقامة مراسم العزاء أيضا.
ذكر الميرزا عبداللّه أفندي، الكاتب والمحقّق والمؤرّخ الخبير في ذلك العصر قائلاً :
منذ سنين طويلة... ومراسم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام تقام في العشرة الاُولى من محرّم وخاصّة عاشوراء، في جميع مناطق إيران . ۶
كما يؤكّد قائلاً:
لقد صارت هذه السنّة الحسنة... طيلة هذه المدّة المديدة بمثابة شعار للشيعة . ۷
وتدلّ مواقف المعارضين واتّجاهاتهم بشأن مراسم العزاء على سعة نطاق هذه المراسم. فقد ذكر الأفندي أنّهم ذكروها بعبارة «شرّ الشيعة وحماسهم في بيان التعزية في أيّام عاشوراء» . ۸
كما أنّ ممّا يجدر ذكره، قصيدة الرثاء الطويلة والعظيمة والشهيرة لمحتشم الكاشاني التي نظمها بناءً على طلب الشاه طهماسب، والتي تبدأ بما هذه ترجمته :
ما هذه الثورة والحماس اللذان نراهما في خلق العالم؟
وما هذا النواح والعزاء والمأتم؟ ۹

1.فهرست نسخه هاي خطّي فارسي (منظومه ها) (بالفارسية) لأحمد منزوي: ج ۴ ص ۲۹۳۱. أشار آقا بزرگ الطهراني أيضاً في الذريعة (ج ۹ ص ۱۱۷۹) إلى منظومة فدائي هذه باسم «سيف النبوّة ومشهد الشهداء» .

2.تاريخ عالم آراي عباسي (بالفارسية): ج ۲ ص ۶۲۷.

3.تاريخ عالم آراي عباسي (بالفارسية): ج ۲ ص ۶۵۵.

4.دستور شهرياران (بالفارسية) لمحمّد إبراهيم بن زين العابدين نصيري : ص ۳۳.

5.تاريخ وجنبة أدبي تعزية (بالفارسية): ص ۲۴ نقلاً عن رحلة نيكلاس هميوس . السفر في سنة ۱۶۳۳ م.

6.صفوية در عرصة دين، فرهنگ وسياست (بالفارسية): ج ۱ ص ۴۶۴ نقلاً عن تحفة فيروزيه : ص ۱۶۶.

7.صفوية در عرصة دين، فرهنگ وسياست (بالفارسية) : ج ۱ ص ۴۶۵ نقلاً عن تحفة فيروزيه: ص ۱۶۸.

8.صفوية در عرصة دين، فرهنگ وسياست (بالفارسية): ج ۱ ص ۴۵۷ نقلاً عن تحفة فيروزيه: ص ۱۱۲.

9.أصل البيت فارسي هو : باز اين چه شورش است كه در خلق عالم استباز اين چه نوحه وچه عزا وچه مأتم است


