107
العقد النّضيد و الدّر الفريد

الحديث الخامس والثمانون

۰.عن عبد اللّه بن عمرو بن . . .الخزاعي رحمه الله عن هند بنت الجون الخزاعيّة قالت :.
لمّا نزل بنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ـ لخيمة خالتها ـ أُمِّ معبد الخزاعيّة ـ هو وأصحابه ، فكان من أمره في الشاة ما قد علمه الناس ، فقال ۱ في الخيمة هو وأصحابه حتّى أبردوا ۲ ، وكان يوما قائظا شديدا حرُّه .
فلمّا قام من رقدته دعا بماءٍ ، فغسل يديه [ فأنقاهما ] ، ثمّ تمضمض بماء ۳ ومجّه على عوسجة ۴ كانت إلى جنب خيمة خالية ثلاث مرّاتٍ ، واستنشق ثلاث مرّات ، ثمّ غسل وجهه وذراعيه (ثمّ مسح برأسه مرّة واحدة ، ثمّ غسل رجليه ظاهرهما و باطنهما ، و ذلك قبل أن تنزل المائدة ، قالت : و اللّه ما عاينت أحدا فعل ذلك قبله) ۵ ، ثمّ فعل من كان معه من أصحابه مثل ذلك ، ثمّ قام و صلّى ركعتين ـ فعجبت أنا و فتيات الحيِّ من العرب من ذلك ، و ما كان عهدنا بالصلاة و لا رأيت مصلّيا قبله ـ ثمّ ارتحل .
فلمّا كان في غدٍ أصبحنا وقد علت العوسجة حتّى صارت كأعظم دوحة عالية رأيتها ، وقد أخضرّ شوكها وساخت عروقها ، وكثرت أفنانها واخضرَّ ورقها ، ثمّ أثمرت بعد ذلك وأينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق ورائحة العنبر وطعم الشهد ، فواللّه ما أكل منها جائع إلاّ شبع ، [ ولا ظمآن إلاّ روي، ولا سقيم إلاّ برأ ، ولا ذو حاجة وفاقة إلاّ استغنى ] ۶ ، ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة ولا ناقة إلاّ درّ لبنها ، فرأينا البركة والنموَّ [ في أموالنا ] منذ يوم نزل بنا رسول اللّه ، وأخصبت بلادنا وأمرعت ۷ .
فكنّا نسمِّي تلك الشجرة : «المباركة» ، وكان يأتينا من حولنا من أهل البوادي يستشفون بها ، ويتزوَّدون من ورقها في الأسفار ، ويحملون معهم في الأرض القفار ، فيقوم لهم مقام الطعام والشرب .
فلم نزل كذلك وعلى ذلك حتّى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمارها واصفرَّ ورقها ، فأحزننا ذلك وفزعنا له ۸ ، فما كان إلاّ قليل حتّى جاءنا نعي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فإذا هو قد قبض في ذلك اليوم!! فكانت بعد ذلك تثمر ثمرا دون ذلك في العِظَم والطعم والرائحة ، فأقامت ذلك [ نحو ] ثلاثين سنة ، فلمّا كانت ذات يوم أصبحنا فإذا بها قد تشوّكت من أوّلها إلى آخرها ، وذهبت نضارة عيدآنها، وتساقطت جميع ثمراتها ، فما كان إلاّ يسير حتّى وافانا خبر مقتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام!!
فما أثمرت بعد ذلك لا قليلاً ولا كثيرا ، وانقطع ثمرها ، فلم نزل نحن ومن حولنا نأخذ من ورقها ونداوي به مرضانا ونستشفي به من أسقامنا ، فدامت على ذلك برهة ومدّة طويلة ، فأصبحنا ذات يوم فإذا بها قد انبعث من ساقها دما عبيطا يجري وأوراقها ذابلة تقطر ماءً ۹ كماءِ اللّحم!!!
فقلنا: حدثت حادثة عظيمة ، فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقّع الداهية ، فلمّا أظلم الليل علينا سمعنا بكاءً و عويلاً من تحتها و جلبةً شديدة و رجّةً ، و سمعنا صوت باكية تقول :
يا بن النبيّ ويا بن الوصيّ وابن البتول ويا بقيّة السادات الأكرمينا۱۰
ثمّ كثرت الرنّات والأصوات ، فلم نفهم كثيرا ممّا كانوا يقولون ، فأتانا بعد ذلك مقتل حسين بن علي عليهماالسلام ، فَيَبُسَتِ الشَجَرَةُ وجفَّت ، فكسرتها الرّياح والأمطار ، فذهبت واندرس أثرها .
قال أبو محمّد عبد اللّه بن عمر ۱۱ : فلقيت دعبل بن عليّ الخزاعي بمدينة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم فحدّثتُه بهذا الحديث فلم ينكره ، وقال دعبل بن عليّ : حدّثني أبي عن أبيه عن جدّي عن أُمّه سعدى ۱۲ بنت مالك الخزاعي أنّها أدركت تلك الشجرة فأكلت
من ثمرها على عهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وأنّها سمعت في تلك الليلة نوح الجنّ ، فحفظت من قول جنّيةٍ منهنَّ هذهِ الأشعار :
يابن الشهيد ويا شهيدا عمّه خير العمومة جعفرُ الطيّار
عجبا لمصقول أصابك حدُّه في الوجه منك وقد علاهُ غبارُ
قال دعبل بن عليّ : فقلت في قصيدة لي وأخذت ذلك منها وهي :
زُر خير قبر بالعراق يزارواعصِ الحمار فمن نهاك حمارُ
لم لا أَزورك يا حسين لك الفداقَومي ومَنْ عَطَفت عليه نزارُ
ولك المودّة من قلوب ذوي النهىوعلى عدوّك مقتة ودمار
يابن الشهيد ويا شهيدا عمُّهُخير العمومة جعفر الطيّار۱۳
داروا اليدين إليك وجه مشرقحتّى رماك بسهمه المقدار
لم يؤمنوا بأبيك يابن محمّدوعلى القبيح من الرزية داروا
كسبوا المأثم في الحياة وسبّةوإلى أليم عذاب ربِّك صاروا
وإلى الجليل سما بروحك طائرٌوإلى الجنان تحفّك الأبرار
ولقد لقيت وكنت أكرم صابرصبروا وحولك عسكرٌ جرّار
في فتية لا يبلغون هنيدة في العذر لو طلبوا النجاة لجاروا
وذوو أبيك ذوو بصائر حولهم صرعى كأنّ وجوههم أقمار
عجبا لمصقولٍ أصابك حرّهفي الوجه منك وقد علاه غبار
. . . . . . . تـفديك بين حـرائر يا دين جدّك والدموع غرار
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . ..والسيف منك وعفت به الأوتار۱۴

