البلاء (تفصیلی) - الصفحه 48

ورغم أنّ الأصل في الابتلاء الاختبار بالمصائب والشدائد . ولكن نظراً إلى أنّ النعمة والرخاء يسببان الغفلة ، وأنّ النجاح في الاختبار في مثل هذه الظروف هو ـ عادة ـ أصعب من النجاح في الشدائد ، فقد استخدمت مادة الابتلاء في الكتاب والسنّة في مواضع بمعنى الابتلاء بالمسرّات والنعم أحياناً .
وعلى هذا الأساس ، فإنّ قسماً من اختبارات الأنبياء وابتلاءاتهم يكون بالنعم والمسرّات فضلاً عن الحجم الهائل من الامتحان والابتلاء بالمصاعب والمحن .
ويقدّم لنا القرآنُ الكريم في هذا المجال أمثلة حول ابتلاءات الأنبياء عليهم السلام ، والمواضع التالية جديرة بالتأمّل والتعمّق في هذا المجال :

1 . آدم عليه السلام

آدم هو أبو الذرية القائمة من البشرية في الأرض ، وأوّل رسول إلهي بُعث عليها . وكان قد خلق للأرض منذ البدء ، وكان اللّه تعالى قد قدّر له مع زوجه بعد الهبوط إلى الأرض التي هي دار التكليف والامتحان ، أن يجرّب مرحلة الحياة التجريبية في جنّة مفعمة بالهناء والراحة وأنواع النعم باعتباره إنموذجا للإنسان ، لا باعتباره إنساناً معصوماً ، وأن تجذبهما المغريات الجسديّة والأرضية نحو الشجرة المحرمة ويأكلا منها متأثّرين بقَسَم الشيطان ووساوسه ، وأن يُخرَجا منها ويبتليا بالحياة في دار العناء والمحنة؛ كي يجرّبا هذه الحقيقة وهي أنّهما إذا ارتكبا المعصية في دار التكليف ، فإنّهما سوف يبتليان في الدار التالية ، أي الآخرة بحياة بالغة الشدّة وحافلة بالمعاناة والعذاب ، فضلاً عن هذه الدار .
وقد أوقعت محنة الحرمان من الجنة الاُولى آدمَ بعد خروجه من الجنة والهبوط إلى الأرض ، بالابتلاءات والشدائد إلى درجة بحيث إنّ ذلك أبكاه دهراً طويلاً حتى عُدّ من البكّائين .

الصفحه من 118