غريب الحديث في بحارالأنوار ج 1
صفحه 11
بسـم اللّه الرّحمن الرّحيـم
المقدّمة
يواجه جميع الذين يتعاطون مع النصوص القديمة ويحاولون فهم أفكار القدماء عبر استنطاق ما خلّفوه من تراث مكتوب ، مشكلة المفردات الغريبة الموجودة بين ثناياه . إذ أنّ تلك المفردات التي يتعسّر أو يتعذّر فهمها قد تقع أحيانا في موضع أساسيّ وحسّاس من الكلام فتجعله غامضا ، وتترك في قلب السامع أو القارئ حسرة استيعاب المعنى الذي أراده القائل أو الكاتب .
أمّا كيف تُمسي تلك المفردة غريبة ، ولماذا يستخدمها أُناس أكابر كالمعصومين عليهم السلامكما هو الحال في محتوى الكتاب الذي بين أيدينا؟ فهذا بحث آخر تناوله الكثير من علماء اللغة والمتخصّصون في علوم القرآن و علوم الحديث وبيّنه مصنّفو غريب الحديث في كتبهم أكثر من غيرهم . ولكنّهم على أيّ حال كانوا يدركون أنّه متى ما استعصى على المخاطب فهم المعنى بنفسه ، فالأمر يستلزم عندئذٍ وجود وسيط يُفسّر له الألفاظ والمفاهيم الغريبة بشكل يتناسب مع المقصود الأصلي للقائل ، وينسجم مع العناصر الاُخرى المؤثّرة في صياغاته اللغوية ونقل معانيها إليه ولو بشكل آخر وبقالب أكثر وضوحا لديه ، حتّى وإن كان ذلك القالب أقلّ سعة وأدنى دقّة .
اهتمّ مصنّفو غريب الحديث المسلمون ـ كنظرائهم من الاُدباء ـ ببذل جهود كبرى في هذا المجال ، وعملوا إلى جانب تدوين العلوم الأدبيّة والبلاغيّة على تكريس جزء من مساعيهم لشرح وتفسير الألفاظ الغريبة في النصوص الدينيّة (القرآن والحديث) ونجحوا
غريب الحديث في بحارالأنوار ج 1
صفحه 12
في مساعيهم تلك واجتازوا خلال عدّة قرون من العمل الدؤوب مرحلة الإبداع والتأليف وتمكّنوا من تدوين جوامع لغويّة يسهل الرجوع إليها ، وخلّفوا وراءهم آثارا قيّمة في مضمار تدوين غريب الحديث ، حتى أصبح علم اللغة والحديث مدينا لهما بالفضل .
سنحاول هنا ومن خلال دراسة تأريخيّة تسليط الأضواء على مراحل ومسار تدوين كتب غريب الحديث :
1 ـ بدء تدوين المفردات :
أدّى اهتمام المسلمين بالقرآن الكريم وإقبالهم على تعلّمه وانتقال معارفه وانتشار مفاهيمه ودخول أقوام من غير العرب في الإسلام وتداخل اللغة العربيّة مع لغات اُخرى ، إلى وجوب تفسير وشرح بعض المفردات القرآنيّة التي كان يندر تداولها في اللغة العربيّة التي كان يتحدّث بها هؤلاء ، وكانت تلك الألفاظ غريبة عليهم وغير مأنوسة لديهم . فاهتمّ بعض علماء الشيعة كابن عباس وأبان بن تغلب بتصنيف كتب صغيرة في غريب ألفاظ القرآن ، وبعد مائة وخمسين سنة من ذلك التاريخ ؛ أي في بداية القرن الثالث للهجرة ، بدأ تدوين غريب الحديث من أجل نفس هذه الغاية .
لقد ظهرت إلى الوجود في بداية تدوين هذا العلم ـ وكما هو الحال بالنسبة للعلوم والفنون الاُخرى ـ آثار قليلة تعدّ بالأصابع جاءت كحصيلة للجهود الفكريّة للبناة الأوائل الذين اهتمّوا بشرح المفردات الغريبة للأحاديث التي جُمع منها عدد قليل حينذاك ، ودُوِّنت تلك الشروح والتفاسير بلا أيّ ترتيب منطقي ، وفُقد الكثير منها على مرّ التاريخ . وإنّ مجرّد وصف واحد من تلك الكتب الاُولى يقوّي الظنّ لدينا بأنّ أكثرها كانت مرتّبة ترتيبا موضوعيّا ۱ مثلما هو الحال بالنسبة للكتب الفقهيّة التي دوّنت مرتّبة على أبواب الفقه والسنن . وإن كان يُحتمل أنّ الترتيب الموضوعي لبعضها جاء على غرار الكتب الاُولى في اللغة ؛ وذلك لأنَّ مؤلّفيها كأبي عبيدة ( المتوفى210هجريّة ) ، والأصمعي ( المتوفى
1.قال ابن درستويه في وصف غريب الحديث لأبي عدنان : «ذكر فيه الأسانيد وصنّفه على أبواب السنن والفقه ، إلاّ أنّه ليس بالكبير» .