1.من القيلولة.

2.في مقتل الخوارزمي والبحار : «أبرد».

3.في البحار : «ثمّ مضمض فاه».

4.العوسج : من شجر الشوك له جناة حمراء ويكون غالبا في السباخ ، الواحدة عوسجة.

5.كذا في النسخة ومقتل الحسين ، وفي البحار : «ثمّ مسح برأسه ورجليه ، وقال : لهذه العوسجة شأن».

6.الزيادة من مقتل الحسين والبحار.

7.يقال : أمرع المكان : أي أخصب .

8.في البحار : «وفرقنا له».

9.في مقتل الحسين والبحار : «دما».

10.في مقتل الحسين والبحار : «أيا بن النبيّ ويا بن الوصي ويا من بقيّة ساداتنا الأكرمينا».

11.في مقتل الحسين والبحار : «قال : عبد اللّه بن محمّد الأنصاري».

12.في البحار : «سعيدة».

13.إلى هنا رواه الخوارزمي في مقتل الحسين ۲ : ۹۸ : الفصل الثاني عشر في بيان عقوبة قاتل الحسين عليه السلام.

14.وأخرج نحوه المجلسي في بحار الأنوار ۴۵ : ۲۳۳ ، ح ۱ باب نوح الجنّ عليه عن بعض كتب المناقب.


العقد النّضيد و الدّر الفريد
106

الحديث الرابع والثمانون

۰.عن محمّد بن أحمد عن جدّه علي قال :. كان المتوكّل أحضر رجلاً يعمل الشعبذة ، فقال للفتح بن خاقان : أرسِل إلى أبي الحسن علي العسكري فأحضِره فإنّه سيمضي لنا معه يوم طيّب ، فأرسل إلى عليّ بن محمّد بن الرضا عليه السلام ، فلمّا حضر قال له الفتح : إنّ ابن عمّك يسألك أن تقيم عنده اليوم حتّى تتغذّى معه ويفرح بك.
فقال عليه السلام : «أُحبّ أن يعفيني » قال : لا يحسن هذا ولا يجوز .
فأقام أبو الحسن ، وخرج المتوكّل فجلس في مجلسه ، ودعا بطعامٍ وشراب ، ووسّد عليَّ [ ابن ]الرضا مِخَدَّةً ميسانيةً عليها صورة سبع ، وصاحب الشعبذة قائم ، فلمّا ضرب أبو الحسن يده إلى رقاقة تكلّم صاحب الشعبذة بكلام فطارت
الرقاقة من يد ابن الرضا عليه السلام ، فلحظه بمؤخّر عينه وأمسك ، ثمّ ضرب بيده إلى رقاقة ثانية ففعل بها المشعبذ مثل ما فعل في الأُولى فطارت من يد ابن الرضا عليه السلام ، فلحظه بمؤخّر عينيه وأمسك ، ثمّ ضرب بيده إلى رقاقة ثالثة ففعل المشعبذ فيها مثل ما فعل فطارت الرقاقة من يد ابن الرضا عليه السلام ؛ فضرب أبو الحسن علي عليه السلام بيده إلى الأسد المنسوخ على المخدّة وقال : «خُذْهُ!» فوثب الأسد في صورة أسد حيٍّ فابتلع المشعبذ وعاد في المخدّة كما كان !! وتحيّر من كان هناك من غلمان المتوكّل وغيرهم ، ونال المتوكل من الرعدة أمر عظيم ، وبادر فدخل من ذلك المكان إلى حجرة ودعا بالفتح بن خاقان وقال له : قل لابن عمِّي : قد وقع منّا خطأٌ فأُحبُّ أن تردّ الرجل؟ فقال الفتح لعليٍّ عليه السلامذلك .
فقال له : « قَدْ كنْتُ كارها للمُقام فأبيتم ، فقل له : إن كانت عصا موسى عليه السلامردَّتْ ما تلقف ، فسنردُّ هذه» .
فدخل الفتح إلى المتوكّل وأعاد عليه القول ، فقال له : اصرفه ، فخرج الفتح إلى أبي الحسن فقال : يا سيّدي ، إذا شئت فقم ، فقام وانصرف إلى منزله ۱ .

1.أورد نحوه المجلسي في بحار الأنوار ۵۰ : ۱۴۶/۳۰ عن الخرائج والجرائح ، وج ۵۰ : ۲۱۱/۲۴ عن مشارق أنوار اليقين ، ص ۹۹ الفصل الثاني عشر .

  • نام منبع :
    العقد النّضيد و الدّر الفريد
    سایر پدیدآورندگان :
    الناطقي، علي اوسط
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1381
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 22370
صفحه از 243
پرینت  ارسال به