99
مكاتيب الأئمّة جلد1

16

كتابه عليه السلام إلى قَيْس بن سَعْد

۰.« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أمَّا بَعدُ ؛ فَسِرْ إلى القَومِ الَّذِينَ ذَكَرتَ ، فإن دَخَلوا فِيما دَخَلَ فيهِ المُسلِمون َ ، وإلاّ فَناجِزْهُم ، إن شاءَ اللّه ُ » . ۱

أقول : إجمال القصّة ، أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام لمَّا تمّت له البيعة ، أرسل إلى مصر قَيْس بن سَعْد بن عُبادَة واليا عليها ، وكتب معه كتابا إلى أهل مصر ، ۲ فلمَّا وصل مصر قرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وخطبهم ، وحثَّهم على البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام ، فبايعوا إلاّ القليل ، منهم : مَسْلَمَة بن مخلّد ، فداراهم قَيْس وساسهم سياسة حسنة، حيث أراد المخالفون القيام للطلب بثأر عثمان ، فأرسل إليهم قَيْس بالكفّ عن القتال ، فكفّوا على أن لا يطالبهم بالبيعة حَتَّى يتمّ الأمر ، وينجلي الغالب والمغلوب بين العراق والشَّام ، فقبل قَيْس منهم ، وكفّ عنهم ، وكتب قَيْس
بذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام :
بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أمَّا بعدُ ، فإنِّي أُخبِرُكَ ـ يا أميرَ المُؤمنِينَ ـ أكرَمَهُ اللّه ُ ، أنَّ قِبَلي رِجالاً مُعتَزِلينَ ، سَأَلوني أن أكفَّ عَنهُم ، وأن أدَعَهُم على حالِهِم حَتَّى يستقيمَ أمرُ النَّاسِ ، فنرى ويَروْا رأيهم ، وقَد رأيتُ أن أكفَّ عَنهُم ، وألاّ أتعجَّلَ حَربَهُم ، وأن أتألَّفَهُم فيما بينَ ذلك ، لعلَّ اللّه َ عز و جلأن يُقبِلَ بِقُلُوبِهِم ، ويُفَرّقَهُم عَن ضَلالَتِهِم ، إن شاءَ اللّه ُ . ۳
وكتب معاوية ُ إلى قَيْس بن سَعْد يستزلّه ، ويعده الولاية له ولأهل بيته ، فردّه قَيْس ، وجرى بينهما مكاتبات ، فلمَّا يئس معاوية ، وثقل عليه كونه واليا على مصر لِما عَلِمَ من بأسه وسياسته ونجدته . وخاف معاوية ُ جانبه ، وعلم أنّه مادام قَيْس بمصر لا يتمكّن من فتحها ، بل يخاف أن يحمل عليه قَيْس من جهته أيضا ؛ ولذلك احتال معاوية واختلق كتابا ادّعى أنّه من قيس ، وأنّ قيسا موالٍ لمعاوية في سرّه وقرأه على النَّاس ، وأشاع ذلك في العراق ، وروّجه في العراق عيون معاوية وجواسيسه ، كالأشعث وأضرابه .
فلمَّا وصل كتاب قَيْس هذا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في الكفّ عن المعتزلين، جعلوه دليلاً على الأراجيف المفتعلة في قيس ، وحثّوا جمعا ممَّن لا خبرة له بأسرار الأمور والحوادث ، على الإصرار على عزله ، كل ذلك كان من تدبير أذناب وأيادي معاوية الموجودين سرَّا في الكوفة ، وكانت وظيفة الأشْعَث وأضرابه، هي إلجاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى عزل قَيْس ، متذرِّعين بهذه العناوين الباهتة ، وفطن عليّ عليه السلام إلى ذلك التَّدبير الخبيث ، فلم يرَ مناصا من أن كتب إلى قَيْس هذا الكتاب ،
يأمره فيه بمناجزة القوم فكتب إليه قَيْس :
أمَّا بعدُ ؛ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، العجبُ لَكَ ! تأمُرُني بقتِال قَومٍ كافِّينَ عَنكَ ، لم يَمُدّوا يَدَا للفِتنَةِ ، ولا أرصَدُوا لها ، فأطعِني يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكُفَّ عَنهُم ، فإنَّ الرَّأي تَركُهُم ، والسَّلامُ . ۴
ونقل البلاذري في أنساب الأشراف قال : بعث عليٌ قَيْسَ بن سَعْدِ بنِ عُبادَةَ أميرا على مصر ، فكتب إليه معاوية وعَمْرو بن العاص كتابا أغلظا فيه ، وشتماه ، فكتب إليهما بكتاب لطيف قاربهما فيه ، فكتبا إليه يذكران شرفه وفضله ، فكتب إليهما بمثل جواب كتابهما الأوّل ، فقالا :
إنَّا لا نطيق مكر قَيْس بن سعد ، ولكنَّا نمكر به عند عليّ ، فبعثا بكتابه الأوَّل إلى عليّ ، فلمَّا قرأه ، قال أهل الكوفة : غَدَرَ واللّه ِ قيسٌ ، فاعزِلهُ .
فقال عليّ : « وَيحَكُم، أنا أعلَمُ بِقَيس ، إنَّهُ واللّه ِ ، ما غَدَر ، و لكِنَّها إحدى فِعلاتِهِ » .
قالوا : فإنَّا لا نرضى حَتَّى تعزله، فعزله ، وبعث مكانه محمَّد بن أبي بكر .
فلمَّا قدم عليه ، قال : إنَّ مُعاوِيَةَ وعَمْرو سَيَمكُرانِ بِكَ ، فَإذا كَتبا إلَيكَ بِكَذا فَاكتُب بِكَذا ، فإذا فَعَلا كَذا فافعَل كذا ، ولا تُخالِف ما آمُرُكَ بِهِ ، فَإن خالَفتَهُ قُتِلتَ .۵
وهكذا عزلَ أمير المؤمنين عليه السلام قيسَ بن سعد ، وبعث مكانه محمَّد بن أبي بكر رحمه الله ، فوقع ما وقع ، وقد اشتبه الأمر على جمعٍ ، فقالوا : إنَّه بعث مكانه الأشْتَر ؛ إذ قصّة قَيْس كانت قبل صفِّين ، وقِصَّةُ الأشْتَر كانت بعد صفِّين .

1.تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۵۴ ، أنساب الأشراف : ج۱ ص۳۹۲ ، جمهرة رسائل العرب : ج۱ ص۵۳۱ الرقم۴۹۶ ؛ الغارات : ج۱ ص۲۱۸ .

2.راجع : تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۴۹ ؛ وبحار الأنوار : ج۳۳ ص۵۴۰ .

3.تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۵۴ ، جمهرة رسائل العرب : ج۱ ص۵۳۰ الرقم ۴۹۵ .

4.راجع : تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۵۳ ،الأصابة : ج۳ ص۲۴۹ ، وأنساب الأشراف : ج۱ ص۳۹۲ و۴۰۵ ، جمهرة رسائل العرب : ج۱ ص۵۳۱ الرقم۴۹۷ والاستيعاب وأسد الغابة ترجمة قيس .

5.راجع : أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۷۳ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۶ ص۵۷ ـ ۶۳ ؛ الغارات : ج۱ ص۲۱۱ ـ ۲۱۹ .


مكاتيب الأئمّة جلد1
98
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة جلد1
    سایر پدیدآورندگان :
    فرجی، مجتبی
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 182240
صفحه از 568
پرینت  ارسال به