525
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ «بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»۱ ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَكُمْ بِدَارٍ وَلَا قَرَارٍ؛ إِنَّمَا أَنْتُمْ فِيهَا كَرَكْبٍ عَرَّسُوا، فَأَنَاخُوا، ثُمَّ اسْتَقَلُّوا، فَغَدَوْا، وَرَاحُوا؛ دَخَلُوا خِفَافا، وَرَاحُوا خِفَافا، لَمْ يَجِدُوا عَنْ مُضِيٍّ نُزُوعا، وَلَا إِلَى مَا تَرَكُوا رُجُوعا، جُدَّ بِهِمْ، فَجَدُّوا، وَرَكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا، فَمَا اسْتَعَدُّوا حَتّى إِذَا أُخِذَ بِكَظَمِهِمْ، وَخَلَصُوا إِلى دَارِ قَوْمٍ جَفَّتْ أَقْلَامُهُمْ، لَمْ يَبْقَ مِنْ أَكْثَرِهِمْ خَبَرٌ، وَلَا أَثَرٌ.
قَلَّ فِي الدُّنْيَا لَبْثُهُمْ، وَعُجِّلَ إِلَى الْاخِرَةِ بَعْثُهُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ حُلُولاً فِي دِيَارِهِمْ، ظَاعِنِينَ عَلى آثَارِهِمْ وَالْمَطَايَا بِكُمْ، تَسِيرُ سَيْرا مَا فِيهِ أَيْنٌ وَلَا تَفْتِيرٌ ، نَهَارُكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ دَؤُوبٌ، وَلَيْلُكُمْ بِأَرْوَاحِكُمْ ذَهُوبٌ، فَأَصْبَحْتُمْ تَحْكُونَ مِنْ حَالِهِمْ حَالاً، وَتَحْتَذُونَ مِنْ مَسْلَكِهِمْ مِثَالاً.
فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ فِيهَا سَفْرٌ حُلُولٌ ، الْمَوْتُ بِكُمْ نُزُولٌ ، تَنْتَضِلُ فِيكُمْ مَنَايَاهُ، وَتَمْضِي بِأَخْبَارِكُمْ مَطَايَاهُ إِلى دَارِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ، فَرَحِمَ اللّهُ امْرَأً رَاقَبَ رَبَّهُ، وَتَنَكَّبَ ذَنْبَهُ، ۲ وَكَابَرَ هَوَاهُ، وَكَذَّبَ مُنَاهُ، امْرَأً زَمَّ نَفْسَهُ مِنَ التَّقْوى بِزِمَامٍ، وَأَلْجَمَهَا مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهَا بِلِجَامٍ، فَقَادَهَا إِلَى الطَّاعَةِ بِزِمَامِهَا، وَقَدَعَهَا عَنِ الْمَعْصِيَةِ بِلِجَامِهَا، رَافِعا إِلَى الْمَعَادِ طَرْفَهُ، مُتَوَقِّعا فِي كُلِّ أَوَانٍ حَتْفَهُ؛ دَائِمَ الْفِكْرِ، طَوِيلَ السَّهَرِ، عَزُوفا عَنِ الدُّنْيَا، سَأَما كَدُوحا لآِخِرَتِهِ مُتَحَافِظا؛ امْرَأً جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ، وَالتَّقْوى عُدَّةَ وَفَاتِهِ، وَدَوَاءَ أَجْوَائِهِ، فَاعْتَبَرَ، وَقَاسَ، وَتَرَكَ الدُّنْيَا وَالنَّاسَ، يَتَعَلَّمُ لِلتَّفَقُّهِ وَالسَّدَادِ، وَقَدْ وَقَّرَ قَلْبَهُ ذِكْرُ الْمَعَادِ، وَطَوى مِهَادَهُ، وَهَجَرَ وِسَادَهُ، مُنْتَصِبٌ عَلى أَطْرَافِهِ، دَاخِلٌ فِي أَعْطَافِهِ، خَاشِعا لِلّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يُرَاوِحُ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ، خَشُوعٌ فِي السِّرِّ لِرَبِّهِ؛ لَدَمْعُهُ صَبِيبٌ، وَلَقَلْبُهُ وَجِيبٌ؛ شَدِيدَةٌ أَسْبَالُهُ، تَرْتَعِدُ مِنْ خَوْفِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْصَالُهُ ، قَدْ عَظُمَتْ فِيمَا عِنْدَ اللّهِ رَغْبَتُهُ، وَاشْتَدَّتْ مِنْهُ رَهْبَتُهُ ، رَاضِيا بِالْكَفَافِ مِنْ أَمْرِهِ، يُظْهِرُ دُونَ مَا يَكْتُمُ، وَيَكْتَفِي بِأَقَلَّ مِمَّا يَعْلَمُ ؛ أُولئِكَ وَدَائِعُ اللّهِ فِي بِلَادِهِ، الْمَدْفُوعُ بِهِمْ عَنْ عِبَادِهِ، لَوْ أَقْسَمَ أَحَدُهُمْ عَلَى اللّهِ ـ جَلَّ ذِكْرُهُ ـ لَأَبَرَّهُ، أَوْ دَعَا عَلى أَحَدٍ نَصَرَهُ اللّهُ، يَسْمَعُ إِذَا نَاجَاهُ، وَيَسْتَجِيبُ لَهُ إِذَا دَعَاهُ، جَعَلَ اللّهُ الْعَاقِبَةَ لِلتَّقْوى، وَالْجَنَّةَ لأهْلِهَا مَأْوًى، دُعَاؤُهُمْ فِيهَا أَحْسَنُ الدُّعَاءِ: «سُبْحَانَكَ اللّهُمَّ»، دَعَاهُمُ الْمَوْلى عَلى مَا آتَاهُمْ، وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».

