165
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

من خلال استقراء مبادئ العلم والحكمة ۱ والعقل ۲ واستقراء صفاتها وآثارها وآفاتها وعوائقها .

العقل النظري والعقل العملي

هنالك رأيان في تفسير معنى العقل النظري والعقل العملي:
يذهب الرأي الأوّل إلى أنّ العقل هو مبدأ الإدراك، ولا يوجد في هذا الصدد أيّ فارق بين العقل النظري والعقل العملي، وإنّما يكمن الفارق في الهدف؛ فإذا كان الهدف من إدراك الشيء هو معرفته لا العمل به، يُسمّى مبدأ الإدراك حينئذٍ بالعقل النظري ، من قبيل إدراك حقائق الوجود، أمّا إذا كان الهدف من الإدراك هو العمل، فيسمّى مبدأ الإدراك عند ذاك بالعقل العملي، من قبيل معرفة حسن العدل وقبح الجور، وحسن الصبر وقبح الجزع، وما إلى ذلك. وقد نُسب هذا الرأي إلى مشاهير الفلاسفة، ويمثّل العقل العملي ـ وفقا لهذا الرأي ـ مبدأ للإدراك وليس كمحفّز أو دافع.
ويذهب الرأي الثاني إلى القول بأنّ التفاوت بين العقل النظري والعقل العملي تفاوت في الجوهر؛ أي في طبيعة الأداء الوظيفي لكلّ منهما؛ فالعقل النظري هو عبارة عن مبدأ الإدراك سواء كان الهدف من الإدراك هو المعرفة أم العمل، والعقل العملي مبدأللدوافع والمحفزات لا الإدراك، ومهمّة العقل العملي هي تنفيذ مدركات العقل النظري.
وأوّل من قال بهذا الرأي ـ على الأشهر ـ هو ابن سينا، ومن بعده قطب الدين

1.راجع : ج ۲ ص ۱۴۱ «الفصل الرابع : مبادئ الإلهام» ، ص ۱۶۳ «الفصل الأول : حجب العلم والحكمة» ، ص۱۹۳ «الفصل الثاني : ما يزيل الحُجب» و ... .

2.راجع : ص ۲۲۹ «ما يقوّي العقل» و ۲۴۳ «الفصل الخامس : علامات العقل» ، ص ۳۰۳ «الفصل السادس : آفات العقل» و ۳۱۹ «الفصل السابع : أحكام العاقل» .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
164

إنّ الإنسان قادر بطبيعته على تفعيل فكره لكشف أسرار الطبيعة، غير أنّ إحياء العقل لمعرفة الكمال المطلق والتخطيط في سبيل الانطلاق على مسار الغاية العليا للإنسانية لا يتيسّر إلّا للأنبياء.
وكلّ ما ورد في الكتاب والسنّة عن العقل والجهل وعن صفات العقل وخصائصه وآثاره وأحكامه إنّما يختصّ بهذا المعنى من معاني العقل.
وحينما يبلغ الإنسان أسمى مراتب الحياة العقلية في ضوء تعاليم الأنبياء، تتبلور لديه معرفة وبصيرة لايجد الخطأ إليها سبيلاً، وتبقى ملازمة له إلى حين بلوغه ذروة الكمال الإنساني. وفي هذا المعنى قال أميرالمؤمنين عليه السلام :
قَد أَحيا عَقلَهُ، وأَماتَ نَفسَهُ، حَتّى دَقَّ جَليلُهُ ، ولَطُفَ غَليظُهُ، وبَرَقَ لَهُ لامِعٌ كَثيرُ البَرقِ؛ فَأَبانَ لَهُ الطَّريقَ، وسَلَكَ بِهِ السَّبيلَ، وتَدافَعَتهُ الأَبوابُ إِلى بابِ السَّلامَةِ ودارِ الإِقامَةِ، وثَبَتَت رِجلاهُ بِطُمَأنينَةِ بَدَنِهِ في قَرارِ الأَمنِ وَالرّاحَةِ بِمَا استَعمَلَ قَلبَهُ وأَرضى رَبَّهُ.۱
وبناءً على هذا، وانطلاقا من التعريف الذي يأتي في معنى العلم الحقيقي والحكمة الحقيقية ۲ ، يتّضح لدينا أنّ النصوص الإسلامية طرحت ثلاث مفردات هي: العلم والحكمة والعقل، للتعبير عن قوّة نورانية باطنية بنّاءة في وجود الإنسان ، وهذه القوّة تُسمّى بـ«نور العلم» من حيث إنّها تقود الإنسان إلى التكامل المادّي والمعنوي، وتُسمّى بـ«الحكمة الحقيقية» من حيث ما تتّسم به من تماسك وابتعاد عن الخطأ، وتسمّى من ناحية اُخرى بـ«العقل» من حيث يدفع الإنسان إلى فعل الخير ويمنعه عن الانزلاق فكرا وعملًا، ويمكن البرهنة على هذا الزعم بكلّ جلاء

1.راجع : ص ۲۹۷ ح ۶۴۷ .

2.راجع : ج ۲ ص ۲۱ «الفصل الأول : حقيقة العلم» .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 237038
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي