[ أقول : هذا ما نقله الطَّبري عن التُّستري َّ ، عن شعيب ، عن سيف ، عن مُحَمَّد وطَلْحَة ،وهو كما قال العلاّمة الأميني رحمه الله :شوّه تاريخه بمكاتبات التُّستريّ الكذَّاب الوضّاع ، عن شعيب المجهول الَّذي لا يعرف ، عن سيف الوضّاع المتروك السَّاقط ، المتّهم بالزَّندقة ، وقد جاءت في صفحاته بهذا الإسناد المشوَّه . ۱
وأمَّا رواية أبي مِخْنَف ؛ فإنَّه قال : إنَّ هاشِمَ بنَ عُتْبة لمَّا قدم الكوفة ، دعا أبو موسى ـ الأشعري ـ السَّائبَ بنَ مالكٍ الأشْعَرِيّ فاستشاره ، فقال ـ السائب ـ : اتبع ما
كتب به إليك ، فأبى ذلك ، وحبس الكتاب ، وبعث إلى هاشِم يتوعّده ويخوّفه .
قال السَّائب : فأتيت هاشما فأخبرته برَأي أبي موسى ، فكتب إلى عليّ عليه السلام :
لعبد اللّه عليّ أمير المونين ، من هاشم بن عُتْبَة . أمَّا بعدُ يا أمير المونين ، فَإنِّي قدمت بكتابك على امرىًمُشاقّ بعيد الوُدّ ، ظاهر الغلّ والشَّنآن ، فتهدَّدني بالسجن ، وخوّفني بالقتل ، وقد كتبت إليك هذا الكتاب مع المحلّ بن خليفة أخي طيء ، وهو من شيعتك وأنصارك ، وعنده علمُ ما قِبَلَنا ، فاسأله عمَّا بدا لك ، واكتب إليّ برَأيك ، والسَّلام .
قال: فلمَّا قدم المحلّ بكتاب هاشم على عليّ عليه السلام ، سلّم عليه ثُمَّ قال: الحَمدُ للّه ِ الَّذي أدَّى الحقَّ إلى أهلِهِ ، وَوَضَعَهُ مَوضِعَهُ ؛ فَكَرِهَ ذَلِكَ قَومٌ قَد وَاللّه ِ كَرِهُوا نُبُوَّةَ مُحَمّد ٍ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ بارَزُوهُ وَجَاهَدُوهُ ، فَرَدَّ اللّه ُ عَلَيهِم كَيدَهُم فِي نُحوُرِهِم ، وَجَعَلَ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَيهِم . وَاللّه ِ يا أميرَ المُوِنينَ ، لَنُجَاهِدَنَّهُم مَعَكَ في كُلِّ مَوطِنٍ ، حِفظا لِرَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله في أَهلِ بيتِهِ ، إذ صارُوا أعداءً لَهُم بَعدَهُ .
فرحّب به عليّ عليه السلام ، وقال له خيرا ، ثُمَّ أجلسه إلى جانبه ، وقرأ كتاب هاشم ، وسأله عن النَّاس ، وعن أبي موسى ، فقال : واللّه يا أمير المونين ، ما أثقُ به ولا آمَنُهُ على خِلافِكَ إنْ وَجَدَ مَن يُساعِدُهُ علَى ذلِكَ .
فقال عليّ عليه السلام : « وَاللّه ِ مَا كانَ عِندِي بِمُوتَمنٍ ولا ناصِحٍ ، ولَقَد أرَدتُ عَزْلَهُ، فأتاني الأشْتَر فَسَأَلَنِي أنْ أُقرَّهُ ، وَذَكَر أنَّ أَهلَ الكُوفَة ِ بِهِ رَاضُونَ فأَقرَرتُهُ » .
وَرَوى أبو مِخْنَف ٍ ، قال : وبعث عليٌّ عليه السلام من الرَّبَذَة ـ بعد وصول المحلّ بن خليفة ، أخي طيء ـ عبدَ اللّه بن عبَّاس ، ومُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ إلى أبي موسى ؛ وكتب معهما :
« مِن عَبْدِ اللّه ِ عَلِيٍّ أميرِ المُوِنِينَ إلى عَبْدِ اللّه ِ بْنِ قَيْس ٍ ، أمَّا بَعْدُ ؛ يَابنَ الحَائِكِ ، يا...۲، فَوَ اللّه ِ إنِّي كُنْتُ لأَرَى أنَّ بُعْدَكَ مِن هَذَا الأمْرِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْك اللّه ُ لَهُ أهْلاً ، وَلا جَعَلَ لَكَ فيْهِ نَصِيبا ، سَيَمْنَعُكَ مِن رَدِّ أمْرِي ، والانْتِزَاءِ عليَّ ، وقَد بَعَثْتُ إليْكَ ابنَ عبَّاس ٍ وَابنَ أبي بَكرٍ ، فَخَلِّهِما والمِصرَ وأهلَهُ ، وَاعْتَزِل عَمَلَنا مَذْؤوما مَدحُورا .
فإنْ فَعَلْتَ ، وَإلاَّ فإنِّي قَد أمَرْتُهُما أنْ يُنَابِذاكَ علَى سَواءٍ ، إنَّ اللّه َ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنينَ ، فإذا ظَهَرا عليْك قَطَّعاكَ إرْبا إرْبا ، وَالسَّلامُ على مَن شَكَرَ النِّعْمَةَ ، وَوَفَى بالبَيْعَةِ ، وَعَمِلَ برَجَاءِ العَاقِبةِ . »
قال أبو مِخْنَف : فلمَّا أبطأ ابنُ عبَّاس وابنُ أبي بَكر عن عليّ عليه السلام ، وَلم يدرِ ما صنعا ، رحل عن الرَّبَذَة إلى ذي قار فَنَزَلَها ، فَلَمَّا نزلَ ذا قارٍ ، بَعث إلى الكوفة الحسنَ ابنَه عليه السلام وعَمَّارَ بن ياسِر وزَيْد بن صُوحان وقَيْسَ بن سَعْد بن عُبادَة ، ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة ، فأقبلوا حَتَّى كانوا بالقادسيّة ، فتلقّاهم النَّاس ، فلمَّا دخلوا الكوفة قرؤوا كتابَ عليٍّ ، وهو ،..... ۳
1.راجع : الغدير : ج۸ ص۲۰۱ ـ ۴۵۸ .
2.وردت في المصدر عبارة نستبعدُ صدورها عن أمير المؤمنين عليه السلام .
3.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ۱۴ ص ۹.