469
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

فِدَاكَ، إِنَّ أَبَاكَ حَدَّثَنِي سَبْعِينَ حَدِيثا لَمْ يَخْرُجْ مِنِّي شَيْءٌ مِنْهَا، وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا إِلى أَحَدٍ، وَأَمَرَنِي بِسَتْرِهَا، وَقَدْ ثَقُلَتْ عَلى عُنُقِي، وَضَاقَ بِهَا صَدْرِي، فَمَا تَأْمُرُنِي؟
فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، إِذَا ضَاقَ بِكَ مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ، فَاخْرُجْ إِلَى الْجَبَّانَةِ، وَاحْتَفِرْ حَفِيرَةً، ثُمَّ دَلِّ رَأْسَكَ فِيهَا، وَقُلْ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بِكَذَا وَكَذَا، ثُمَّ طُمَّهُ؛ فَإِنَّ الْأَرْضَ تَسْتُرُ عَلَيْكَ».
قَالَ جَابِرٌ: فَفَعَلْتُ ذلِكَ، فَخَفَّ عَنِّي مَا كُنْتُ أَجِدُهُ.

شرح

السند ضعيف .
وقوله : (من ذلك) أي كتمان السرّ .
وقوله : (إلى الجَبّانة) بالفتح والتشديد .
قال الجوهري : «الجبّان والجبّانة، بالتشديد: الصحراء» . ۱
وفي القاموس : «الجبّان والجبّانة، مشدّدتين: المقبرة، أو الأرض المستوية في ارتفاع» . ۲
وقوله : (واحتفر حَفيرة) .
الحفر: شقّ الأرض بحديدة ونحوها، وفعله كضرب . والحفيرَة، بالفتح: المُحتفَر، والقبر. وبالضمّ: مصغّر الحُفرة، بمعنى الحفر .
(ثمّ دَلِّ) أي أرسل .
(رأسَك فيها) .
قال الجوهري : «دَلَوتُ الدلوَ: نزعتها. وأدليتها: أرسلت بها في البئر . ودلّاه بغرور؛ أي أوقعه فيما أراد من تغريره، وهو من إدلاء الدلو» . ۳
وفي هذا الحديث دلالة على وجوب كتمان السرّ ، وعلى أنّ للأئمّة عليهم السلام علوما لا يحتملها إلّا الخواصّ من شيعتهم ، وعلى أنّ إظهاره على هذا النحو يدفع ضيق الصدر الحاصل من الكتمان .
وقوله : (ثمّ طُمّه) .
قال الجوهري : «جاء السيل فطمَّ الركيّة؛ أي دفّنها، وسوّاها . وكلّ شيء علا وغلب فقد

1.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۲۰۹۱ (جبن) .

2.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۲۰۸ (جبن) .

3.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۳۳۹ (دلو) .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
468

قال البيضاوي :
أي يستخرّ لقدرته، ولا يتأتّى عن تدبيره . أو يدلّ بذلّته على عظمة مدبّره ، ومَن يجوز أن يعمّ اُولي العقل وغيرهم على التغليب، فيكون قوله : «وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ» ؛ إفرادا لها بالذكر لشهرتها واستبعاد ذلك منها .
«وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ» ؛ عطف عليها إن جوّزنا إعمال اللفظ الواحد في كلّ واحدٍ من مفهوميه، وإسناده باعتبار أحدهما إلى أمر، وباعتبار الآخر إلى آخر؛ فإنّ تخصيص الكثير يدلّ على خصوص المعنى المسند إليهم. أو مبتدأ خبره محذوف دلّ عليه خبر قسيمة نحو: حقّ له الثواب . أو فاعل فعل مضمر؛ أي يسجد له كثير من الناس سجود طاعة . انتهى . ۱
وقيل : يحتمل أن يكون المراد بالسجود غاية التذلّل والخضوع والانقياد التي تتأتّى من كلّ شيء بحسب قابليّته ، ويكون المراد بقوله تعالى: «مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» الملائكة المسخّرين في الأوامر التكوينيّة، والمطيعين في الأوامر التكليفيّة، ولمّا لم يتأتَّ من الشمس والقمر وأمثالهما سوى الانقياد في الأوامر التكوينيّة، فتلك أيضا في غاية الانقياد ، وأمّا الناس فلمّا كانوا قابلين للأوامر التكليفيّة، فالعاملون منهم لما لم يحصل منهم غاية ما يمكن فيهم من الانقياد في الأمرين باعتبار عدم الانقياد في الأمر التكليفي، أخرجهم عن ذلك ، وقال : «وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ» . واللّه يعلم . ۲

متن الحديث التاسع والأربعين والمائة

۰.عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ:حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام سَبْعِينَ حَدِيثا لَمْ أُحَدِّثْ بِهَا أَحَدا قَطُّ، وَلَا أُحَدِّثُ بِهَا أَحَدا أَبَدا؛ فَلَمَّا مَضى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام ثَقُلَتْ عَلى عُنُقِي، وَضَاقَ بِهَا صَدْرِي، فَأَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ

1.تفسير البيضاوي ، ج ۴ ، ص ۱۱۹ .

2.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۶ ، ص ۱۶ و ۱۷ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 153335
صفحه از 624
پرینت  ارسال به