469
شرح فروع الکافي ج3

باب نادر

الغرض منه بيان جواز صرف الزكاة فيمن تجب نفقته على المعطي من سهم الرِّقاب والغارمين، وفي حكمه سهام من لا يعتبر فيه الفقر كما مرّ.

باب الزكاة تبعث من بلدٍ إلى بلد أو تدفع إلى من يقسّمها فتضيع

فيه مسألتان:
الاُولى: المشهور بين الأصحاب منهم الشيخان ۱
والشهيد في اللمعة ۲ والعلّامة في القواعد ۳ عدم جواز نقل الزكاة من بلد المال مع وجود المستحقّ فيه، فيأثم ويضمن لو نقلها كذلك، ولكن يجزي اتّفاقاً.
وبه قال مالك وسعيد بن جبير وجماعة اُخرى من العامّة، منهم أحمد في إحدى الروايتين عنه، وفي الرواية الاُخرى قال: لا تجزي على تقدير النقل والدفع إلى المستحقّ في بلد آخر. ۴
ويفهم من كلام الشهيد تحقّق القول بعدم الإثم مع القول بعدم الجواز، حيث قال: «ولا يجوز نقلها عن بلد المال إلّا مع إعواز المستحقّ، فيضمن لا معه، وفي الإثم قولان». ۵
وهو غريب، وربّما وجّه ذلك بأنّ عدم جواز النقل لا ينافي عدم الإثم، فإنّ الإثم قد يرتفع بالضمان والإخراج، ۶ ونظيره الكفّارة، وهو أغرب.
وقال الشيخ بالجواز مع الضمان، ۷ وبعضهم بالكراهة مع الضمان، ۸ واختاره العلّامة في المختلف ۹ والمنتهى، ۱۰ وقيل بالجواز وعدم الضمان، وقوّاه الشهيد في الدروس. ۱۱ والقول بالجواز مع الضمان قويّ؛ لإطلاق الآية والأخبار الواردة في بيان المصرف من غير تقييد ببلد المال، وظهور حسن ابن أبي عمير ۱۲ في ذلك.
ويؤيّدها أصالة براءة الذمّة من إيجاب التفرقة في البلد وتحريم النقل عنه، فلا يعدل عنه إلّا لدليل راجح.
ويدلّ عليه أيضاً عموم أكثر الأخبار المذكورة في الباب والدالّة على جواز النقل من غير تخصيص بصورة إعواز المستحقّ فيه.
وما رواه الشيخ عن أحمد بن حمزة، قال: سألت أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها في إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ فقال: «نعم». ۱۳
ويؤيّدها ما سبق من إرسال عليّ عليه السلام الصدقات من اليمن إلى المدينة؛ لبعد إعواز المستحقّ فيه.
ولكن الأفضل أن لا يبعث إلّا بعض منها؛ لرواية درست بن أبي منصور، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال: في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير[بلد]ه، فقال: «لا بأس] أن يبعث بالثلث أو الربع ـ شكّ أبو أحمد]». ۱۴
وأبو أحمد فيه كنية ابن أبي عمير.
بل لا يبعد القول بوجوب النقل وعدم ضمانه مع الإعواز؛ للأمر به، فلما رواه الشيخ عن يعقوب بن شعيب الحدّاد، عن العبد الصالح عليه السلام قال: قلت له: الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: «يضعها في إخوانه وأهل ولايته»، فقلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: «يبعث بها إليهم»، قلت: فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال: «يدفعها إلى من لا ينصب»، قلت: فغيرهم؟ قال: «ما لغيرهم إلّا الحجر». ۱۵
ولعلّ المراد بالأرض المنقطعة: المنقطعة عن بلاد الإسلام.
واحتجّ المانعين بأنّ فيه تغريراً بالمال وتعريضاً لإتلافها مع إمكان إيصالها إلى المستحقّ فيكون حراماً، يندفع بجبران الضمان.
وربّما استدلّوا عليه بما دلّ على الضمان، ولا يخفى ما فيه، فإنّ الضمان لا ينافي الجواز وقد عرفت أنّه قد قال به بعض الأصحاب.
على أنّه لا يبعد حمل الضمان أيضاً على استحباب الإعادة وعدم وجوبها كما قوّاه الشهيد قدس سره.
ويدلّ عليه صحيحة أبي بصير، ۱۶ وعن زرارة، ۱۷ ورواية وهيب بن حفص. ۱۸
