93
كتابه عليه السلام إلى جَرِير بن عبْد اللّه
۰.كتابه عليه السلام إلى جَرِير بن عبد اللّه البَجَلِيّ لمَّا أرسله إلى معاوية :« أمَّا بعدُ ؛ فإذا أتاكَ كتابي ، فاحمِلْ مُعاويةَ على الفَصلِ ۱ ، وخُذهُ بالأمرِ الجَزمِ ، ثُمَّ خَيِّرهُ بينَ حَربٍ مُجَلِيَةٍ ۲ ، أو سِلْمٍ مُخزِيَةٍ ، فإنْ اختارَ الحَربَ فانْبِذْ إليْهِ ، وإنْ اختارَ السِّلمَ ، فَخُذ بَيعتَهُ ۳ والسَّلام » . ۴
قال ابن أعْثَم : ثُمَّ كتب النَّجاشيّ ـ شاعر علي رضى الله عنه ـ إلى جَرِير أبياتا مِنَ الشِّعرِ مطلَعُها :
ألا لَيتَ شِعرِي والحوادثُ جَمَّةٌألِلَّعْبِ سارَ المالِكِيُّ جَرِيرُ
فلمّا انتهى الكتاب إلى جَرِير ، أتى معاوية ، فأقرأه الكتاب ، فقال له : يا معاوية إنَّه لا يطبع على قلب إلاَّ بذنب ، ولا يشرح صدر إلاَّ بتوبة ، ولا أظنّ قلبك إلاَّ مطبوعا ، أراك قد وقفت بين الحقّ والباطل كأنَّك تنتظر شيئا في يَدَيْ غيرك .
فقال معاوية : ألقاك بالفيصل أوّل مجلس إن شاء اللّه .
فلمَّا بايع معاوية أهل الشَّام وذاقهم ، قال : يا جَرِيرُ الحَقْ بصاحبك ، وكتب إليه بالحرب . . .
قال نَصْر بن مزاحم : حدَّثنا صالح بن صَدَقَة بإسناده فقال : قال :لمّا رجع جَرِير إلى عليّ عليه السلام كثر قول النَّاس في التُّهمة لجَرِير في أمر معاوية ، فاجتمع جَرِير والأشْتَر عند عليّ عليه السلام فقال الأشْتَر : أما واللّه يا أمير المونين أن لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الَّذي أرخى خناقه ، وأقام عنده حَتَّى لم يدع بابا يرجو فتحه ( روحه ) إلاَّ فتحه ، ولا بابا يخاف أمره إلاَّ سدّه . فقال جَرِير : لو كنت واللّه أتيتهم لقتلوكَ وخوَّفهُ بعمرو وذي الكلاع وحوشب ( ذي ظليم ) ، وقال : إنَّهم يزعمون أنّك من قتلة عثمان .
فقال الأشْتَر : واللّه لو أتيتهم يا جَرِير لم يُعِيني جوابها ، ولم يثقل عليَّ محملها ، ولحملت معاوية على خطّة أُعجله فيها عن الفكر . قال : فائتهم إذا ، فقال : الآن وقد أفسدتهم ووقع بينهم الشَّرّ .
وروى نَصْر عن نُمَيْر بن وعلة ، عن الشَّعْبيّ قال : اجتمع جَرِير والأشْتَر عند عليّ فقال عليه السلام الأشْتَر : أليس قد نهيتك يا أمير المونين أن تبعث جَرِيرا وأخبرتك بعداوته وغِشِّهِ ؛ وأقبل الأشْتَر يشتمه ويقول : يا أخا بُجَيلة ، إنَّ عثمان اشترى منك دينك بهمدان ، واللّه ما أنت بأهل أن تترك تمشي فوق الأرض ، إنَّما أتيتهم لتتَّخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ، ثُمَّ رجعت إلينا من عندهم تهدّدنا بهم وأنت واللّه منهم ، ولا أرى سعيك إلاَّ لهم ، لئن أطاعني فيك أمير المونين ليحبسنَّك وأشباهك في حبس لا تخرجون منه حَتَّى تستتم( تستبين ) هذه الأمور ، ويُهلِكَ اللّه ُ الظَّالمين .
فقال جَرِير : وددت واللّه أن لو كنت مكاني بعثت ، إذن واللّه لم ترجع . قال : سمع جَرِير مثل ذلك من قوله : فارق عليَّا عليه السلام فلحق بقرقيسياء . . . ۵
[ أقول : والَّذي لم يظهر لي إلى الآن ، هو المصلحة الموجودة في إرساله إلى معاوية ، مع ما كان يقال فيه من ميله إلى عثمان وإلى معاوية ، فهل كان هو ناصحا ثُمَّ انحرف وتغيّر حَتَّى هدم عليّ عليه السلام داره ؟ أو كان في إرساله مع الوثوق به صَلاح عظيم لا ندركه ، وقال بعض : إنَّ إرساله عليه السلام جَرِيرا ، فيه مدح ولكنَّه فارقه وانحرف بعد ، وأرجو أن يتَّضح ذلك فيما بعد إن شاء اللّه تعالى .
1.في الفتوح : تعامل معاوية على الفصل .
2.في الفتوح : مقربه .
3.في الفتوح : وان اختار السِّلم فاستوثق منه ما تقدّر عليه وعجّل القدوم عليَّ .
4.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۴ ص۴۵ والفتوح : ج۲ ص۵۱۶ ، تاريخ بغداد :ج۵۹ ص۱۳۵ ؛ نهج البلاغة : الكتاب۸ ، وقعة صفّين : ص۵۵ ، بحار الأنوار : ج ۳۲ ص۳۹۲ ح۳۶۳ كلها نحوه .
5.راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۳ ص۷۰ ـ ۸۷ وراجع : الطبقات الكبرى : ج۱ ص۳۴۷ ، تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۶۱ ، أسد الغابة : ج۱ ص۵۲۹ الرقم ۷۳۰ ، الاستيعاب : ج۱ ص۳۰۸ ، الفتوح : ج۲ ص۵۱۶ ؛ وقعة صفّين :ص۲۷ ـ ۶۰ ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۸۴ ، بحار الأنوار : ج۳۲ ص۳۹۲ ح۳۶۳ .