البرکة (تفصیلی) - الصفحه 5

1 . المبارك المطلق

الملاحظة الاُولى التي وردت الإشارة إليها في القرآن والروايات الإسلاميّة هي أنّ الذات المقدّسة للحقّ ـ تعالى ـ هي مبدأ جميع بركات العالم ، فهو الذي خلق كلّ البركات وأنزلها وشملت رحمته وبركته كلّ شيء ولذلك ، فإنّ اللّه هو المبارك المطلق ، والمبارك من صفات البارئ ـ تعالى ـ وجميع المخلوقات تتمتّع بالبركات الإلهيّة على قدر استعدادها ولياقتها ، سواء علمت أم لم تعلم ، أرادت أم لم ترد .

2 . العلاقات بين العوامل الماديّة والمعنويّة للبركة

إنّ النقطة الاُولى التي تلفت النظر فيما يتعلق بدراسة عوامل البركة من منظور الرؤية القرآنيّة والحديثيّة ؛ هي التجاور الذي يبرز في النصوص الإسلاميّة بين العوامل المعنويّة للبركة ، والأسبابِ والعلل المادّية لها . فمن جهة تتحدّث هذه النصوص عن التقوى ، والعبادة ، والطهارة ، والدعاء ، والصلاة ، والحج ، والاستغفار ، وأمثال ذلك بوصفها مبادئ للبركة والنموّ في الحياة ، ومن جهة اُخرى تراها تُعلن عن الرعي وتربية الحيوانات ، والزراعة ، والتجارة ، والعمل باعتبارها رصيدا للبركة ، وعناصر في تحقّق الخير ونموّه وازدهاره . والمعنى الذي يبرز من ثنايا هذا التجاور والجمع بين المعنوي والمادّي في إطار مركّب واحد ؛ أنّ الإيمان بتأثير المعنويّات في الخير والبركة والازدهار المادّي لا يعني في الرؤية الكونية الإسلاميّة نفي الأسباب والعلل المادّية أو التقليل من أهمّيتها في تحقيق التنمية ، بل يعني أنّ الإسلام يؤمن ـ بالإضافة إلى الأسباب والشروط والعناصر المادّية المعروفة في التنمية ـ بعوامل اُخرى غير مرئية يعتقد أنّ لها أثرها في هذا المسار . فالإسلام يؤمن بأنّ للمعتقدات الدينيّة الصحيحة والأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة دورها أيضا في تحقيق الازدهار والنموّ الاقتصادي للمجتمع .
فالقرآن الكريم يسجّل صراحةً :
«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَْرْضِ» . ۱
كما يسجّل في آية اُخرى أيضا :
«فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَ يُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَ بَنِينَ وَ يَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَ يَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا » . ۲
علاوة على ما مرّ ، فإنّ عملية الازدهار والتنمية المستديمة للمجتمع الإنساني تقترن بدورها بالقيم الاعتقادية والأخلاقية والعملية ، ومن دون هذا الاقتران لن تدوم البركات المادّية أيضا. ۳

1.الأعراف : ۹۶ .

2.نوح : ۱۰ ـ ۱۲ .

3.لمعرفة المزيد عن موانع البَرَكة وآفات التنمية والازدهار ، راجع : الفصل السادس عشر من هذا العنوان ؛ وأيضا : الفصل الخامس من كتاب التنمية الاقتصادية فيالكتاب والسنّة .

الصفحه من 156