الولادة المكرّمة في الكعبة المعظّمة - صفحه 21

الولادة المكرّمة في الكعبة المعظّمة

علي موسى الكعبي

بسم الله الرّحمن الرّحيم
بينما كان العالم يغرق في ظلام الجاهلية الجهلاء التي غطّت كلّ أفنائه بالوثنية والشرك ، بدأ الرسول الأعظم صلّى الله عليه و آله يرى آثار فضل ربّه وإكرامه، ويسمع الهتاف من السماء قبل أن يظهر له أمين الوحي جبرئيل، فكان لا يمرّ بحجرٍ ولا شجرٍ إلا سلّم عليه، وكُشِف له عن بصره ، فشاهد أنواراً قدسية وأشخاصاً نورانيين، وبانت عليه علامات وصفات، وظهرت فيه آيات بيّنات استدلّ بها بُحَيْرا الراهب على نبوّته ، وهو في طريقه الى الشام ، يصحب عمّه شيخ البطحاء أبا طالب رضي الله عنه في قافلته.
وما أن رأى النبي الأكرم صلّى الله عليه و آله تباشير الخير والرحمة، وانقطع الى عبادة ربّه وهو في ربيعه الثلاثين، شاء ت الإرادة الربانية أن يولد وصيّ النبيّ وصاحب سرّه وابن عمّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام في الكعبة المعظّمة.
 

وعام مولده العام الذي بدأت -بشائر الوحي تأتي من أعاليها
فيه الحجارة والأشجار قد هتفت-للمصطفى وهو رائيها وصاغيها
وإذ درى المصطفى فيه ولادة مو-لانا العليّ غدا بالبشر يطريها
وبات مستبشراً بالطفل قال به-لنا من النعم الزهراء ضافيها۱
وكانت تلك الولادة المباركة من خصائص أمير المؤمنين التي لم يحز فضلها أحد قبله ولا بعده على مدى التاريخ البشري، لأنّها نالت شرف الاصطفاء في خصوصية الزمان ، وتفرّدها في شرف المكان، فقد شاء ت إرادة الربّ سبحانه أن يطلّ أمير المؤمنين عليه السّلام على الدنيا في وقت إرهاصات النبوّة، ليتربّى في حجر ابن عمّه النبي الأكرم صلّى الله عليه و آله دون أن تنجّسه الجاهلية بأنجاسها، أو تلبسه من مدلهمّات ثيابها، وأن يحرز قصب السبق الى الإسلام مكرّماً وجهه عن الشرك وعبادة الأصنام.
لقد تضاعف ابتهاج النبي الأعظم صلّى الله عليه و آله بولادة أمير المؤمنين عليه السّلام وتمّت بالوليد مسرّته، فكان يلي تربيته، ويراعيه في نومه ويقظته، ويحمله على صدره وعاتقه، ويحبوه بألطافه وتحفه، ويقول: «هذا أخي وناصري، وصفيي ووصيي، وذخيرتي وكهفي» وكان يحمله ويطوف به جبال مكّة وشعابها، وأوديتها وفجاجها ۲ .
وهكذا حصل الوصيّ على شرف التربية النبوية منذ نعومة أظفاره بعيداً عن أباطيل الجاهلية، مقتدياً بمكارم أخلاق معلّمه العظيم صلّى الله عليه و آله ، ومتأثّراً بعظمة نفسه وطهره ونقاء ضميره وحُسن سيرته وسلوكه، وأشار عليه السّلام الى آثار تلك التربية الربّانية بقوله: «قد علمتم موضعي من رسول الله صلّى الله عليه و آله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد، يضمّني الى صدره، ويكنفني في

1.الأبيات من القصيدة العلوية للشاعر عبدالمسيح الأنطاكي، راجع علي وليد الكعبة الأردوبادي: ۸۰

2.إثبات الوصية / المسعودي: ۱۲۱، كنز الفوائد / الكراجكي۱: ۲۵۵.

صفحه از 62