1.التوبة (۹) : ۳۳ ؛ الصفّ (۶۱) : ۹ .

2.في الحاشية عن بعض النسخ: «دينه».


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
524

(فإنّك لن تُعدم) إلى آخره .
فيه إيماء إلى أنّ المشكو إليه ينبغي أن يكون ممّن يُرجى به الإتيان بإحدى تلك الخصال .
في القاموس : «العُدم، بالضمّ، وبضمّتين، وبالتحريك: الفقدان . عَدِمه ـ كعلمه ـ وأعدمه اللّه ، وأعدمني الشيء: لم أجده» . ۱
وفي الصحاح: «يُقال : ما يعدمني هذا الأمرُ؛ أي ما يعدوني» . ۲
وقوله : (بجاه) أي قدر ومنزلة .
وقوله : (أو دعوة تُستجاب) أي دَعا لك، فيستجيب اللّه دعاءه، وقضى حاجتك .
(أو مَشُورةٍ برأي) أي تنتفع برأيه حتّى شاورته .

متن الحديث الثالث والتسعين والمائة (خُطْبَةٌ لأمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام )

۰.عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُؤَدِّبُ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ:
الْحَمْدُ لِلّهِ الْخَافِضِ الرَّافِعِ، الضَّارِّ النَّافِعِ، الْجَوَادِ الْوَاسِعِ، الْجَلِيلِ ثَنَاؤُهُ، الصَّادِقَةِ أَسْمَاؤُهُ، الْمُحِيطِ بِالْغُيُوبِ، وَمَا يَخْطُرُ عَلَى الْقُلُوبِ، الَّذِي جَعَلَ الْمَوْتَ بَيْنَ خَلْقِهِ عَدْلاً، وَأَنْعَمَ بِالْحَيَاةِ عَلَيْهِمْ فَضْلاً، فَأَحْيَا، وَأَمَاتَ، وَقَدَّرَ الْأَقْوَاتَ أَحْكَمَهَا بِعِلْمِهِ تَقْدِيرا، فَأَتْقَنَهَا ۳ بِحِكْمَتِهِ تَدْبِيرا، ۴ إِنَّهُ كَانَ خَبِيرا بَصِيرا.
هُوَ الدَّائِمُ بِلَا فَنَاءٍ، وَالْبَاقِي إِلى غَيْرِ مُنْتَهًى، يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْضِ وَمَا فِي السَّمَاءِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرى، أَحْمَدُهُ بِخَالِصِ حَمْدِهِ الْمَخْزُونِ بِمَا حَمِدَهُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ، حَمْدا لَا يُحْصَى لَهُ عَدَدٌ، وَلَا يَتَقَدَّمُهُ أَمَدٌ، وَلَا يَأْتِي بِمِثْلِهِ أَحَدٌ، أُومِنُ بِهِ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَسْتَهْدِيهِ، وَأَسْتَكْفِيهِ، وَأَسْتَقْضِيهِ بِخَيْرٍ، وَأَسْتَرْضِيهِ.

1.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۴۸ (عدم) .

2.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۱۹۸۳ (عدم) .

3.في الطبعة القديمة : «وأتقنها» .

4.في الحاشية عن بعض النسخ: «تقديرا».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 153283
صفحه از 624
پرینت  ارسال به