74
كتابه عليه السلام إلى معاوية
۰.قال ابن قُتَيْبَة في الإمامة والسِّياسة ، بعد نقله كتاب معاوية الآتي : فأجابه علي ّ :« أمَّا بعدُ ، فَقدِّرِ الأُمورَ تَقديرَ مَن يَنظُرُ لِنَفسِهِ دُونَ جُندٍ ، ولا يشْتَغِلُ بالهَزْلِ مِن قَولِهِ ، فلعَمري لَئِنْ كانَت قُوَّتي بأَهلِ العِراقِ ، أوْثَقُ عِندي مِن قُوَّتي باللّه ِ ومَعرِفَتي بهِ ، فلَيسَ عِندَهُ باللّه ِ تَعالَى يَقينٌ مَنْ كانَ علَى هذا . فناجِ نفسَكَ مُناجاةَ مَنْ يَستَغنِي بالجِدِّ دُونَ الهَزْلِ ، فإنَّ في القَول سِعَةً ، ولَن يُعذَرَ مِثلُكَ فيما طَمَحَ إليهِ الرِّجالُ .
وأمَّا ما ذَكرتَ مِن أنَّا كُنَّا وإيَّاكُم يَدا جامِعَةً ، فَكُنَّا كَما ذَكَرْتَ ، فَفرَّقُ بيننا وبَينَكُم أنَّ اللّه َ بَعَثَ رَسُولَه مِنَّا ، فآمنَّا به وكَفَرتُم .
ثُمَّ زَعمْتَ أنِّي قَتلتُ طَلْحَة َ والزُّبَيْرَ ، فَذلِكَ أمرٌ غِبتَ عَنهُ ولم تَحضَرْهُ ، ولو حَضَرْتَهُ لَعِلمتَهُ ، فلا عَليكَ ، ولا العذرُ فيهِ إليكَ ، وزَعَمْتَ أنَّكَ زائرِي في المُهاجرينَ ، وقَدِ انقطَعَتِ الهِجرَةُ حينَ أُسِرَ أخوكَ ، فإنْ يكُ فِيكَ عَجَلٌ فاستَرفِه ۱ ، وإنْ أزرك فجديرٌ أنْ يكونَ اللّه ُ بَعثنِي عَليكَ للنَقِمَةِ مِنكَ ، والسَّلامُ . »
[ نصّ كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، والَّذي كان هذا الكتاب جوابا له : ] سلام اللّه على من اتَّبع الهُدى ، أمَّا بعدُ ، فإنَّا كنَّا نَحنُ وإيَّاكُم يَدا جامِعَةً ، وأُلفَةً
أليفةً ، حَتَّى طَمعتَ يابَن أبي طالِب فتغيَّرتَ ، وأصبحت تُعِدُّ نفسَكَ قَوِيّا على مَن عادَاكَ ، بطغامِ أهلِ الحِجاز ِ ، وأوباشِ أهلِ العِراق ِ ، وحَمْقى الفُسطاطِ ، وغَوغَاءِ السَّوادِ ، وأيمُ اللّه ، لَينجَلِيَنَّ عنك حمقاها ، وليَنقَشِعَنَّ عَنكَ غَوغاوا انقشاع السحاب عن السَّماء .
قتلتَ عُثمانَ بن عَفَّانَ ، ورَقَيتَ سُلَّما ، أطْلَعكَ اللّه ُ علَيهِ مَطْلعَ سُوءٍ علَيكَ لا لَكَ . وقَتَلتَ الزُّبَيْرَ وطَلْحَة َ ، وشَرَّدْتَ بأُمّكَ عائِشَةَ ، ونَزَلْتَ بَينَ المِصرَين ، فَمَنَّيتَ وتَمَنَّيْتَ ، وخُيِّل لَكَ أنَّ الدُّنيا قَدْ سُخِّرَت لَكَ بِخَيلِها ورِجلِها ، وإنَّما تَعرِفُ أُمنِيَّتَكَ لَو قَد زُرْتُكَ في المُهاجِرينَ مِن أهلِ الشَّام ِ بَقِيَّةِ الإسلامِ ، فَيُحيطُونَ بِكَ مِن وَرائِكَ ، ثُمَّ يَقضي اللّه ُ عِلْمَهُ فِيكَ ، والسَّلامُ على أولياءِ اللّه ِ . ۲