ويؤيّده نفي الضمان عنه في حسنة بكير بن أعين ۱۹ مع إطلاق البعث فيها. ولا يجوز الاحتجاج عليه بصحيحة الحلبي الدالّة على عدم حليّة صدقة المهاجرين للأعراب ولا بالعكس ۲۰ ؛ لأنّ ذلك ليس للنقل بل لعدم المجانسة، وظاهرها أنّه لو احتاج إلى النقل لتحصيل المجانسة لزمه، وحمل ذلك على الاستحباب.
واحتجّ مالك وأضرابه على عدم الجواز بما نقلوا أنّ معاذاً بعث الصدقات من اليمن إلى عمر، فأنكر ذلك عمر، وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردّ في فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه منّي. ۲۱
الثانية: يدلّ بعض أخبار الباب على جواز عزل المالك الزكاة من ماله وتعيّنها بذلك، ويدلّ عليه أيضاً ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسّم ويبقى بعض يلتمس له الموضع، فيكون بين أوّله وآخره ثلاثة أشهر؟ قال: «لا بأس». ۲۲
وبه صرّح العلّامة في المنتهى من غير نقل خلاف فيه، قال:
ويجوز للمالك عزل الزكاة بنفسه وتعيينها وإفرادها من دون إذن الساعي؛ لأنّ له ولاية الإخراج بنفسه، فيكون له ولاية التعيين قطعاً، ولأنّ الساعي يجبر المالك في إخراج أيّ فرد شاء من أفراد الواجب، ولأنّه أمين على حفظها؛ إذ الزكاة تجب في العين فيكون أميناً على تعيينها وافرازها، ولأنّ له دفع القيمة وتملّك العين، فله إفرازها، ولأنّ منعه من افرازها يقتضي منعه من التصرّف في النصاب، وذلك ضرر عظيم، ولأنّ له دفع أيّ قيمة شاء، فيتخيّر في الأصل. ۲۳
بل صرّح جماعة باستحبابه مع عدم وجود المستحقّ، منهم المحقّق في الشرائع، قال: «إذا لم يجد المالك لها مستحقّاً فالأفضل له عزلها»، ۲۴ ومثله ما لو انتظر سائلاً.
ويدلّ عليه الأمر به فيما رواه الشيخ في الموثّق عن يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : زكاتي تحلّ عليَّ شهراً، فيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني مَن يسألني يكون عندي عدّة؟ فقال: «إذا حال الحول فاخرجها من مالك ولا تخلطها بشيء، واعطها كيف شئت». قال: قلت: فإن أنا كتبتها وأثبتّها يستقيم؟ قال: «نعم، لا يضرّك». ۲۵
ويتفرّع على ذلك سقوط الزكاة [؟] من غير تفريط، وهو مدلول ما اُشير إليه من الأخبار، والظاهر أنّه لم يختلف الأصحاب في ذلك وإن اختلفوا في صورة النقل.
وفي المنتهى:
لو أخرجها عن ملكه ولم يسلّمها إلى الفقير ولا إلى الساعي مع المكنة ضمن بالتأخير؛ لأنّا قد بيّنا وجوب الإخراج إلى الفقير على الفور، ولو أخرجها عن ملكه ولم يجد الساعي ولا الفقير فتلفت من غير تفريط سقطت عنه. وبه قال مالك.
وقال الشافعي: إذا لم يفرّط في الإخراج ولا في حفظ المخرج رجع إليه ماله، فإن كان الباقي نصاباً أخرج الزكاة، وإلّا فلا.
وقال أحمد: لا تسقط الزكاة مطلقاً. وبه قال الثوري والزهري وحمّاد.
وقال أبو حنيفة: يزكّي ما بقي إلّا أن ينقص عن النصاب فيسقط الزكاة، فرّط أو لم يفرّط. ۲۶
لنا: أنّها تعيّنت زكاة بتعيين المالك، وسقطت الزكاة عن المال بالتعيّن على ما تقدّم، فإذا بلغت لم تضمن كالوديعة، أمّا مع التفريط أو في الإخراج فإنّه يضمن كالوديعة إذا فرّط في حفظها أو منع من الدفع مع المطالبة وإمكانه.
احتجّ المخالف بأنّها حقّ على ربّ المال تلف قبل وصوله إلى مستحقّه، فيضمن.
والجواب المنع من ثبوتها في الذمّة على ما سلف. ۲۷
ويتفرّع أيضاً عليه بكون نماء المخرج لأرباب الزكاة، فإنّه نماء مالهم، فيكون لهم، متّصلاً كان النماء أو منفصلاً.
وفي الدروس أنّه للمالك، ۲۸ وهو كما ترى.