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
290

القرن التاسع

بدأ القرن التاسع بهجوم تيمورلنك ولم يسلم العراق والشام من هذا الهجوم أيضا. وبموت تيمور وإمساك ابنه شاهرخ بزمام الحكم، تغيّرت الأوضاع حيث صبّ اهتمامه على نشر الثقافة وإعمار المدن وسعى في إعادة بناء ما دمّره والده ، وأسّست زوجته مسجد «جوهر شاد» الفخم إلى جوار حرم الإمام الرضا عليه السلام ، وتدلّ هذه الأعمال والاتّجاهات على أنّ بعض الحرّيات النسبيّة كانت قد اُتيحت للشيعة في أداء الشعائر. وعلى أيّ حال ، فقد ظهرت في هذا القرن دولة سلالة الآقاقويونلويين في غرب إيران باُسس شيعيّة، ومن المفترض أن تكون سنّة العزاء القديمة قد تواصلت فيها أيضا . وهناك جملة من الروايات التي تروي بصراحة إقامة المآتم والعزاء في القرن التاسع ، ومن جملتها :1. تقرير السائح الروسي، نكيتين، سنة 880 هـ . ق ، عن الريّ وحركة مواكب العزاء في هذه المدينة . ۱ 2. إشارات كتاب روضة الشهداء للكاشفي، حيث يقول في مقدّمة الكتاب أنّه استند إلى كتب المقاتل، مثل: مصابيح القلوب للملّا حسن الشيعيّ السبزواري، ومقتل الشهداء لأبي المفاخر الرازي ، حيث تدلّ هذه الإشارات على «أدب التعزية» وانتشاره في ذلك العصر، كما كتب هو نفسه قائلاً :يحيي محبّو أهل البيت عليهم السلام في كلّ سنة عند حلول محرّم، مصيبة سيّد الشهداء ويقيمون العزاء على أولاد أهل بيت الرسالة ... ويكرّرون أخبار مقتل الشهداء المسطورة في الكتب . ۲ ويعدّ صاحب روضة الشهداء، من الخطباء وقرّاء المقاتل في السنوات الأخيرة من القرن التاسع، ويدلّ متن الكتاب والأشعار والمراثي المذكورة فيه على الأدب الرفيع الحسيني باللغة الفارسية في هذا القرن.ويدلّ نظم الكتاب على وجود مجالس العزاء السنويّة في عاشوراء. كما يبدو من مقدّمة الكتاب ومتنه والإشارات المدرجة فيه، وأشعار الرثاء والمراثي المذكورة فيه على أنّ عشرة محرّم كانت ممزوجة بالحداد والعزاء وقراءة المقاتل، وأنّه يبلغ العزاء والحزن ذروته في يوم عاشوراء . ۳
كلّ ذلك يدلّ على إقامة هذه السنّة القويمة في شرق العالم الإسلامي. وإنّ التعرّف على أساليب إقامة مراسم العزاء في هذا العصر، في الحلّة والكوفة وكربلاء ومدن العراق الشيعيّة الاُخرى بحاجة إلى تتبّع واسع في تضاعيف النصوص المختلفة المتبقّية من تلك البرهة الزمنية. ونحن نرى استناداً إلى ما مضى ومن خلال التأمّل في هذه الثقافة والأدب الحسيني الرفيع في هذا القرن، أنّ من المستبعد أن يخلو هذا القرن من العزاء ، ونضيف لذلك كلّه الرؤية السنّية المعتدلة والبعيدة عن العصبيّات في هذه العصور وفي تلك المناطق .

1.تاريخ و جنبة أدبي تعزية (بالفارسية) لپيتر تشكلوفسكي: ص ۱۵ ـ ۱۶ . هذا الكتاب، نصّ رسالة دكتوراه في كلّية الآداب في جامعة طهران في السنة الدراسية ۱۳۴۶ ـ ۱۳۴۷ هـ . ش .

2.روضة الشهداء (بالفارسية): ص ۱۲.

3.يقول الشيخ رسول جعفريان في نقد ودراسة كتاب روضة الشهداء: كانت تقام آنذاك وفي كلّ عام المراسم لإحياء ذكرى ثورة عاشوراء فيما وراء النهر، وقد كان ذلك قبل تأليف روضة الشهداء . ويقول في موضعٍ آخر: يعدّ كتاب روضة الشهداء وثيقة مهمّة على أنّ المجالس السنوية للعزاء في عاشوراء كانت شائعة في ذلك الزمان بشكلها البالغ الحدّة. وتدلّ هيكلية كتابه على وجود مثل هذه الثقافة. وتدلّ الأشعار المنقولة في هذا الكتاب على الأدب الفارسي الحسيني الرفيع (مجلّة آينة پژوهش (بالفارسية)، مرداد و شهريور عام ۱۳۷۴ ش ، العدد ۳۳ ص ۳۶ و ۳۷) .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج6
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1390
عدد المشاهدين : 195461
الصفحه من 430
طباعه  ارسل الي