الخوارج قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام بحقّ، فقد ارتددت، ورجعت عن مذهبك . وإن قلت : إنّ قتلهم كان باطلاً، فقد نسبت البطلان والقتل بغير حقّ إلى عليّ عليه السلام وكفرت بذلك ، وكان هذا منه عليه السلام أخذا في الاحتجاج، وأراد أن يثبت بالبرهان عليه كفره بهذه العقيدة، فلم يقف ليتمّ عليه الحجّة؛ إمّا لعلمه بأنّه عليه السلام يغلب عليه في الحجّة ويفتضح بذلك ، أو لأنّه كان لا يظهر هذا الرأي لكلّ أحد، وكان يخفيه، فخاف أن يشتهر بذلك، ويكفّره الناس . ۱
وأقول : يحتمل أن يكون غرضه عليه السلام إلزام كفره على كلّ من شقّي الترديد ؛ إمّا على الأوّل، فبالنظر إلى معتقده من تصويب الخوارج ، وإمّا على الثاني، ففي الواقع وعند عامّة المسلمين سوى الخوارج التي شقّت عصا المسلمين، وأنكرت ما هو العمدة من ضروريّات الدِّين .
وقال بعض الشارحين :
كأنّ نافعا كان يعتقد بأنّ عليّا عليه السلام كان إماما مفترض الطاعة بعد الثلاثة، وبأنّ أهل نهروان كانوا محقّين في مخالفته، فأورد عليه السلام عليه بأنّ هذين الاعتقادين متنافيان لا يجتمعان معا ؛ وذلك لأنّك إن قلت: إنّ عليّا عليه السلام قاتلهم بحقّ ارتددت بتصديقك أهل النهروان كما ارتدّوا . وإن قلت: إنّه قاتلهم باطلاً، فقد كفرت عند الاُمّة بنسبة الباطل إليه عليه السلام . انتهى . ۲
وهذا التوجيه بمعزل عن التحقيق؛ إذ لم نسمع إلى الآن أنّ ما نسب إلى نافع ذهب إليه أحد من فرق المسلمين .
متن الحديث الرابع والتسعين (حديثُ نَصْرانيِّ الشَّامِ مع الباقر عليه السلام )
۰.عَنْهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ:أَخْرَجَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ، فَأَنْزَلَ مَعَهُ، ۳
وَكَانَ يَقْعُدُ مَعَ النَّاسِ فِي مَجَالِسِهِمْ، فَبَيْنَا هُوَ قَاعِدٌ ـ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ يَسْأَلُونَهُ ـ إِذْ نَظَرَ إِلَى النَّصَارى يَدْخُلُونَ فِي جَبَلٍ هُنَاكَ، فَقَالَ: «مَا لِهؤُلَاءِ؟ أَ لَهُمْ عِيدٌ الْيَوْمَ؟»
فَقَالُوا: لَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ، وَلكِنَّهُمْ يَأْتُونَ عَالِما لَهُمْ فِي هذَا الْجَبَلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي هذَا الْيَوْمِ،