1.ذهب إليه المفيد في المقنعة ،ص ۲۴۰ ؛ والطوسي في الخلاف ، ج۲ ، ص ۲۸ ، المسألة ۲۶؛ وج ۴ ، ص ۲۲۸ ، المسألة ۸ ؛ والمبسوط ، ج۱ ، ص ۲۴۵.

2.اللمعة الدمشقيّة ، ص ۴۲ ـ ۴۳؛ شرح اللمعة ، ج۲ ، ص۳۹.

3.قواعد الأحكام ، ج۱ ، ص ۳۵۳. و مثله في إرشاد الأذهان ، ج۱ ، ص ۲۹۱.

4.اُنظر: الخلاف ، ج ۴ ، ص ۲۳۸ ، المسألة ۸ ؛ المنتهى ، ج۱ ، ص ۵۲۹ ؛ المغني لابن قدامة ، ج۲ ، ص ۵۳۱ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج۲ ، ص ۶۷۹ ؛ عمدة القاري ، ج۹ ، ص ۹۲.

5.اللعمة الدمشقيّة ، ص ۴۳.

6.اُنظر: مجمع الفائدة والبرهان ، ج۴ ، ص ۲۱۰ ـ ۲۱۱.

7.الاقتصاد ، ص ۲۷۹.

8.الوسيلة لابن حمزة ، ص ۱۳۰.

9.مختلف الشيعة ، ج۳ ، ص ۲۴۷.

10.منتهى المطلب ، ج۱ ، ص ۵۲۹ .

11.الدروس الشرعيّة ، ج۱ ، ص ۲۴۶ ، الدرس ۶۶ . و كلامه صريح في الجواز مع الضمان إلّامع عدم المستحقّ فلا ضمان.

12.الظاهر أنّ مراده هو الحديث السابع من هذا الباب ، و هذا الحديث رواه ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبداللّه عليه السلام .

13.تهذيب الأحكام ، ج۴ ، ص ۴۶ ، ح ۱۲۲؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۲۸۳ ـ ۲۸۴ ، ح۱۲۰۲۹.

14.هذا هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ الفقيه ، ج۲ ، ص ۳۱ ، ح ۱۶۲۰؛ تهذيب الأحكام ، ج۴ ، ص ۴۶ ، ح ۱۲۰؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۲۸۳ ، ح۱۲۰۲۷. و ما بين الحاصرات من المصادر.

15.تهذيب الأحكام ، ج۴ ، ص ۴۶ ، ح ۱۲۱؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۲۲۳ ، ح۱۱۸۸۶.

16.هو الحديث الثاني من هذا الباب.

17.هو الحديث الرابع من هذا الباب.

18.هو الحديث التاسع من هذا الباب.

19.هو الحديث الخامس من هذا الباب.

20.هو الحديث العاشر من هذا الباب.

21.المغني لابن قدامة ، ج۲ ، ص ۵۳۱ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج ۲ ، ص۶۸۰ ؛ كشّاف القناع للبهوتي؛ ج ۱ ، ص ۳۰۴؛ كنزالعمّال ، ج ۶ ، ص ۵۴۷ ، ح ۱۶۸۸۸ ، كلّهم عن أبي عبيد في الأموال.

22.تهذيب الأحكام ، ج۴ ، ص ۴۵ ، ح۱۱۸ ؛ ورواه الكليني في الكافي ، باب أوقات الزكاة ، ح ۷؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۳۰۸ ـ ۳۰۹ ، ح۱۲۰۹۱.

23.منتهى المطلب ، ج۱ ، ص ۵۱۱ .

24.شرائع الإسلام ، ج۱ ، ص ۱۲۵.

25.تهذيب الأحكام ، ج۴ ، ص ۴۵ ـ ۴۶ ، ح ۱۹۹. و رواه الكيني في باب أوقات الزكاة ، ح ۳؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۳۰۷ ، ح ۱۲۰۸۸.

26.اُنظر: المغني لابن قدامة ، ج ۲ ، ص ۵۴۲ ـ ۵۴۳ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج۲ ، ص ۶۶۹ ؛ المجموع للنووي ، ج۵ ، ص ۳۷۷.

27.منتهى المطلب ، ج۱ ، ص ۵۱۱ .

28.الدروس الشرعيّة ، ج۱ ، ص ۲۴۷ ، الدرس ۶۷ ، و عنه في مسالك الأفهام ، ج ۱ ، ص ۴۳۰؛ مدارك الأحكام ، ج۵ ، ص ۲۷۵.


شرح فروع الکافي ج3
468
  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 162145
صفحه از 550
پرینت  ارسال به