255
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام رَأْسَهُ، فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ».
فَقَالَ: أَخْبِرْنِي كَمْ بَيْنَ عِيسى وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِنْ سَنَةٍ؟
قَالَ: «أُخْبِرُكَ بِقَوْلِي، أَوْ بِقَوْلِكَ؟»
قَالَ: أَخْبِرْنِي بِالْقَوْلَيْنِ جَمِيعا.
قَالَ: «أَمَّا فِي قَوْلِي، فَخَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ. وَأَمَّا فِي قَوْلِكَ فَسِتُّمِائَةِ سَنَةٍ».
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لِنَبِيِّهِ: «وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ»۱ ؛ مَنِ الَّذِي سَأَلَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيسى خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ؟
قَالَ: فَتَلَا أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام هذِهِ الْايَةَ: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا»۲ ؛ فَكَانَ مِنَ الْايَاتِ الَّتِي أَرَاهَا اللّهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله حَيْثُ أَسْرى بِهِ إِلى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ حَشَرَ اللّهُ ـ عَزَّ ذِكْرُهُ ـ الْأَوَّلِينَ وَالْاخِرِينَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، ثُمَّ أَمَرَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام ، فَأَذَّنَ شَفْعا، وَأَقَامَ شَفْعا، وَقَالَ فِي أَذَانِهِ: «حَيَّ عَلى خَيْرِ الْعَمَلِ»، ثُمَّ تَقَدَّمَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، فَصَلّى بِالْقَوْمِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُمْ: عَلى مَا تَشْهَدُونَ، وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟
قَالُوا: نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللّهِ، أَخَذَ عَلى ذلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا».
فَقَالَ نَافِعٌ: صَدَقْتَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقا فَفَتَقْناهُما»۳ .
قَالَ: «إِنَّ اللّهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ، وَكَانَتِ السَّمَاوَاتُ رَتْقا لَا تَمْطُرُ شَيْئا، وَكَانَتِ الْأَرْضُ رَتْقا لَا تُنْبِتُ شَيْئا، فَلَمَّا أَنْ تَابَ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلى آدَمَ عليه السلام ، أَمَرَ السَّمَاءَ فَتَقَطَّرَتْ بِالْغَمَامِ، ثُمَّ أَمَرَهَا فَأَرْخَتْ عَزَالِيَهَا، ثُمَّ أَمَرَ الْأَرْضَ فَأَنْبَتَتِ الْأَشْجَارَ، وَأَثْمَرَتِ الثِّمَارَ، وَتَفَهَّقَتْ بِالْأَنْهَارِ، فَكَانَ ذلِكَ رَتْقَهَا، وَهذَا فَتْقَهَا».

1.الزخرف (۴۳) : ۴۵ .

2.الإسراء (۱۷) : ۱ .

3.الأنبياء(۲۱) : ۳۰ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
254

وفسّر البيضاوي التقبّل في قوله تعالى : «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ»۱ بالرضا، أو التسليم، أو الاستقبال ۲ . والمشهور في كتب اللغة أنّ القبول والتقبّل مترادفان.
وكان قوله : (وطريق ربّكم) عطف على الحجّة ؛ أي يكون لكم طريق إلى ربّكم في الدُّنيا، أو طريق موصل إلى الجنّة في الآخرة .
ويحتمل كونه خبر مبتدأ محذوف ؛ أي ما قلت، أو الحجج طريق إلى ربّكم .
وقوله : (لا تصل ولاية إلى اللّه إلّا بهم) ؛ لعلّ المراد أنّه لا تقبل ولاية اللّه إلّا بولايتهم، أو لا تصل ولاية إلى اللّه إلّا إذا تعلّقت بهم .
وقوله : (أن يُكرمه ولا يعذّبه) .
قيل : الإكرام إشارة إلى إيصال أنواع الخير، ونفي التعذيب إلى دفع أنواع الشرّ . ۳

متن الحديث الثالث والتسعين

۰.عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ثَابِتِ بْنِ دِينَارٍ الثُّمَالِيِّ وَأَبِي۴مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، قَالَ:حَجَجْنَا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي السَّنَةِ الَّتِي كَانَ حَجَّ فِيهَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ مَعَهُ نَافِعٌ مَوْلى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَنَظَرَ نَافِعٌ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي رُكْنِ الْبَيْتِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ نَافِعٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنْ هذَا الَّذِي قَدْ تَدَاكَّ عَلَيْهِ النَّاسُ؟
فَقَالَ: هذَا نَبِيُّ أَهْلِ الْكُوفَةِ، هذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ.
فَقَالَ: اشْهَدْ لَاتِيَنَّهُ، فَلَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ مَسَائِلَ لَا يُجِيبُنِي فِيهَا إِلَا نَبِيٌّ، أَوِ ابْنُ نَبِيٍّ، أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ.
قَالَ: فَاذْهَبْ إِلَيْهِ، وَسَلْهُ، لَعَلَّكَ تُخْجِلُهُ. فَجَاءَ نَافِعٌ حَتَّى اتَّكَأَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ أَشْرَفَ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، إِنِّي قَرَأْتُ التَّوْرَاةَ وَالْاءِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ، وَقَدْ عَرَفْتُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَقَدْ جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ مَسَائِلَ لَا يُجِيبُ فِيهَا إِلَا نَبِيٌّ، أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ، أَوِ ابْنُ نَبِيٍّ.

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۶۶ .

2.آل عمران (۳) : ۳۷ .

3.اُنظر : تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۳۳ .

4.في الطبعة الجديدة وبعض نسخ الكافي : «وأبو» . ولايخفى أنّ أبي منصور معطوف علي أبي حمزة الثمالي، كما يُعلم ذلك أيضا من تفسيرالقمّي ، ج ۲ ، ص ۲۸۴. فتأمّل .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 154446
صفحه از 624
پرینت  ارسال به